ارنست ارجانوس جبران
ما أصعب المشاهِد التى تناولتها وتناقلتها وسائل الأعلام المختلفة يوم الأحد الموافق 15 فبراير من هذا العام 2015 .. وكيف كانت عملية الذبح المصورة خطوة بخطوة .. بل وكيف كانت عملية إخراج فيلم الذبح .. وكأنما كنا نشاهد مشهداً مؤلماً جداً لأحد الأفلام السينمائية ولكننى واثق من عدم إمكانية وصول الفيلم الى مرحلة الذبح كما شاهدناه وكما شاهده الكثيرون ..
وللأسف المحزن لم يكن هذا فيلماً سينمائياً .. وإنما هو الواقع الأليم المرير .. فهؤلاء الدواعش ، وراءهُم قوَىَ خارجية متخصصة فى جميع المجالات .. حتى فى فن الإخراج السينمائى .. هذا ناهيك عن طريقة الذبح المنظمة التى يتعامل بها هؤلاء الدواعش .. أو الداعشون .. سموهم كما شئتم .. فكلهم مدغششون .. لا يرون .. لأنهم يعيشون فى ظلام دامس .. فى ظلام داغش .. هذه هى أحد المنظمات التعصبية والتى تسمى نفسها " داعش " الإسلامية وما فعلته بالواحد وعشرين قبطياً فى ليبيا .. وهنا رحت أسأل نفسى وأتساءل .. لماذا كل هذا ..
لماذا كل هذه القسوة .. كيف يجرؤ و يتجرأ إنسان ليقوم بذبح أخيه الإنسان ذبح الشاة .. ما هى نوعية قلوب هؤلاء .. هل تختلف قلوبهم عن قلوب بقية بنى البشر .. وبقليل من البحث وبمساعدة العم "قوقل" علمت كيف يجرؤ الإنسان أن يذبح أخاه الإنسان .. علمت أن هؤلاء الدواعش يقومون بتدريبات عسكرية صارمة منذ سن الطفولة .. تدريبات على الأسلحة المختلفة من حجم المسدس الى البندقية الى فنون المتفجرات ..
تدريبات عملية .. منها تدريبات على كيفية قيام الطفل بتفجير نفسه .. وبالطبع بالنسبة لهم .. ما أكثر الأطفال .. الأطفال اليتامى الذين لا ذنب لهم سوى أن والدهم مات فى مهمة جهادية أم أنه قام بتفجير نفسه فى عملية انتحارية .. أو أن هذا الطفل هو نتاج النساء الواردات تحت بند " جهاد ال ن ك ا ح " .. استغفر الله ..الخ .. الخ .. وكأنما خٌلِقتْ المرأة لتكون مصنعاً لإنتاج المقاتلين الأطفال .. طبعاً هذه فرصة ثمينة لزيادة عدد المقاتلين الجزارين .. فهؤلاء الأطفال .. يخضعون أيضاً للتعاليم الدينية المتخصصة فى التعصب والكراهية .. الى أن يكونوا مؤهلين لعمليات الذبح التى أصبحت من المسائل العادية لهم .. فهذا الطفل ، ومنذ نعومة أظفاره كان يتدرب على القسوة وكأنما يتدرب على قتل ضميره تماماً ..
حيث يكون بلا ضمير يؤنبه على كل أفعاله الشنيعة .. وهكذا يتحول هذا الطفل البرئ الى شيطان من الشياطين .. "كلام زى الطين" .. ولم ينتهِ هذا الكلام بعد .. لأن الأخبار التى وردت الآن واثناء كتابة هذه الكلمات .. قام بنو داعش بتحطيم المتاحف الأثرية .. حيث قاموا اليوم بتحطيم متحف الموصل الأثرى بالعراق .. قاموا بتحطيم التماثيل الأشورية القديمة .. أيضاً قاموا بحرق 8000 كتاباً نادراً .. أعتقد اذا توصلوا الى الاهرامات وأبى الهول .. لقاموا بتحطيمها هى الأخرى .. لا سمح الله .. ولكن يا أحبائى .. أخاف أن ينتقل هذا الفيروس الداعشى الى أرض مصر .. حوادث القتل المتكررة والاختطاف .. وحتى الحيوانات الأليفة أصبحت لا تسلم من تعاملات " الدواعش " .. لأننى ومن خلال التواصل الإجتماعى شاهدت مشاهد قتل كلب شارع الهرم .. والذى قتِل بالطريقة الداعشية .. حيث قام بعض الشباب بقتله بالسكاكين .. بكل قسوة .. حتى مات الكلب المسكين ...
لا أود أن نكون محبطين ونكرر بعض العبارات مثل " مافيش فايده " .. ولا .. " غطينى وصوتى يا صفية " .. نعم .. بعد هذا الكلام "الزى الطين" ، أود أن أنتقل الى كلام له رائحة الياسمين .. حلو الكلام من أبينا الورع المحبوب يونان لبيب راعى كنيسة العذراء والملاك ميخائيل بمدينة هيوستن .. فى عِظته يوم الأحد 22 فبراير .. وهو الأحد التالى لتاريخ المذبحة التاريخية للواحد وعشرين شهيداً .. حيث كان هذا اليوم ، يوم إحتفاء وتكريم لهؤلاء الشهداء الذين زفوا الى السماء .. وكان موضوع العظة بعنوان .. " رسالة بالدم مرسلة الى أهل الصليب" .
فهؤلاء الجناة أرادوا إرسال ثلاث رسائل مباشرة
1- رسالة الخوف: أرادوا أن يخيفونا .. ولكن نحن لا نخاف طالما نحن مع الرب يسوع وبدليل أن هؤلاء الشهداء تقبلوا الموت برءوس مصلية مرفوعة .. كأنما وضع الرب المصباح فوق المنارة حتى أن هذا الحدث أصبح مذاعاً فى جميع أنحاء العالم .
2- ورسالة الشك .. أرادوا أن يضربوا الإيمان .. ولكن هؤلاء الشجعان لم يشكوا لحظة واحدة ..
3- ورسالة الحرب .. الى أعضاء الصليب .. هذه رسالة الشيطان .. إلا أن الكنيسة القبطية لم ولن ترفع عصا ضد أى إنسان .. فحربنا ضد الشيطان .. ضد أجناد الشر الروحية .. وليس ضد البشر .. فحتى هؤلاء القتلة نحن نحبهم ونصلى من أجلهم .. وإن جاءوا الى هنا ، سوف نستقبلهم بمحبة ونفتح لهم " صالة الزوار" هنا بالكنيسة .. ثم انتقل أبونا الى نقطة أخرى وهى.
"رسالة المسيح من خلال هؤلاء الأبطال" وتحت هذا العنوان هناك ثمانية نقاط ألا وهى .. محبة الله من كل القلب – درس للأم العظيمة الكنيسة القبطية – تثبيت القديسين – محبة المسيح لشخصه وليس لعطاياه – الثبات تحت السكين – رسالة ربنا وهى طريقة الحب مع أبسط البسطاء – رسالة الحدث – كيف نكرم مثل هؤلاء .. حقيقة كان بودى أن أورد ما جاء به أبونا تحت كل كل نقطة من هذه النقاط .. ولكن لضيق المساحة .. إكتفيت بالعناوين فقط ..على الرغم من أن كل نقطة تحوى الكثير الجميل .. أرجو المعذرة ..
ونرجع الى موضوع .. صار جوع فى الأرض ..
" حدث في أيام حكم القضاة أنه صار جوع في الأرض، فذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرب في بلاد موآب هو وامرأته وابناه. واسم الرجل أليمالك، واسم امرأته نعمي، واسما ابنيه محلون وكليون ، أفراتيون من بيت لحم يهوذا. فأتوا إلى بلاد موآب وكانوا هناك. ومات أليمالك رجل نعمي، وبقيت هي وابناها "من سفر راعوث"..
نعم .. كان هناك جوع فى بيت لحم والتى تعنى " بيت الخبز" كان جوع فى بيت الخبز .. لم يحتمل أليمالك تأديب الرب واتجه الى بلاد موآب .. التى لا تعرف الله .. اتجه الى البلاد التى تعبد "البعل" .. وهكذا نحن عندما تضيق بنا الدنيا نتغرب فى بقاع الأرض .. دون معرفة كينونة الأرض التى نتجه اليها .. وكما يقول المثل البلدى .. " من ساب داره اتقل مقداره" .. ولكن فى بعض الأحايين نقول " للضرورة أحكام " .. لماذا ترك المصريون الأقباط مصر .. وذهبوا الى ليبيا .. الإجابة .. لأنه ..
كان هناك جوع فى أرض مصر .. نعم تغرب هؤلاء الشهداء .. تاركين أرض مصر.. لأنه كان فى مصر جوع من نوع خاص .. جوع للمسيحيين الذين يسمونهم بالنصارى .. جوع .. يأكل فيه القوى الضعيف .. جوع فى الوظائف .. المسيحى لا يُعيّن فى أغلب الوظائف .. المسيحى يُعتدى عليه فى أى مكان .. يُقتل فى أى مكان .. فى متجره .. إن كان يقود سيارته .. أو حتى إن كان يصلى فى كنيسته .. هذا الجوع الذى هو الإضطهاد بذاته فى جميع المجالات .. هذا هو الجوع بعينه الذى جعل هؤلاء المغلوب على أمرهم يتركون مصر أرض الكنانة .. وغيرهم وغيرهم .. الذين شعروا .. بأن وطنهم الأصلى يلفظهم ..
يضيق عليهم الخناق فى لقمة العيش .. ذهبوا الى كورة بعيدة .. وللأسف هذه الكورة .. أصبحت كبلاد موآب .. لا يعبدون فيها الله الحقيقى .. وهنا وجب علينا أن نصلى الى الله .. ونقول كما نردد مع الكاهن فى القداس الإلهى " ونحن أيضاً الغرباء فى هذا المكان، احفظنا فى إيمانك وانعم لنا بسلامك الى التمام " .. ونؤمن بأنه سيأتى المَخرَج فى الآية.. " انظروا الى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وأبوكم السماوى يقوتها. ألستم أنتم بالحرى أفضل منها" .. نعم ..
وأيضاً كما تقول الترنيمة:" احفظنى فى رضاك .. باقى أيام عمرى .. اجذبنى من وراك .. اجذبنى وأنا أجرى .. ولكن قد يسمح الله بمثل هذه التجارب حتى نتعظ نحن .. حتى نستعد نحن .. و فى هذه التجربة ، وقع علينا خبر هذه الكارثة بالألم والضيق .. يا ترى ما حال أهالى الضحايا الشهداء .. !! .. نعم ومع كل هذا يرسل لك الرب عوناً .. يرسل لك الرب أناساً معزيين .. نعم .. ها هو قداسة البابا تواضروس يذهب لزيارة المنيا .. الى مدينة ملوى وبالتحديد فى يوم 2 مارس .. حيث التقى بأسر الشهداء واللقاء بالكنيسة وعظته الدسمة بعنوان "طوبى لصانعى السلام" وهى تحوى .. سلام مع نفسك .. سلام مع مَن حولك .. ثم السلام مع الله " .. بالفعل كانت عظة معزية ..
نعم .. انتهى الجوع من أرض مصر .. وعلى المصريين الرجوع الى أرض مصر .. مصر التى كانت تقوت جميع البلاد التى كانت حولها .. أيام يوسف بن يعقوب .. كان جوع فى الأرض .. وأتى إليها الناس من كل صوب لكيما يبتاعون لهم طعاماً .. وهكذا .. أتى الوقت لرجوع المصريين الى وطنهم .. ويأخذون أماكنهم .. وليجتمع الشمل من جديد .. هذا الشعور الجميل .. الذى شعر به يوسف الرجل الثانى فى مصر بعد فرعون .. عندما استقبل أباهُ يعقوب فى أرض مصر .. وقابل فرعون قائلاً .. "أيام سنى غربتى مائة وثلاثون سنة. قليلة وردية كانت سنى حياتى ، ولم تبلغ إلى أيام سنى حياة آبائى فى أيام غربتهم .. فأسكن يوسف أباه وإخوته وأعطاهم ملكاً فى أرض مصر، فى أفضل الأرض، فى أرض رعمسيس كما أمر فرعون" ..
وها هى مصر الآن ستصبح مصر رعمسيس أفضل الأرض وتحت القيادة الرشيدة برئاسة الرئيس المحبوب عبد الفتاح السيسى .. سوف ترجع مصر الى سيرتها الأولى .. سيرجع المصريون الى رعمسيس مصر .. و سيأكلون " سكر نبات .. ويخلفون صبيان وبنات " .. وبإذن الله سيعوض الله السنين التى أكلها الجراد .. يارب .. يارب ..