الفيفا ظلمت "مصر" بدون أدنى شك فى كل قراراتها.
· الإعتراض على الظلم أبسط مبادئ الكرامة.
· الإهتمام بملف مياه النيل انتهى فى ظل الإهتمام الإعلامى بأحداث أسطول الحرية، افتح القوس، وزود كأس العالم، وافرحى يا حكومة
بقلم: يحيى الوكيل
قررت مقاطعة مباريات كأس العالم لكرة القدم المقامة فى جنوب إفريقيا مشاهدة واهتمامًا، وأدعو كل الشعب المصرى لأن يحذو حذوى؛ لكى تصل الرسالة المقصودة بهذه المقاطعة إلى كل من يستخف بهذا الشعب.
فلماذا نقاطع؟
المقصود من هذه المقاطعة، توصيل رسالة إلى الفيفا بإعتراضنا على كيله بمكيالين، ودائما ضد "مصر" كالآتى:
فقد رفض تطبيق قاعدة الهدف خارج الأرض بهدفين – والتى طبقها قبل مباراتنا مع "الجزائر" فى القاهرة بأيام – لتصعيب المهمة علينا أو جعلها مستحيلة.
عانينا فى الجزائر من أشد مما عانوا منه هنا، ولم تفرض الفيفا عقوبات ولا حتى وبّخت الجزائر– ولا زلتُ على رأيى أن ما حدث بـ"القاهرة"، إن كان قد حدث بالطريقة التى يصورون أنه قد حدث بها، فهو جزء من مؤامرة حبكها "روراوة"، وهدفه منها، إن لم يصل إلى كأس العالم فى الملعب، فسيصل إليها فى أروقة الفيفا، كما حدث فى مباراة "زيمبابوى".
رفض الفيفا مناقشة أحداث مباراة السودان، وبلطجة المشجعين الجزائريين خارج الملعب، بل واقتحامهم له قبل المباراة؛ بحجة أن نتيجة المباراة تقررت فى الملعب، بينما كال بغير ذلك معنا، وغرمنا وهددنا لأحداث من المفترض أنها جرت خارج الملعب.
من حادثة مباراة "زيمبابوى" والفيفا، يترصد لنا الأخطاء، والمضحك إدعاء الفيفا بعدم قدرة "مصر" على ضبط الأمن فى المباريات، بينما لا أعلم عن دولة أخرى تنشر ما قوامه فرقة من المشاة لتأمين الإستاد فى المباريات الدولية، الإ إن كانت رغبة الفيفا نشر فرقة من المدرعات وضرب المشجعين بالطائرات لو خرجوا عن النظام.
طبعا ضرب المشجعين المصريين فقط، أما البلطجية الجزائريين الذين حرقوا العلم المصرى وداسوا عليه بل و بالوا عليه، تحت حماية الشرطة الجزائرية، فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
لقد توحش الفيفا حتى ظن القائمون عليه أنه أقوى من الأمم المتحدة، ومن مجلس الأمن– وهو للأسف أمر صحيح على أرض الواقع- إذ ما الذى يمكن لك أن تفعله اعتراضًا على قرار للفيفا؟
إن اعترضت فليس لك إلا الإيقاف الدولى، وهو ليس قرار جمعية عامة كما هو الحال فى الأمم المتحدة، بل يكفى أن يكون صادرًا من مجلس إدارة الفيفا، وبناء على توصية قد تصدر من لجنة الإنضباط التى يرأسها "روراوة".
باختصار، يمكنك العض فى الأرض.
فما الحل إذن؟
الحل فى مقاطعة أنشطة الفيفا التى يعتمد عليها فى تحقيق الإيراد الذى يضمن له السلطة، وأهمها مباريات كأس العالم، فلو امتدت دعوة المقاطعة لتؤثر على نسب المشاهدة، وبالتالى على سعر بيع حقوق بث المباريات، لبدأ الفيفا بعمل حساب لنا، ولما تعرضنا للظلم ثانية.
مقاطعتى وحدى لن تؤثر فى الفيفا، ولكن أذكّر المشككين الذين سينبرون لتذكيرى بهذه الحقيقة، إن الهند – وهى درة التاج البريطانى فى أزهى عصور الإمبرطورية – قد تحررت سلميًا فقط باستعمال سلاح المقاطعة كأسلوب اعتمدوه لرفع الظلم عنهم، والاعتراض على الظلم أبسط مبادئ الكرامة.
و لكن كيف نقاطع الفيفا وحكومتنا تدعمه؟!!
الحكومة اشترت حقوق بث "بعض" مباريات كأس العالم من خصمتها السياسية "قناة الجزيرة"، بما يزيد على مائة وعشرين مليون جنيه، وهو ما كان يكفى لبناء مستشفى أو ستين مدرسة يفيدون بها مستقبل هذه الأمة، بدلا من زيادة ايراد جهتين لا ترجو أيًا منهما خيرًا لنا.
أنا لا أتصور أن حصيلة الإعلانات ستغطى هذا المبلغ المدفوع أبدًا، وحتى لو حدث فمن جيوبنا تأتى تكلفة هذه الإعلانات، سواء على شكل اعفاءات ضريبية، أو زيادة فى أسعار السلع؛ فلماذا أدفع من جيبى لتصل نقودى بشكل أو بآخر لخزانة الفيفا؟
هناك زاوية أخرى سياسية لمقاطعة كأس العالم، وهى مقاطعة الاهتمام بكأس العالم، وصب الاهتمام السياسى و الإعلامى على مشاكلنا الحقيقية.
أنا لا أدعو لتنفيذ ذلك بقرار سياسى– كما فعل الهمج الصوماليون الذين حرّموا مشاهدة مباريات كأس العالم شرعًا، وقتلوا من فعل غير ذلك– بل أتمنى أن يكون ذلك بوعى شعبي، ولن يتأتى هذا الوعى الإ إن أدى الإعلام دوره الحقيقى، وكفت غيلانه عن التقاتل على السلطة، والشهرة، والنفوذ.
الحكومة فرحة بالاهتمام لكأس العالم، وهل يتصور أحد خروج مظاهرة وقت مباراة لـ"البرازيل" مثلا لتطالب بحقوق الإنسان المهدرة على أيدى بلطجية الحكومة ومجرميها؟
التاريخ يعلمنا أن أباطرة الرومان كانوا يمتصون فوران الشعب، وثورته على العسف والظلم والفقر، برعاية مباريات المصارعة الدموية فى ساحة "الكوليسيوم"، وغيرها من الساحات، وهى المقابل التاريخى لمباريات كرة القدم، والتى كفت على يد الإحتراف من أن تكون رياضة وصارت أحد أوجه صناعة الترفيه.
"سيركوس مكسيموس"
الحكومة المصرية حفظت درس التاريخ هذا جيدًا، وتستحق فيه أعلى الدرجات، لكنها نسيت أن نهاية الرومان كانت بالسقوط على يد القبائل البربرية المتوحشة التى حاطت بحدودها.
اليوم نُحاط نحن بالبربر وبالهمج المتوحشين، منهم من تعدى على رعايانا الذين كانوا يأمنون عنده ويقدمون له خدمات، ومنهم الهمج الذين تعدوا على اتفاقيات دولية، ويريدون شفط نصيبنا من مياه النيل؛ وبينما هؤلاء وأولئك سائرين فى غيهم، تصرف حكومتنا الأموال لتصرف أنظارنا عن الخطر الذى يحيق بنا، والذى فشلت فى دفعه عنا.
ليتهم صرفوا تلك الأموال فى تجهيز فرقة من مغاوير الصاعقة؛ لتدمير أى سد يمنع الماء عن "مصر"، فإن عوى ابن آوى على الباب فلن يبعده صوت التعليق على مباريات كرة القدم، بل سيبعده السلاح المصوب بدقة.
كل فرقعة اعلامية تستغلها الحكومة، مؤيدة بدراويشها من مرتزقة الاعلاميين؛ لصرف الإنتباه عن مفاسدها ومخازيها، ونحن الذين نعطيها الفرصة بالتهافات على كل تافه من الأمور، فاليوم كأس العالم، ومن قبله أسطول الحرية، ومن بعده مسلسلات رمضان – مجرد نفتح القوس، ونضيف إلى المكتوب.
ألم يحن الوقت لنكف عن ما تلهينا الحكومة به كالأطفال وننتبه لما عظم من الأمور؟