بقلم: مادلين نادر
بعد أن كنا نشهد تكفير الفكر وقتل الكتب بالمصادرة، نمت نبتة الشيطان، وامتد القتل إلى المفكرين والكتاب، وهكذا اغتالوا من وافق على الحوار معهم؛ لأنه انتصر عليهم.."
هكذا تحدث الدكتور "أحمد صبحى منصور"، أحد شيوخ الأزهر فى حفل تأبين "فرج فودة" بنقابة الصحفيين عام 1992.
ثمانية عشر عامًا مرت على إغتيال شهيد الكلمة مناضل الوطنية، الكاتب والمفكر "فرج فودة"، الذى أُغتيل فى 8 يونيه 1992، بعدما عجزت طيور الظلام أن تواجهه بالفكر والرأى، فقررت إسكات صوته بالقتل...!! حيث كاد يدمر حلمهم بإنشاء "أمة إسلامية" علي غرار دولة الخلافة، وبعد أن عجزوا عن مواجهته بالحجة وبالقلم، تم اغتياله علي يد الجماعة الإسلامية.
نشأته:
"فرج فودة" كاتب ومفكر مصري. ولد في 20 أغسطس 1945 ببلدة "الزرقا" بمحافظة "دمياط". وهو حاصل على ماجستير العلوم الزراعية، ودكتوراة الفلسفة في الإقتصاد الزراعي من جامعة "عين شمس"، ولديه ولدين وإبنتين، تم إغتياله على يد جماعات إرهابية في 8 يونيو 1992 في "القاهرة". كما كانت له كتابات في مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار المصريتين. كما أسس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بـ"مدينة نصر"، وهي التي أُغتيل أمامها.
استقال "فرج فودة" من حزب الوفد الجديد، وذلك لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين؛ لخوض إنتخابات مجلس الشعب المصري عام 1984.
كتاباته:
أثارت كتابات "فرج فودة" جدلاً واسعًا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الأراء وتضاربت، فقد طالب بفصل الدين عن الدولة، وكان يري أن الدولة المدنية لا شأن لها بالدين.
حاول "فرج فودة" تأسيس حزب باسم "حزب المستقبل"، وكان ينتظر الموافقة من لجنة شئون الأحزاب التابعة لمجلس الشوري المصري، ووقتها كانت ما سميت بجبهة علماء الأزهر تشن هجومًا كبيرًا عليه، وطالبت تلك اللجنة لجنة شئون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 "بجريدة النور" بيانًا يكفّر الكاتب المصري "فرج فودة" ويوجب قتله.
فلقد تصدى "فودة" في الكثير من المقالات والكتب التي نشرها، لتفنيد الخزعبلات التي كان ينشرها هؤلاء على المنابر وفى المنشورات والمطبوعات، بما تنطوي عليه من دعوات ظلامية لهجرة الحياة، وتغييب العقل، وإشاعة الخرافة، وتثبيط الهمم، بالإعتماد المطلق على الغيب تسترًا باسم الدين، وإستغلالاً بشعًا لأسم الله، وما أحوجنا فى هذا الوقت الذى انتشر فيه التعصب والتطرف، وسيطرت الخزعبلات على عقول الناس، إلى "فرج فودة" وكتاباته الجريئة.
وفى كتابه "الحقيقة الغائبة" يتناول الشهيد "فرج فودة" الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عند البعض، ويقول: إنه ليست هدفًا في حد ذاتها، بل إنها وسيلة لغاية لا ينكرها أحد من دعاة التطبيق، وأقصد بها إقامة الدولة الإسلامية، فهم يرفعون شعار "إن الإسلام دين ودولة"، والشريعة الإسلامية في مفهومهم تمثل حلقة الربط بين مفهوم الإسلام الدين، ومفهوم الإسلام الدولة.
وفى هذا السياق يناقش الكاتب مقولة: إن التطبيق الفوري للشريعة، سوف يتبعه صلاح فوري لمشاكله، ويثبت أن صلاح المجتمع وحل مشاكله، ليس رهنًا بالحاكم المسلم الصالح، وليس رهنًا أيضًا بتمسك المسلمين جميعًا بالعقيدة، وصدقهم فيها، وفهمهم لها، وليس أيضًا رهنًا بتطبيق الشريعة الإسلامية نصًا وروحًا، بل هو رهن بأمور أخرى. كما أن العدل لا يتحقق بصلاح الحاكم، ولا يسود الإ بصلاح الرعية، ولا يتأتى بتطبيق الشريعة، وإنما يتحقق بوجود نظام حكم، أى الضوابط التي تحاسب الحاكم إن أخطأ، وتمنعه إن تجاوز، وتعزله إن خرج على صالح الجماعة أو أساء لمصالحها. فكيف ترتفع الأجور وتنخفض الأسعار إذا طبقت الشريعة الإسلامية؟ وكيف تُحل مشكلة الإسكان المعقدة بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ وكيف يتحول القطاع العام إلى قطاع منتج بما يتناسب وحجم استثماراته في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ..إنها مجرد نماذج من الأسئلة التى طرحها "فودة" على الداعين للتطبيق الفوري للشريعة، والمدعين إنه سوف يترتب عليها حل لكافة مشكلات المجتمع .
مؤلفاته
من مؤلفاته: (الحقيقة الغائبة- زواج المتعة - حوارات حول الشريعة - الطائفية إلى أين؟ - الملعوب - نكون أو لا نكون - الوفد والمستقبل- حتى لا يكون كلامًا في الهواء - النذير - الإرهاب - حوار حول العلمانية - قبل السقوط).
الاغتيال
تم إغتيال "فرج فودة" في القاهرة في 8 يونيو 1992، حين كان يهم بالخروج من مكتبه بشارع "أسماء فهمي" بـ"مدينة نصر"، إحدي ضواحي "القاهرة" بصحبة ابنه الأصغر وأحد أصدقاءه فى الساعة السابعة إلا الربع، علي يد منظمة إرهابية عرفت بإسم الجماعة الإسلامية، حيث قام شخصان بينهما مطلق الرصاص من بندقية آلية بقتله، فيما كانا يركبان دراجة نارية، وأصيب ابنه "أحمد" وصديقه إصابات طفيفة. وأصيب "فرج فودة" بإصابات بالغة في الكبد والأمعاء، وظل بعدها الأطباء يحاولون طوال ست ساعات لإنقاذه إلي أن لفظ أنفاسه الأخيرة، ونجح سائق "فرج فودة"، وأمين شرطة متواجد بالمكان في القبض علي الجناة..
تبين أن الجريمة جاءت بفتوي من شيوخ جماعة الجهاد، علي رأسهم الشيخ "عمر عبد الرحمن"، المسجون حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي شهادة الشيخ "محمد الغزالي" في أثناء محاكمة القاتل - وصف الغزالي "فودة" بـ"المرتد"، "وإنه (ويقصد فرج فودة) مرتد وجب قتله، وأفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا إفتئاتًا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة، وهذا يعني إنه لا يجوز قتل من قتل "فرج فودة" حسب تعبيره.