دكتور "سمير فياض":
* الشعب المصري يتحمل، ولكنه يصرخ.. وللصبر حدود.
* منهج البرادعي يصلح فقط لسنة 1919!
* عضوية التجمع "للناس الشقيانة"، وليست لرجال الأعمال!
* أقول للأقباط: آن الأوان لتصبحوا قياديين سياسيين لتُحل مشكلاتكم.
* الحكومة تتكاسل في قانون التأمين الصحي.
حوار: عوض بسيط – خاص: الأقباط متحدون
حالة خاصة من النضال السياسي، والديمقراطية يمثلها حزب التجمع في "مصر"، فالحزب تأسس في 1976؛ ليدعو بشكل أساسي لتأسيس دولة ديمقراطية قوية، قادرة على حماية مواطنيها من الإستغلال الإقتصادي، وعدم التبعية للغرب، مع التضامن العربي..كذلك أسس زعيمه ومؤسسه "خالد محيي الدين" لسابقة ديمقراطية هامة في تاريخ الأحزاب المصرية الحديث، عندما تمسك بلائحة الحزب ليتنحى عن رئاسته طوعًا رغم محاولات إثناءه، كما يعرف عن التجمع تاريخيًا مناصرته لقضايا الأقباط والمرأة، وهو ما يتجلى في قوائم مرشحيه...
إلا أن كل هذا التاريخ قد لا يشفع اليوم للحزب الشعبي، وقد حصل على مقعد واحد في انتخابات الشورى الأخيرة، بعد أن تقلصت مقاعده في مجلس الشعب إلى اثنين، فهل يحتاج الحزب العريق إلى ضخ دماء جديدة؟، وهل يراوده حلم التغيير على طريقة الوفد؟.. هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على نائب رئيس الحزب، وأحد قياداته التاريخية.. الدكتور "سمير فياض".
- إلى أى مدى أنت راض عن أداء حزب التجمع؟
بالطبع هناك مشكلة؛ لأن الأداء مرتبط بالمناخ، والمناخ غير مريح، فمهما كانت الكفاءة والنشاط الداخلي للكادر، وطرح القضايا وبرنامج الحزب للتعرف عليه ودراسته، إلا أن التحرك يصطدم بالمناخ والحريات وحق التعبير، فهناك إجراءات مانعة للتظاهر والاحتشاد والتعبير عن الرأي، كل هذه الأشياء إذا قام بها أحزاب فهي ممنوعة، أما إذا قام بها أفراد فهي مسموحة، إذا قامت بها منظمات نقابية أو مدنية فهي بدرجة أو بأخرى مسموح بها!
- هناك اتفاقية للتعاون المشترك مع حزب الوفد تتضمن التواصل مع الجماهير والنزول للشارع...ففي هذه الحالة هل يصبح هذا الكلام غير منطقي؟
هذا الإتفاق الذي تم من بضعة أيام يعد إمتدادًا لتحالف أربعة أحزاب (التجمع، الوفد، الجبهة، الناصري) حول قضايا ومفاهيم سياسية مشتركة مثل برامج خاصة بالدستور والحريات، والدكتور" رفعت السعيد" أضاف المشاركة الجماهيرية، بالنزول للشارع في مواقف تضامنية مع قضايا الشعب المصري، وأرجو أن يفلح الاثنان في تحقيق ذلك.
- أمامنا خمسة عشر شهرًا فاصلة في مستقبل "مصر"، تشهد انتخابات مجلس الشعب، وانتخابات الرئاسة...هل يمكن أن تشهد هذه الفترة انفراجة سياسية؟
لا أعتقد...لأن الإنفراجة لا تأتي كهبة من السماء، وهذا ليس زمن المعجزات، مع إن الإيمان بها موجود لكن حدوثها غير متوقع، والمقدمات الموجودة لا تشير أن ذلك سيحدث حالياً!
- هل هناك أمل في الدكتور "البرادعي" لإحداث تغيير؟
دكتور "محمد البرادعي" رجل عظيم، وله كل إجلال وتقدير، وموقفه الأدائي والوظيفي محترم من كل الأفراد والأحزاب، لكن مواقفه السياسية، المتباعدة عن الأحزاب والانتماءات الحزبية، والمتعلقة بإصلاحات دستورية مباشرة بتوقيعات شعبية، فهنا الوضع مختلف. فهو ترك الأوضاع الفوقية والتحتية، ونزل على القاعدة الشعبية، وطلب توقيع أفراد الشعب للمطالبة بتغيير بعض المواد الدستورية التي تسمح بمناخ حقيقي، وهذا الكلام أعتقد أنه كان يصلح لسنة 1919 ولكن لا أعتقد أنه يصلح لمطلع الألفية الثالثة.
- وما الذي يصلح إذن لمطلع الألفية الثالثة؟
كما أثبت العالم كله الأصلح هو المجموعات البشرية، وخير تلك المجموعات هي ما تمثله الأحزاب، فأي شيء يطالب به المجتمع لابد أن يأتي من بوابة الأحزاب، سواء حزب حكومي قائم بالسلطة، أو حزب معارض يطالب بتداول السلطة، أو له أفكار أخرى في إدارة الأعمال، وهذا أصبح مطلوبًا، ولعلك سمعت عن الثورة البرتغالية، وثورات التحول في المجتمع الإشتراكي في أوربا الشرقية، وشرق البحر المتوسط، والدول العربية في شمال أفريقيا، وأعتقد إنه بدون أحزاب لا يمكن تحقيق هذه الأشياء.
- المفترض أن حزب التجمع هو أكثر الأحزاب انحيازًا للفقراء والكادحين والعمال، ومع ذلك فهذه الطبقة ليست على دراية كافية ببرنامج الحزب، فنجد أن العضويات تنصب على المفكرين والمثقفين وقد يكونوا بعيدين عن الطبقة التي يتحدث عنها التجمع...فهل أنا محق في تصوري هذا؟
هذا تصور غير صحيح وغير دقيق؛ لأن الطبقة العاملة والكادحة والفقراء، كل هذه المجموعات يصل حجمها إلى 40% ، وهذه الفئات أفكارها ووعيها محدود في حدود مطالب، في حدود الكفاح من أجل الحصول على "المعايش" وما يسد الرمق، وتعليم أبنائهم في أدنى أنواع المدارس (التعليم العام)، والعلاج في المستشفيات المجانية، والعلاج على نفقة الدولة..
كل هؤلاء الناس على الرغم من إننا بهم ومن أجلهم ومعهم يساريين، إلا إنهم لا يتمتعون بمطالب مجسدة في برنامج يعونه؛ لأن هناك برنامج يطلب المعايش المباشرة، وهناك برنامج نطلبه لإصلاح المجتمع من أجل إصلاح المعايش، وهذه مرحلة أخرى يحملها المثقفون والطليعيون بالضرورة، المنحازون إلى هذه المجموعة الكادحة والمعبرون عنها بطريقيتن؛ أن يحملوا أفكارهم، وأن يحاولوا تثقيف الحركات النقابية والإحتجاجية، ببرامج سياسية مجمعة لهذه الرؤى.
وأنا لا أرى تناقضًا بين الاثنين، إنما هذا من أجل ذاك، وطالما نتضامن مع هذه القواعد الشعبية في مطالبها اليومية، فتدريجيًا- مع مزيد من المعارف- ستقف مع كوادرها المثقفة التي تدافع عن حقها في التجمع، والحريات، والديمقراطية، باعتبارها مناخًا أصيلاً لتحقيق برامج صحية، وتعليمية، وتأمينية، وبرامج ضد الفقر، وبرامج ضد البطالة، بحيث تتحقق المطالب المباشرة من خلال المطالب الكبرى.
- في سنة 1977، هل رفع الشعب شعارات حزب التجمع في مظاهرات الإعتراض على رفع الأسعار؟!
لم يرفعوا شعارات حزب التجمع، بل شعاراتهم الحقيقية، الذي حدث هو توافق بين مطالب حزب الناس، ومطالب حزب التجمع، عندما ثار الناس من أجل المطالبة بالخبز واللحوم والجبن...
هناك ما يسمى تطعيم ضد المعركة، فقد تم تطعيم الشعب المصري تدريجيًا بحيث يتحمل دون أن يتذمر، ووصلنا اليوم لـ"غُلب"، ولكن الشعب مازال يتحمل وإن كان يصرخ، ولكن نحذر أن للتحمل حدود، وللأحزاب وجود.
- في إطار التغيير قام حزب الوفد بضم العديد من الكوادر وأعضاء البرلمان...فهل يحتاج حزب التجمع لضخ بعض الدماء الجديدة؟
هذا منهج مرفوض في حزب التجمع. نحن لا نضم إلا كادرًا، وإلا عضوًا مثقفًا، وإلا فردًا بأرضية يسارية، أحزاب أخرى تضم من ترى إنه طبقيًا ذو انحياز لها، دون الحاجة للتفكير في المفهوم الذي نشترطه في أعضائنا الفاعلين أو القياديين، أما العضوية العادية فلأناس "تعبانة وجعانة وشقيانة"، وليس لـ"رامي لكح"، أو لغيره ...
- ما موقف حزب التجمع من حكم الإدارية الخاص بالزواج الثاني؟
الزواج قضية يمكن أن يطلبها الناس (مسلمون أو مسيحيون) في حدود قواعدهم الدينية، ولكن من حق كل فرد سواء كان مسيحيًا أم مسلمًا، أن يكون هناك قانون مدني عام للأحوال الشخصية يحكم كل المصريين، ثم تبقى للفرد الحرية أن يوثق زواجه دينيًا أو لا، طبقًا لرغبته ورغبة المؤسسة الدينية التي ينتمي لها، وأرجو أن يبرز هذا المشروع ويتحقق؛ لأنه إعلاء وإعلان للدولة المدنية بمعناها الحقيقي، الذي دخل إلى مستوى تنظيم حياة الأسرة.
- متى تُحل مشكلات الأقباط في "مصر"؟
تُحل عندما يصبحوا سياسيين...
- وما الذي يعوقهم أن يصبحوا سياسيين؟
اسألهم!.. أنا أحكي لك عن تجربتي في نقابة الأطباء...تاريخيًا كان هناك تكتل ضدهم في نقابة الأطباء من 1984 حتى اليوم، وأعتقد إنهم أراحوا نفسهم وتوقفوا عن الإنتخابات نهائياً!- فكنا نطمع أن يعطي المسيحيون أصواتهم للكتلة المدنية، التي تدافع عن التعددية المدنية، ولا تنحاز لأحد الأديان، وكنت مساهمًا في هذه العملية، وكان الأطباء المسيحيين- على الأقل في نقابة القاهرة- أكثر من المسلمين، ثم نفاجأ أن أعضاء الجماعات الدينية هم من يحصدون المقاعد، والأقباط لم ينتخبوا أحدًا!! لأنهم يرتاحون هكذا "ومش عايزين دوشة دماغ"، وهذا التوجه إذا كانوا سمحوا به لنفسهم منذ عشر أو خمس عشرة سنة، أقول لهم: آن الأوان أن تصبحوا قياديين، سياسيين، منحازين فكريًا إلى ما يصلح للقواعد الشعبية، أيًا كانت أديانها، ونطالب بدولة متعددة الأديان، ولكنها متوافقة في أغراض المواطنة.
- أعلم أن لك وجهة نظر معارضة في قانون التأمين الصحي...هل نلتمس العذر للحكومة في تعجلها تمرير القانون الآن؟
لا عذر للحكومة إلا التراخي والتكاسل، فقد طالب السيد الرئيس أن يتم هذا المشروع من 2005، منذ أن أعلن برنامجه الإنتخابي، ومن المفروض أن يتم في مطلع 2011، ولكن حتى الآن التشريع لم يكتمل لنبدأ التنفيذ، وإن كنت متوقعًا أن يتم ذلك بعد انتخابات مجلس الشعب وقبل الرئاسة.
السؤال هو كيف يتم تمويل المشروع؟
هذه هي العقدة، في المشروع الذي تقدمت به في مواجهة مشروع الحكومة، اقترحت أن يكون تمويل تأمين الفقراء (حوالي 40% من الشعب) مستندًا على ضرائب مقترحة جديدة، تخصص على التبغ، وملاك الأراضي (فوق 10 فدادين)، فثلثي الناتج القومي يأتي من الملكية، وليس العمل، إذًا على الملاك أن يدفعوا ضريبتان؛ ضريبة عامة خفضها "بطرس غالي" إلى 20%، وضريبة مخصصة... وإلا من أين يدفع الفقراء الذين يشقون في سبيل قوت يومهم، مبلغ يصل إلى (800) جنيهًا في العام؟ تصبح المسألة صعبة جداً.
أما بالنسبة لباقي الطبقات فالموظف نسبة التأمين تكون 8% يدفع نصفها صاحب العمل، ويدفع الموظف النصف الثاني من إجمالي الدخل.
هذه المسألة تحتاج إسهام وحوار مجتمعي يحل محل الإسهام الفردي، ونتمنى أن يحدث توافق بين مختلف القوى الوطنية، بغض النظر عن المواقف السياسية والأيدولوجية لكل حزب.
لسماع أجزاء من الحوار انقر هنا جزء1 ، جزء2 ، جزء3 ، جزء4 ، جزء5 ، جزء6