بقلم: ميرفت عياد
استوقفنى مشهد شاب يقفز من فوق سور فى أحد ميادين القاهرة فاقتربت منه وسألته: لماذا تقفز هكذا؟ فقال لى: إن الفتحة المخصصة للخروج من السور بعيدة جدًا..فقلت له: ماذا لو وجدت أحد العساكر يقف بجانب السور؟ فقال: بالطبع كنت لا أقفز.
وهرول مستعجلاً وتركنى وحدى أواجه هذه الإجابة التى خرجت منه بتلقائية وبساطة ودون أى اكتراث من جانبه، الإ إنها فى نفس الوقت أثارت بداخلى تساؤلات عديدة منها: هل أصبح ما يحكم تصرفاتنا هو الخوف من العقاب ومبدأ العصاة لمن عصى؟
فهذا التصرف الذى يراه البعض بسيطًا، يحوى بداخله فكرًا منحرفًا محتواه القفز من فوق القوانين والقيم والأخلاق، طالما لا يوجد رقيب. هذا الفكر المنحرف هو الذى يؤدى إلى جميع السلوكيات الخاطئة فى مجتمعاتنا؛ حيث لم يعد وازع من الضمير أو الأخلاق هو الذى يحكم السلوك، بل الذى يحكم سلوكنا هو الخوف من المساءلة والعقاب، وطالما لا توجد مساءلة فيتم تغليب المصالح الشخصية، حتى ولو على حساب المجتمع ككل. وأصبحت الأنا هى مصدر سلوك معظم الناس؛ لذلك انتشر الفساد كانتشار الأورام الخبيثة فى جسد المجتمع ككل.
فنحن نرمى القمامة فى الشارع طالما لا أحد يحاسبنا..نأخذ الرشوة بقلب جامد طالما لا أحد يرانا..نسرق طالما يدنا خفيفة ولا يتم اكتشافنا..نؤذى من نريد طالما لنا ظهر ومسنودين..وبهذا أصبحت الكلمة التى على لسان معظم الناس "أنت لا تعرف أنا مين..أنا ممكن أرميك وراء الشمس..وكل عيش أحسن لك"...جمل بغيضة باتت تحمل بداخلها فكرًا منحرفًا.
وهذا الفكر المنحرف الذى يفعل ما يشاء طالما لايوجد رقيب أو حساب، يتفاعل مع عوامل آخرى منها الجهل والفقر؛ لينشئ لنا التطرف والإنحرافات التى تؤدى إلى أنواع شتى من الجرائم، يظن من يرتكبها إنه بعيد عن المساءلة القانونية وينسى المساءلة الإلهية.
لكن حتى نرى الصورة واضحة ونكون منصفين، يجب أن نرى الوجه الآخر لموقف هذا الشاب الذى قفز من فوق السور، ويتلخص هذا فى سؤال واحد: ماذا كان يحدث لو وجد هذا الشاب فتحة قريبة فى السور تلبى احتياجاته؟ هل كان سيقفز من فوق السور؟ أو بمعنى أعم هل يتم وضع القوانين والقواعد من قبل المسئولين دون مراعاة للإحتياجات الناس؟ ولعل السؤال الأهم: إذا أحس الناس أن القواعد والقوانين تراعى احتياجاتهم، هل سيقفزون من فوق السور - عفوًا- من فوق القوانين؟!