بقلم: ميرفت عياد
دارت بذهني أسئلة كثيرة وأنا أتابع المشهد السياسي والاجتماعي في بلدنا العزيزة مصر، وهي متى سنتعلم لغة التفاوض من أجل حل كثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعانى منها المجتمع؟ إلى متى سنظل نفتقد اتقان تلك اللغة؟ إلى متى سنظل نتشبث بآرائنا ومواقفنا؟ إلى متى سنلغي الآخر من حياتنا؟ إلى متى ستظل لغة التهميش أو العداء هي لغة الحوار لمن يخالفنا الرأي أو المعتقد أو التفكير؟ ومن هنا أطالب الجميع أن نرسي ليس فقط لغة الحوار وتقبل الآخر، بل أيضًا لغة التفاوض التي تقرب بين وجهات النظر ليعيش العالم في سلام يفتقده، وبالتالي نفتقد معه معنى الأمان.

إن الإنسان قبل بزوغ الحضارة كان كالذئب المتربص بالخراف كما يقول "توماس هوبز" حيث كانت القوة العضلية هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن للمرء الحماية ضد عدوان الغير عليه وعملت الحضارة على إدخال نوع جديد من العلاقات الإنسانية وهو التفاوض بين الناس.

ومن الشائع عندما نذكر لفظة التفاوض أن يتبادر إلى الأذهان المفهومان الاقتصادي والسياسي، أما المجادلة التي تجري بين طرفين إزاء المسائل الاجتماعية أو الأخلاقية فإنها قلما ترتبط في الأذهان بمعنى التفاوض.

وقد سعى الإنسان إلى التفاوض بسبب إحساسه بالاحتياج إليى الأمن, والحفاظ على الملكية أو تحديد الأوضاع الاجتماعية من حيث الثروة والسلطة والنفوذ.

ولعل من أهم النتائج المترتبة على هذه النزعة التفاوضية هي استقرار المجتمعات البشرية وتطور القيم الحضارية وتقارب الشعوب بسبب المفاوضات المستمرة, والتكافل القومي والإقليمي والدولي خاصة في الكوارث الطبيعية.

لذلك يرتبط التفاوض بالفكر والذكاء من حيث فهم وتقييم الموضوع وتوظيف الحقائق جيدًا في التفاوض وقراءة أفكار من يتم التفاوض معهم.. فالتفاوض مرتبط أيضًا بالخبرات العقلانية والتعبيرية والبحثية التي مصدرها الثقافة العامة والتخصص المعرفي والاطلاع على آخر التطورات في موضوع التفاوض.

وإنى أرى أن المفاوضات التي تجري بين طرفين أو أكثر بإزاء مسألة ما من المسائل المتنازع عليها إذا ما كللت بالنجاح فإن هذا النجاح يرجع إلى النوايا الحسنة وعدم الجدل العقيم والإلمام الكامل بجوانب المسألة المتنازع عليها والالتزام بالموضوعية، أما إذا فشلت المفاوضات فهذا يرجع إلى تقديم شروط عسيرة التنفيذ أو مجحفة للطرف الآخر أو تقديم تنازلات غير جوهرية بفرض المماطلة وكل هذا يؤدي إلى استفحال العداء ومقاطعة الجلسات وإثارة الرأي العام ضد الطرف الظالم.