بقلم: هند مختار
على الرغم من كل مشاكل التعليم في "مصر" من مناهج لا تجاري الواقع الذي نحيا فيه، ومدرسين أنصاف متعلمين، ومدارس متاهلكة، وغيره من السلبيات. الإ أنني كنت محظوظة بقدر كبير بوجود مدرسين، أعتبرهم الآن آخر المدرسين المحترمين، ولا زلت أذكر جيدًا العديد منهم، وعلى رأسهم مدرس مادة الجغرافيا في مدرستي الثانوية الأستاذ "أحمد عبد الفتاح"، والذي طالما شرح لنا بجد وإجتهاد جعلنا لا نأخذ في تلك المادة دروس خصوصية على الإطلاق، ولا نفكر في ذلك..
ولا زلت أذكر أسئلته الغريبة لنا، والتي كان يطلب منا الإجابة عليها، والتي كان الغرض منها، تفتيح أذهاننا وعقولنا لما يدور حولنا في الحياة..
وكان من الأسئلة التي لا تغيب عن ذهني حنى الآن، ماذا لو لم يكن في "مصر" نهر النيل؟
إجتهدنا أولاد وبنات (كنت في مدرسة مشتركة) للإجابة عن هذا السؤال، وكانت إجاباتنا كلها خاطئة وغبية ..
وقال لنا: كنا تحولنا من دولة زراعية لدولة بحرية، فحدودنا الشمالية والشرقية عبارة عن بحرين، تمتد سواحلهما بطول الحدود، وكنا إعتمدنا على مياه الأمطار في الري والزراعة والشرب، ولكانت مشاريع تحلية مياه البحر من المشاريع الكبرى لدينا...
تذكرت هذا بسبب المشكلة المثارة حول مياه نهر النيل وحصتنا فيه، والحرب الخفية التي تُدار حول "مصر" من أجل مياه النيل...
فنحن في "مصر" نعاني من سوء إدارة الأزمات، ودائمًا نتحرك في اللحظات الأخيرة، بعدما تكون المؤمرات قد أًحكيت حولنا بمهارة، ودائمًا ما نخسر، فكم من ملفات خسرناها بسبب التراخي الشديد في تناول كل شيء..
فلقد خسرنا ملف تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2010، وكسبتها جنوب أفريقيا صاحبة أعلى معدل للجريمة في العالم، وخسرنا ملف الكرة مرة ثانية أمام الفيفا، بعد مباراة "الجزائر"، وأصبحنا نحن المخطئين، وقد نخسر ملف نهر النيل أيضًا – يبدو لي أننا في حاجة لوزارة للملفات – أعتقد أن السبب الحقيقي لهذه المشاكل هو الرفاهية التي نعاني منها في "مصر"..
لا تندهشوا من فكرة الرفاهية، فنحن بالقطع نعاني من رفاهية قد لا نلحظها بسبب كم السلبيات التي ننعم بها في "مصر".
فلقد حبتنا الطبيعة بكل النعم التي جعلتنا لانفكر في المستقبل، فلدينا البحر المتوسط والبحر الأحمر، ومع ذلك لم نستثمرهما الإستثمار الأمثل، فعلى سبيل المثال نحن لم نستغل الثروة السمكية كما يجب، والتي كان من الممكن أن تكون من الرخص حتى إنها تصبح بديلاً عن اللحوم التي زادت أسعارها بشكل غير مسبوق، بدون سبب واضح..
لدينا الصحراء بكل ما فيها من معادن ونفائس مثل الحديد، والتي جعلناها في يد رجل واحد يتلاعب به وبنا كما يشاء، ولدينا الفوسقات في "أبو طرطور"، وتحولت عملية استخراجه لعملية سرقة على المكشوف، وعلى عينك يا تاجر، البترول الموجود لدينا لا أعرف ما مصيره حتى الآن، ولماذا ترتفع أسعار الوقود، ولدينا كل هذا المخزون؟!!
حتى المياه الجوفيه التي تأتينا من الأمطار والسيول نعتبرها من الكوارث، ولا نخزنها للمستقبل، ولا حتى نزرع بها أو نشربها، مع أن المياه الجوفية تكون نقية وتحتاج لعمليات بسيطة لتحليتها، ولكننا نهدرها على ملاعب الجولف، وملئ حمامات السباحة..
إذا واصلت عد ما لدينا في مصرنا الغالية من مميزات طبيعية، فلن أنتهي، ولن تكفي هذه المساحة لعدها كلها..
ومع ذلك، نحن لا نطرح البدائل، والتي قد تخيف الجميع وتجعلهم يرهبوننا، فوجود بدائل لديك في كل شيء تجعلك دائمًا أكثر قوة وسطوة، ولكننا مصرون أن ننظر تحت أقدامنا..
لا أريد أن يأخذ أحد كلامي هذا على أساس إني أدعو للتفريط في حق "مصر" في نهر النيل وحصتها فيه، ولكن أن نكون على قدر من الذكاء، فالصراع مع الآخر يحتاج دائمًا لخطط بديلة لمواجهة الأزمة،أية أزمة؛ لأنه من الممكن جدًا أن نخسر، فإذا خسرنا ماذا نحن فاعلون؟!!..
فلماذا لا نطرح دائمًا السؤال الشهير: ماذا لو؟ ونتوقع الأسوأ، ونتصرف على أساسه؟!!
يحضرني هنا، بمناسبة حرب المياه، مقولة للملك "عبد العزيز آل سعود" حينما جاءوا يبشرونه بإكتشاف البترول، فقال لهم: "يا ليتهم وجدوا بدلاً منه ماء"...