تحقيق: نيفين جرجس- خاص الأقباط متحدون
يعتبر حزب الوفد من أول الأحزاب الليبرالية فى "مصر"، ويعتبر قادته من صفوة علماء وأدباء وسياسيى المجتمع المصري، وعلى رأسهم "سعد زغلول"، و"مكرم عبيد"، و"سينوت حنا"، و"مصطفى النحاس". ولقد رفع الحزب شعار "الدين لله والوطن للجميع" أثناء ثورة 1919، وضرب مثالاً يُحتذى به للوحدة الوطنية، وما ينبغى أن تكون عليه الحياة السياسية فى "مصر".
ولكن فى الآونة الأخيرة، وجدنا بعض الإختراقات التى تمثل تهديدًا للمبادىء الثابتة للحزب، متمثلة فى تصريحات بعض المنضمين إليه حديثًا، والتى تحمل ملامح انشقاق وتعالى بإستخدام بعض تفسيرات لبعض النصوص الدينية.
ويواكب هذا الإختراق، تولى رئيس الحزب الجديد مهامه، بعد الإنتخابات النزيهة والراقية، والتى أشادت بها كل الدوائر المعنية. ولكن يبدو أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن، مما جعل البعض يربط بين هذا الإختراق وتولى "السيد البدوى" رئاسة حزب الوفد.
ومما هو جدير بالذكر، أن بعض أعضاء الوفد قد ساءهم كثيرًا تصريحات الدكتورة "سعاد صالح"، والتى أوضحت أنها ضد تولى قبطى رئاسة الدولة لأن هذا ضد مبادىء دينها، مما أثار حفيظة غالبية أعضاء حزب الوفد، وجعل الكثيرين منهم يرفضون هذا الرأى، حتى أن الأستاذ "نشأت أنور حلمى"، وهو عضو هيئة وفدية عليا، يعلن رفضه ودهشته من هذا الوضع، ويصرّح برأيه على الفيس بوك.
ويبدو أن الوفد على شفا إنشقاق فى الرأى بين مدافع ومهاجم لوضع الدكتورة "سعاد"، ولكى نصل إلى نتائج حاولنا فتح هذا التحقيق. فوجدنا أن الجميع ملتزم الصمت، ويخشى إعلان موقف واضح داخل الحزب.
أعضاء الوفد لا يريدون التصعيد
سألنا "محمد مصطفى شردى"- عضو الوفد، وعضو مجلس الشعب عن دائرة المناخ بورسعيد - عن الدكتورة "سعاد" وموقف الحزب منها، فقال: إن الموضوع بُحث كثيرًا ونوقش كثيرًا فى الجرائد، مؤكدًا أن الحزب قد استنكر تصريحاتها على لسان كل الزملاء، وإنها أصدرت بيانًا وكتبت مقالًا بخصوص ما صرحت به، متسائلًا عما هو مطلوب منها أكثر من هذا، ومشيرًا إلى إنهم لا يريدون التصعيد.
ووجهنا نفس السؤال للأستاذ "عمر هاشم"، فسألنا هو عما نريده، ذاكرًا أن الدكتورة قدمت إعتذارًا، وقررت إنها لا تقصد ما قالت، وبررت ذلك بكلامها عن دولة الخلافة وليست الدولة المدنية، والتى يحق للقبطى فيها أن يتولى الرئاسة أو أى شخص آخر، حيث أوضحت أن دولة الخلافة هى التى لا يجوز فيها الخلافة إلا لوالى مسلم.
الأقباط لم ولن يتنازلوا عن الحزب
وقال "أشرف إدوار"- محامى: إن حزب الوفد يتجه لأسلمة هذا الحزب من تلقاء نفسه وليس الإخوان المسلمين، مضيفًا أن الرمز جميل "الهلال مع الصليب"، ولكن أصبح الآن هناك تحرك جديد ليصبح الرمز فى المستقبل "الهلال فقط"، ومع ذلك فإن الأقباط لم ولن يتنازلوا عن الحزب، وسيظلوا يحاربون ويحافظون على التوازن، مؤكدًا أن الحزب لن يصبح فى يوم ما جناح آخر، ولكن سيظل الأقباط قوة مؤثرة فى الحزب، مشيرًا إلى أن التصريحات غير المسئولة التى صدرت عن الدكتورة "سعاد صالح"، وهى شخصية تتسم بالتعاليم الدينية المتوارثة، أدت إلى فكر خاطىء وفكر إسلامى جديد متشدد، والإعتذار لا يكفى.
لا خلط للدين بالسياسة ولا السياسة بالدين
أما "هانى الجزيرى"- رئيس مركز المليون لحقوق الإنسان- فقال: لاشك أن حزب الوفد بما له من ثقل فى الشارع السياسى، يؤثر فى الجماهير الغفيرة التى تهتم بشئون "مصر" السياسية. وإنه منذ تولى الدكتور "السيد البدوى" رئاسة حزب الوفد، بعد إنتخابات نزيهة ومشرفة، أعلنت بعض الشخصيات العامة وبعض المشاهير إنضمامها إلى الحزب، بما يدلل على تفاعل وفاعلية القيادة الجديدة، وإنبهار الشعب المصرى بالتجربة الفريدة، والتى ساهم فيها المهندس "محمود أباظة" بالقدر الكبير بإعتباره الرئيس السابق والفريق الخاسر، والذى ضرب مثلاً رائعًا فى الروح القيادية التى يهمها المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
إلى هنا والتجربة فريدة من نوعها، ومتميزة جدًا. ولكن كانت هناك تخوفات من البعض من محاولات التيار الإسلامى لإختراق الحزب، وهى محاولة مستمرة لجميع القوى السياسية، ولكن بعد إنضمام الدكتورة "سعاد صالح" إلى الوفد ثم تصريحاتها النارية ضد الأقباط وسرعة تعيينها على رأس اللجنة الدينية بحزب الوفد، ثم إنضمام الشيخ "فرحات المنجى"- مستشار شيخ الجامع الأزهر سابقأ- كل هذا سبّب صدمة للأقباط أولاً، ولجموع السياسيين، ولكل معتنقى الليبرالية، حيث لا خلط للدين بالسياسة ولا السياسة بالدين.
تصريحات الدكتورة "سعاد"
وأضاف "الجزيري": أنا فى يقينى أن الدكتورة تقصد ما قالت، ولكنها تراجعت، وفى تراجعها عدم إطمئنان لموقفها، حيث ان لديها عقيدة أفصحت عنها وصرحت بها فى لحظة إنفعال وتشدد، هى فى الحقيقة لحظة صدق مع النفس. وكفانا إستخفافًا بالعقول، واللعب بمشاعر البسطاء. فالدكتورة والمدافعون عنها يقولون إنها كانت تقصد دولة الخلافة التى لا يصح فيها ترشيح قبطى، وهنا نسأل الدكتورة أستاذة الفقه: من الذى سألك عن دولة الخلافة؟ وأين هى دولة الخلافة التى تزعمين أنكِ تقصديها؟ ثم هل دولة الخلافة بها ترشيح أصلاً؟ هل دولة الخلافة بها إختيارات حتى بين المسلمين؟ أإلى هذا الحد تستخف بنا الدكتورة ؟!
واستطرد "الجزيري": لا يوجد فى دولة الخلافة ترشيحات، ولا اختيارات، ولا إنتخابات. ولذلك فالخلط هنا غير وارد. "سعاد صالح" كانت تقصد ما تقول، واعتذرت بأسباب واهية فأصبح العذر أقبح من الذنب، هذا بالنسبة لـ"سعاد صالح"، وهذا لا يهمنا كثيرًا؛ لأنها فرد وهى حرة فيما تعتقد، ولكن المشكلة فى حزب الوفد؛ فالكل انبرى للدفاع عنها، ولم يهاجمها إلا القليل، وكافئوها بإختيارها رئيسة للجنة الدينية رغم أن هذه اللجنة لابد وأن تضم مسيحيين ومسلمين، وتساءل "الجزيري": من الذى اختارها رئيسة؟ ثم أليس من الأفضل أن ينتظروا لبيان توجهات الحاجة "سعاد" ويطمئنوا إلى ليبراليتها؟ وهل أفكارها تتوافق مع أفكار ومبادىء الحزب؟ أم هى عملية حشر والسلام أو - وهذا هو المرجّح- هذا هو التوجه الجديد لحزب الوفد برئيسه الجديد؟!!
وأكد "الجزيري" إنه لا يهمه اعتذار "سعاد"، ولكنه كان ينتظر بيانًا رسميًا من حزب الوفد يرفض هذه التصريحات، ويجمد عضوية العضوة المذكورة؛ حتى يتضح إيمانها بمبادىء الوفد، وإنه ما زال منتظرًا هذا البيان.
هل حزب الوفد فى طريقه إلى التحول الديني؟
أما الأستاذ "نشأت أنور"- محامى- فقد عبّر عن رأيه فى هذه الأزمة قائلاً: إن حزب الوفد قد ضحى بالأقباط، وبالثوابت التى توارثها عن الحزب القديم، وبدأ بثوابت جديدة وهى أسلمة حزب الوفد، مدللًا بأن الحزب لم يحرك ساكنًا، ولم يقدم اعتذارًا عما بدر من العضوة الجديدة وما ظهر فيها من إساءة للأقباط .
وتساءل "أنور": هل الوفد سينجرف نحو التيار الإسلامى؟ وهل هو فى طريقه إلى التحول الدينى؟ مشيرًا إلى أن المعالم لم تتضح حتى الآن، وأن "محمد مصطفى شردى" لم يدافع عن الأقباط من أجل أن يرضى الجناح الدينى للإخوان. وعلّق قائلاً: لماذا هذا القهر من إخوة الوطن؟
وعن اللجنة الدينية قال "أنور" إنها موجودة أصلاً، ومكونة من أقباط ومسلمين، ولكن ظهر الجناح المتطرف، و"سعاد صالح" مشرفة على اللجنة الدينية،مؤكدًا أن الإعتذار لايكفى، وإنه كتب على الفيس بوك بيانًا إلى بيت الأمة وقّع عليه عشرات الوفديين يطلبون فيه إجراء تحقيق مع الدكتورة "سعاد" فيما نُسب لها من هجوم على الأقباط، وفصلها من الحزب لتناقض أفكارها مع مبادىء الحزب، كما طالب الموقعون على البيان أيضًا بأن يُعلن حزب الوفد عن إستنكاره لهذه التصريحات، ويرفضها بشكل كامل، خاصةً وأن صمت الحزب بهذا الشكل يعنى إنه موافق تمامًا على هذه التصريحات الطائفية.
رسالة إلى أعضاء الوفد
وقال "أنور": إنه فى مقالة أخرى كتبها بعنوان "رسالة إلى أعضاء الوفد"، الذين لم يرضوا عن مقالته الأولى، وطالبوه بالتمسك بمبادىء الوفد ، وجّه لهم سؤال: أى مبادىء؟ مبادىء الحزب القديم أم الوفد الجديد؟ وقال لهم: ماذا تريدون أن أقول لابنتي إذا سألتني: "أين حزب الوفد؟ أين الليبرالية؟ أين تاريخ آبائكم والمحافظة على الوحدة الوطنية؟ "وتساءل: هل تريدون أن أقول: "سلمتهما لمجموعة من الحزب لا ترى شيئًا الإ الإنتقام من الأقباط أو لهم أجندات دينية متطرفة ليخربوا الوفد والوطن؟!!
وأضاف "أنور": بالطبع لا وألف لا ، سأقول لإبنتي: حافظت على "مصر" بإنضمامى لحزب الوفد، وقاومت ولم أستسلم، وسأستمر فى المقاومة إلى أن ينتبه إخوة الوطن بأنهم قد سببوا آلامًا لإخوانهم بدون سبب أو جريرة، وسأقول لا بعقلى هذه المرة، نعم لحزب الوفد القديم. وسأقول لابنتي: اخترت الليبرالية، اختر ت الوفد القديم. مشيرًا إلى أنه أستطيع أن يدافع عن عادات وتقاليد ترغمنه أن يطيع أولياء الأمر، قبل أن تعلمه كيف يدوس في بطونهم، ويقص أصابعهم عندما يتجاوزون صلاحياتهم، على حد قوله.
المساواة بين أبناء الوطن
وختامًا أكد "أنور" أن الأمة التي لا تستطيع أن تساوى بين أبنائها، لن تستطيع أن تتقدم أو أن تصنع سياسة حرة، موضحًا إنه فى رسالته الأخيرة، والتى وجهها إلى رئيس الحزب و"مصطفى شردى" قال أن المبادىء التى قام عليها الحزب، والأعداد التى ذكرها رئيسه من أعضائه المسلمين والمسيحيين، كان قبل الأسلمة التى طالت كل شىء فى "مصر"(على حد تعبيره)، وقبل اختفاء شعار الدين لله والوطن للجميع الذى لا تؤمن به الدكتورة "سعاد"، حيث إنها تؤمن بأن "الدين لله والوطن للمسلمين"، ولم تتركهم وإلههم، حيث نفت عنهم الإيمان بالله وكفرتهم من البداية .