بقلم: بولس رمزي
في موضوع مشروع القانون الموحد للاحوال الشخصيه للمسيحيين تضج الساحه بالحوارات الفكريه والفقهيه والقانونيه في نقاشات وسجالات تجد فيها الجميع يتكلمون والجميع لايسمعون الا انفسهم وكل طرفا يعتقد انه الوحيد من علي صواب والباقون مخطئون ومن خلال هذا المقال انت مدعو عزيزي القارئ ان تدلي برأيك بكل حريه دون ان يقاطعك او يحجر علي رأيك احد وسوف افتتح هذا الحوار الفكري بيني وبين اعزائي القراء من خلال هذا المقال وللتبسيط سوف اعرض مناقشتي لهذا الموضوع من خلال مجموعه من النقاط الرئيسيه التي نوجزها فيما يلي :
اولا- شرعية القانون الموحد قبل وبعد صدوره
ثانيا – مناقشة موضوعيه لمشروع القانون الموحد للاحوال الشخصيه للمسيحيين
ثالثا - أين الحل
أولا – شرعية القانون الموحد قبل وبعد صدوره
من الطبيعي ان الوضع القانوني الحالي للقانون الموحد للاحوال الشخصيه للمسيحيين انه مجرد اقتراح بقانون مقدم من الكنائس الثلاث لمناقشته وعرضه علي السلطه التشريعيه متمثله في مجلس الشعب للموافقه عليه واصداره .
عقب اصدار هذا القانون انتهت مسئولية الكنائس الثلاث عنه واصبح احد قوانين الدوله المصريه وهي المسئوله والملتزمه بتطبيقه وتنفيذ كافة بنوده ومواده مثله مثل جميع القوانين الاخري التي تحكم جميع مناحي الحياه بالدوله وتلتزم الدوله بان تكون نصوص مواد هذا القانون نصوصا دستوريه لايوجد بها اي تعارض مع مواد الدستور المصري
ثانيا – مناقشه موضوعيه لمشروع القانون :
ولمناقشة مشروع قانون معروضا علي الدوله لمناقشته واصداره يجب ان نفرق كيانين لكل منهما مسئولياته والتزاماته التي لايمكنه ان يحيد عنه وهما :
الكيان الاول : الكنيسه وهي لها التزامات واحكام وارده في نصوص دينيه لايمكنها الحياد عنها او الاجتهاد فيها , فهي التزامات جامده غير قابله للمساس والتوسع في تفسير النص
الكيان الثاني : الدوله وهي الكيان الاكبر الذي يدير ويحكم الدوله بجميع الطوائف والانتماءات وهي ايضا ملتزمه حينما تناقش مشروعا لاحد القوانين لابد وان يكون متوافقا مع كل من دستور الدوله والعهود والمواثيق الدوليه التي وقعت الدوله عليها والتزمت باحترام بنودها وتنفيذها ولايمكنها اصدار تشريعات تتناقض مع ما التزمت به واصبح احد مواد الدستور المصري الملزمه وفقا لما جاء بنص الماده 151 منه
وبنظره عامه علي مشروع القانون الموحد للاحوال الشخصيه للمسيحيين في مسالة الزواج والطلاق فهو يشترط سببان اثنان فقط للطلاق وهما :
1- تغيير الديانه وليس المله
2- زنا احد الطرفان
وهذا الامر بالرغم من انه متوافقا مع نصوص الكتاب المقدس الا انه للاسف الشديد هذان الشرطان لايلبيان قواعد حقوق الانسان الوارده في العهد الدولي ونظرا لحساسية هذا الموضوع سوف اشرحه بشكلا اكثر توسعا
في الوقت الراهن لايوجد اي قوانين ملزمه بالزواج للمسيحيين بعدما نجح قداسة البابا شنوده الثالث في ابطال القانون 462 لسنة 1955, فان الزواج الآن لايتم الا بموافقة الكنيسه ولا تعترف ايضا باحكام الطلاق الصادره من المحاكم المصريه الا لعلة الزنا , فبالرغم من ان هناك الاف الاحكام الصادره بالطلاق الا ان الكنيسه لا تعترف بها ولا تعطي الحاصلين حق الزواج الا في حالات استثنائيه "ولا احب الخوض في هذه الحالات الاستثنائيه لان الموضوع شائكا جدا ولاتقبل الكنيسه من احد مناقشة هذه الحالات الاستثنائيه" , وبالرغم من كل هذا فان جميع قوانين الزواج والطلاق والمستحدثه والمعدله والتي تخص المسلمين هي القوانين التي تتعامل معها منظمة هيومن رايس ووتش التابعه للمنظمه الدوليه للامم المتحده دون غيرها باعتبارها قوانيا مدنيه وليست دينيه.
كما يشيع البعض وبالتالي تتعامل المنظمات الدوليه مع هذه القوانين باعتبارها قوانين مصريه لاتقتصر علي فئه او ديانه بعينها ويتمتع باحكامها جميع المصريين بجميع مللهم وطوائفهم ودياناتهم وعلي مر اربعون عاما تحاول الدوله جاهده ان تتعامل مع المنظمات الدوليه من خلال القوانين التي يتعامل بها الاخوه المسلمون علي اعتبارها انها هي قوانين الدوله المدنيه التي تطبق علي الجميع وما يخص الاقباط فان الدوله تعتبره زواجا كنسيا خاضعا لطقوسا كنسيه تحترمها الدوله لها احكامها وقواعدها الدينيه , وللمسيحيين الحق في ايهما وبالتالي فان المنظمه الدوليه لحقوق الانسان حينما تقدم تقريرا عن حقوق الانسان في مصر في الصدد تقدمه علي اعتبار ان ذلك ممارسه عامه للمصريين جميعا وضاع الاقباط بين قوانين الكنيسه الجامده وتغطية الدوله لها بقانون لا يطبق علي الاقباط في زواجهم وان تم تطبيقه في طلاقهم فلا احد يمنحهم حق الزواج ولم نري في تقارير المنظمه الدوليه شيئا عن حقوق الاقباط في الزواج والطلاق المدني كانه نسيا منسيا
لكن عندما يري النور قانونا موحدا للاحوال الشخصيه للاقباط سيكون هذا القانون خاضعا لما يلي :
1- اي قانون تصدره الدوله لايمكن أن يدخل تحت اي اطارا دينيا فهو قانونا مدنيا وبالتالي فان هذا القانون سيأخذ الصفه المدنيه وسوف تنتزع عنه العباءه الدينيه عند مناقشته واصداره
2- لا يمكن للدوله ان تصدر قانونا يحدد حالات الطلاق باحد هذين السببين فقط فلا يمكن للدوله ان تصدر قانونا يلزم طرفا عقد الزواج في الاستمرار في الحياه في بيتا واحدا رغما رغبتيهما واراداتهما او علي اقل تقدير رغما عن احدهما فما تقدر عليه الكنيسه داخل جدرانها لايمكن للدوله ان تصدر به تشريعا مخالفا لدستورها والمواثيق الدوليه التي وقعت عليها
3- ان صدور هذا القانون سوف ينشئ حقا قانونيا للاقباط الذين صدر بشأنهم احكاما قضائيه سابقه علي صدوره يلزم الدوله بأحقيتهم في الزواج الامر الذي ترفضه الكنيسه رفضا قاطعا
4- وفقا لمشروع القانون فانه بالنسبه لحالات الطلاق لعلة الزنا فلايجوز للطرف المخطئ ان يتزوج مدي الحياة وهذا يتعارض تماما مع جميع المواثيق والاعراف الدوليه والدستور المصري ايضا فلا يمكن للدوله ان تصدر تشريعا يقف حائلا امام حقا انسانيا في الزواج
5- وفقا لهذ القانون سوف تكون الجهه الامره هو القضاء المصري وليس الكنيسه التي ستتحول الي مأذونا شرعيا يزوج ويطلق ويوثق دون اي اجتهاد ودن ان نري ونسمح راهبا مثل الانبا بولا الذي يجمع بين الرهبنه والبتوليه وصلاة الموتي وحصانة القضاء في العالم
ثالثا – أين الحل ؟
من الواضح وفقا لالتزامات كلا من كيان الدوله والكيان الكنسي وضوابطهما فان مشروع هذا القانون سوف يصل بنا الي مرحلة التصادم في التزمات كل منهما فلا الكنيسه سوف تقبل بمعطيات والتزمات الدوله ودستورها في هذا المجال ولا الدوله والتزماتها ودستورها سوف يقبل باحكام وضوابط الكنيسه والغريب في الامر ان الطرفان يعلمان ذلك تماما فكل منهما لديه جهابزه وفقهاء ومستشارون في القانون الدولي والدستوري ويعلمون تماما بان مشروع هذا القانون سوف يعود الي الادراج المغلقه مرة اخري ونعود ثانية الي نقطة الصفر دون اي تقدما نحو خروج هذا القانون الي النور , والطرفان غير متضرران من عودة السكون وعدم ظهور هذا القانون الي النور وفقا للمعطيات التاليه :
1- ان عدم سن قانونا للاحوال الشخصيه للمسيحيين سوف تظل الكنيسه لها الحق في المنح والمنع علي الاقباط في احوال الزواج والطلاق وهذا ما تسعي اليه فهي ليست جاده في رغبتها في صدور هذا القانون فيكفيها التمسك باحكام الانجيل التي سوف تعفيها من اي انتقادات
2- ان الدوله ليست متضرره من استمرار الصداع بين الاقباط والكنيسه وليست مضطره بشكلا ملحا في اصدار قانونا ملزما وتكتفي بالقول انه زواجا كنسيا مثل اي زواجا كنسيا في جميع بلدان العالم تطبق فيه الطقوس والنصوص الدينيه ولا سلطه للدوله عليه باعتباره احد الشعائر الدينيه التي تحميها وتحترمها الدوله وفقا للماده السادسه واربعون من الدستور المصري الامر الذي يبعدها اي انتقادات دوليه في هذا الشأن.
3- سوف يلقي كلا الطرفان بلائمته علي الطرف الاخر فالكنيسه كعادتها سوف تعيد صراخها بانها اعدت قانونا للاحوال الشخصيه والدوله هي التي تسوف في اصداره اما الدوله سوف تلقي باللائمه علي الكنيسه بان مشروع قانونها يتعارض مع بنود الدستور المصري
4- المتضرر الوحيد في هذا هم الاقباط انفسهم ضائعين ومهزومين بين مطرقة الكنيسه وسندان الدوله ولا احدا يلتفت الي احتياجاتهم ومعاناتهم بجديه ورحمه.
5- لحل هذه المعضله يجب ان يكون مايلي:
أ- ان يتم تعديل هذا القانون بالتوسع في اسباب الطلاق باضافة الحالات التي معها يستحيل استمرار الحياة الزوجيه باي شكل من الاشكال واعتقد ان البنود التسعه الوارده في لائحة 1938 تمثل اسبابا عادله
ب- ان يكون الزواج وفقا لهذا القانون زواجا مدنيا وبعد عقد الزواج يتوجه الزوجان الي الكنيسه من اجل ممارسة طقوس الاكليل والحصول علي سر الزواج المقدس ومباركة الكنيسه لهذا الزواج , وللكنيسه حق الامتناع عن مباركة هذا الزواج وحرمان الزوجان من الحصول علي سر الزواج المقدس اذا كان هذا الزواج مخالفا لضوابط الكنيسه , وهذا مع الابقاء علي الصفه القانونيه للزواج كزواجا مدنيا دون ابطال الامر الذي يعفي الكنيسه من اي مخالفه لاحكام الانجيل في الزواج والطلاق ويعطيها حق منح سر الزواج المقدس لكل من يلتزم بالقواعد والضوابط الكنسيه
أخيرا:
هل ستقبل الكنيسه هذا؟؟؟
الايام القادمه حبلي بالكثير من الافعال وردود الافعال والمواقف ولن اتخلي عن شعاري "الزواج المدني هو الحل"