حمدي قنديل .. وأقوي رجل في مصر
بقلم : محمود الزهيري
لا يوجد من هو قوي في مصر , سوي واحد فقط يمتلك القوة الوحيدة حصرياً وهي مايمكن أن يتم التعارف عليه بالقوة العارية حسب تعبير البعض , والمتمثلة في قوة الشرطة والحراسات الخاصة بتشكيلاتها العسكرية والتي تمكن لهذا الفرد أن يكون قوياً في مواجهة المواطنين المصريين , وهو حصرياً مبارك الأب ومعه النظام الحاكم بتشكيلاته المحتمية كذلك بتلك القوي العارية التي تقف حجر عثرة ليس ضد طموحات المأزومين , ولكن ضد مجرد الحالمين بأحلام التغيير .
تلك القوي العارية التي وضعت مصر الوطن والمواطن في خانة الرقم 49 للدول الفاشلة حسب مؤشر مجلة فورين بوليسي , وليس هناك من تعريف أبسط للدولة الفاشلة من التعريف الذي وضعه مركز أبحاث الأزمات في كلية لندن للدراسات الاقتصادية بأنها: " حالة انهيار الدولة، أو الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية الأساسية وحماية أمنها وفرض سيطرتها على أراضيها وحدودها "
وكذا حسب تعريف سينيثيا بيجري أحد واضعي مؤشر قياس الدول الفاشلة والتي تعرفها : على انها الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة.
وهذه التعريفات لم تخرج عن الحالة المصرية المتردية بدلالة قانون الطواريء والأعداد المرعبة من المعتقلين , وأحداث العنف الشرطي داخل السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة , والتي تجاوزت تلك الأماكن الكريهة لتخرج تلك الجرائم إلي الشارع العام في تحدٍ مجرم للشعور العام لتتم ممارسة الإجرام السلطوي بطرائق وأساليب علنية .
أن يستمرمبارك الأب رئيس لمصر طوال هذه المدة عبر إستفتاءات مزورة , وعبر إنتخابات مزورة بخلفية تعديلات دستورية تمثل أفظع جريمة تزوير رسمية تلغي الإشراف القضائي علي الإنتخابات , وتؤبد مبارك وسلفه في منظومة الحكم والسلطة سواء عبر مبارك الإبن , أو أشباه ونظائر وموصلات مبارك , لتنعدم مقاومة الحالمين والطامحين لأحلام الحرية والتنمية والكرامة الإنسانية لمصر الوطن والمواطن , هذا مايدلل بصراحة علي أنه ليس في مصر رجال أقوياء .
ماجعلني أكتب هذه السطور مقالة سطرها أحد القوميين العروبيين تحت عنوان " أقوي رجل معارض في مصر " بدأها بمفاضلة بين " محمد بديع " المرشد العام للإخوان المسلمين , و " سيد البدوي " رئيس حزب الوفد , و" محمد البرادعي " صاحب فكرة الجمعية الوطنية للتغيير , بعد أن إستبعد " حمدين صباحي " و " أيمن نور" من المعادلة بدلالة الزعامة الشعبية لهما .
إلا أنه إختتم مقاله بجملة مرعبة في مؤداها السياسي والإجتماعي لعملية التغيير في مصر وكأنه يؤبد ويؤيد النظام الحاكم في مصر إذ قال " أن التغيير لن يحدث الآن إلا بتدخل إلهى" !
ومع أننا لسنا في مفاضلة بين أحد وآخر من الرموز التي تحدث عنها المقال المسطر بقلم " حمدي قنديل " وكنت أتمني أن تكون كتابته بقلم حبر , أو كتابة منحوتة علي الصخر , أو بألوان تستعصي علي المحو والإزالة والبهتان , إلا أنني سررت أيما سرور لأنني تيقنت أنها مكتوبة " بقلم رصاص " مما يسهل محوها وإزالتها !!
المفاضلة بين الرموز التي فاضل بينها " حمدي قنديل " مفاضلة خارج إطار العقل , وهاربة من المسؤلية السياسية والإجتماعية , بإعتباره قومي عروبي ينتمي لتيار واسع وعريض وممتد داخل وخارج الوطن العربي , وكنت أتمني أن يقود " حمدي قنديل " معركة التغيير , بإعتباره قومي عروبي , يشاهده مايزيد علي 300 مليون عربي , يجلسوا أمام الشاشات الفضية مبهورين وهم مشدوهين ومبهورين بكلماته وتعبيراته اللغوية , وتقاسيم وجهه العربية , وإيماءاته القوية , ولكن الملاحظ أن " حمدي قنديل " لم يقدر علي أن يقوم بهذا الدور علي الإطلاق , وفشل فشلاً زريعاً هو ورفاقه القوميين العروبيين , بدلالات الواقع المصري , والواقع العربي المعاصر !!
سقطت الديمقراطية , وأسقطت الحريات , وقتلت مشاريع التنمية , وأعدمت أحلام الرفاهة , وأمنيات الكرامة , وهرب أصحاب الطموح إلي السجون والمعتقلات , أو تم تهريبهم إلي مقابر مجهولة العائلة والنسب , حتي مقابر الصدقة لم تقبلهم , وإنما قبلتهم الصحراء , أو أحواض الأسيد الكيماوية .
لقد سقطت القومية العروبية من أيام أحداث اليمن الشمالي والجنوبي , وسقطت القومية العروبية من أيام غزو العراق للكويت , وسقطت القومية العروبية من أيام معركة المغرب والجزائر , وسقطت القومية العروبية من أيام إحتلال سوريا للبنان , فلاتوجد قومية تقوم أركانها علي لغة بمفردها , ولا دين بمفرده !!
القومية العربية ماذا قدمت طوال تاريخها سوي الظاهرة الصوتية المجلجلة في الفضاء وفقط , وإلا هذا هو حال مصر , ووضعية العرب التاريخية أمام الديمقراطية والحريات والتنمية , ففي مصر علي سبيل المثال لا الحصر عاش القوميين 11 سنة في مدة حكم أنور السادات , و30 سنة طوال مدة حكم حسني مبارك , ماذا قدم القوميين طوال هذه السنوات سوي خطب ميكروفونية تمثل ظواهر صوتية عالية ضد أعداء الخارج وهم حصرياً قوي الإستعمار الصهيو أمريكي , والإمبريالية العالمية , وخارج إطار هاتين المفردتين لايوجد حديث آخر , ولا تفقه الظاهرة الصوتية سوي هذا الفقه العدائي بتفسيراته وتأويلاته ضد الصهيونية والإمبيريالية !!
فكيف يكون القومي العربي داخل مصر يكون من حقه إنتقاد الفساد والطغيان والإستبداد المصري ويدخل معترك نضال من أجل الديمقراطية , وباقي زعماء دول القومية العربية كسوريا والعراق واليمن وليبيا , يمارسوا الفساد والطغيان والإستبداد ؟!!
نحن لسنا ضد أحد , ولكن مع الفكرة التي حملها " محمد البرادعي " ونادي بها بإعتبارها فكرة تحمل توجهات ليبرالية وتؤسس لمجتمع ليبرالي حر قائم علي الشفافية وهدفه إعلاء قيم الديمقراطية والحريات , لإفساح مجالات التنمية والتقدم والرفاهية , وتأسيس دولة المواطنة .
مقال " حمدي قنديل " يثير العديد من التساؤلات حول ماذا يعنيه أو يريده من هذا المقال بداية من المقارنات والمفاضلات من حيث الأعداد والأموال والعمر الزمني وإنتهاءاً بفقدانه الأمل في التغيير , وتشكيكه في حلم " محمد البرادعي " حول التغيير , خاصة الأعداد التي شاركت في تظاهرة مجتمع الأسكندرية , والتي زادت عن 8000 متظاهر , واقتربت من 10000 متظاهر, فلماذا التشكيك في مدي قبول " البرادعي " لهذه الأعداد , ومدي رفضه , أو مدي إطمئنانه , ومدي قلقه , مع التنويه علي أن النخب والكاريزمات والرموز المشاركة في هذه التظاهرة حضروا بمفردهم للمشاركة في حلم التغيير الذي يحمله " البرادعي " ومناصري مؤيدي هذا الحلم والطامحين للتغيير , فخروج مجتمع الأسكندرية لم يكن بتوجيه من أحد , ولم يتم الحشد له من أي حزب أو جماعة أو حركة من الحركات الشعبية الإحتجاجية , وياليت حمدي قنديل يسأل المجتمع الأسكندراني حتي يعي هذه الحقيقة , إلا أنني بعد قراءة المقال تيقنت أنه قد كتب بقلم رصاص , وليس بقلم حبر !!
وأعتقد أن أقوي رجل في مصر هو من يقف مع مطالب الجمعية الوطنية للتغيير , ويكون نضاله من أجل غاية نبيلة سامية هي في البدء , التعديلات الدستورية للمواد 76 , 77 , 88 وصولاً لتحقيق المطالب الأخري .
mahmoudelzohery@yahoo.com
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :