بقلم: جرجس بشرى
الحرب الشعواء التي يتعرض لها قداسة البابا "شنودة الثالث" بسبب دفاعه المُستميت عن العقيدة المسيحية وتعاليم الكتاب المقدس، تُذكرني بالحرب الشرسة التي تعرض لها البابا "أثناسيوس" الرسولي، المُلقب بـ"حامي الإيمان"، فلقد تعرض البابا "أثناسيوس" لضغوط شديدة من قبل الإمبراطورية نفسها، بما لها من قوة وصلة بأتباع الفكر الآريوسي؛ للرضوخ لقبول التعاليم الآريوسية الضالة، إلا أنه لم يرضخ لهم، بل تمسك بالتعليم الأرثوذكسي السليم، غير مُبال بالموت وبطش الأباطرة،   والنفي، ومؤامرات الآريوسيين،  وحاشية الإمبراطور،   الذين كانوا على صلة قوية بأتباع الفكر الآريوسي، لدرجة أن قيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس" فكان رده عليهم : "وأنا أيضاً ضد العالم"!.
 
لقد قامت الدنيا ولم تقعد على قداسة البابا "شنودة"؛ لرفضه الصريح والحاسم للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بإلزامة بإعطاء تصاريح زواج ثاني للمطلقين، لمُخالفة الحُكم  لتعاليم الكتاب المقدس ونصوص الإنجيل، وقد أعلنها قداسة البابا بكل حسم عندما قال أمام العالم كله في تعقيبه على الحُكم بقوله "نحن لا يُلزمنا  أحد إلا تعاليم الكتاب المقدس"، وقال قداسته خلال المؤتمر الصحفي العالمي الذي عقده بالمقر البابوي على خلفية الأزمة: "إلزام الكنيسة بأحكام ضد شريعتها، هو أمر لا تقبله ضمائرنا، ولا نستطيع أن ننفذه، وموضوع الزواج الثاني للمُطلقين هو قضية دينية بحتة."
 
وأكد فداسته في نفس المؤتمر ذلك بقوله: "إن قرار المجمع المقدس يُعبِّر عن رفضنا الكامل للحُكم، وإنه ضد ضمائرنا، وضد الكتاب المقدس، ورفض الحكم في مؤتمر صحفي معناه إنه يجب أن يُعاد النظر في الأمر، والإ يكون الأقباط تعبانين ومضغوط عليهم في دينهم".
 الغريب أن كثيرين إتهموا قداسة البابا "شنودة الثالث" بإنه يتحدى حكم المحكمة، ويعارض الدولة المدنية، وإن الكنيسة برفضها للحكم قد أصبحت دولة داخل الدولة، وإنها رسبت رسوبًا عظيمًا في إمتحان الدولة المدنية، وكإنه كان يجب  على البابا (من وجهة نظرهم) أن يُخالف ثوابت العقيدة المسيحية ونصوص الإنجيل المقدس؛ لكي ينجح في إختبار الدولة المدنية! أو لا يُتهم بأنه استطاع أن يكون دولة داخل الدولة!، وقد نفى قداسة البابا "شنودة الثالث" خلال  نفس المؤتمر الإتهامات الموجهة للكنيسة بإنها أصبحت دولة داخل الدولة، بقوله: "المسيحيين الأقباط ــ مصريين ــ لهم كافة الحقوق وعليهم  جميع الواجبات، ومن يدعي غير ذلك يسعى إلى إثارة البلبلة".

ويلقّب العرب قداسة البابا "شنودة الثالث" بــ " بابا العرب"؛ لموقفه  الرافض لزيارة الأقباط للقدس إلا مع إخوتهم المسلمين، ولدفاعه الواضح عن القضية الفلسطينية، وإدانته الشديدة  للعدوان الإسرائيلي على غزة.
 ويعتبر قداسة البابا "شنودة" هو البابا البطريرك الوحيد في تاريخ بطاركة الكنيسة المرقسية الذين تمت دعوتهم لإلقاء محاضرات في منظمات ومؤسسات دينية إسلامية بحتة مثل "منظمة المؤتمر الإسلامي"، و"المجلس الأعلى للشئون الإسلامية"؛ بسبب الثقة في أقواله ونصائحه.
 
وقد تعرض قداسة البابا "شنودة الثالث" لحرب شعواء من قبل الرئيس "السادات"، الذي أصدر قرارًا جمهوريًا بعزله وتحديد إقامته في الدير.
 وبعد مقتل "السادات" في حادث المنصة، قرر الرئيس "مبارك" عودته فور توليه حكم البلاد.
 وحصل قداسة البابا "شنودة الثالث" على عدة شهادات دكتوراة فخرية من بلدان مختلفة في العالم، وقد كرّمه الرئيس الليبي معمر القذافي بإهدائه "جائزة القذافي لحقوق الإنسان"، واعترف بوطنيته وفضله على العرب.
وقداسة البابا "شنودة" يُطلق عليه "فم الذهب"؛ بسبب الإسلوب السهل الممتنع الذي يتبعه في عظاته وتعاليمه،  وبسبب قوة حجته.
 ويعوزني كثير من الوقت لأسرد بعض فضائل هذا الرجل وتاريخه الوطني والكنسي المُشرف، والنهضة التى قام بها فى تعمير الأديرة فى "مصر" وبلاد المهجر، وإنتشار الكنيسة القبطية فى عهده فى جميع أنحاء العالم تقريبًا، وعدد الأساقفة الذين قام برسامتهم ...الخ، فهو بحق هبة عظيمة وهبها الله للكنيسة والوطن معًا.