CET 09:07:22 - 04/07/2010

مقالات مختارة

بقلم : على سالم

كان الأستاذ نجيب محفوظ - رحمه الله - يرى أن السلام هو العلاقات الطبيعية بين البشر، غير أنه في مجتمع عانى طويلا من فقدان ما هو طبيعي في مجال السياسة لعقود بفعل حكوماته الثورية المتعاقبة، كان لا بد أن تشعر النخبة بالخوف من علاقات طبيعية لا تعرف أبعادها مع إسرائيل، من هنا نشأت كل حركات التصدي ومقاومة التطبيع بين مصر وإسرائيل، وأهم الشعارات المرفوعة في هذا المجال، هي أن ورقة التطبيع هي آخر ورقة نحتفظ بها في الصراع العربي - الإسرائيلي للضغط على إسرائيل من أجل إرغامها على المضي قدما في خطوات السلام بهدف نهائي هو الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية، أي أن عدم التطبيع ليس غاية في حد ذاته بل هو فقط وسيلة نهائية للضغط على إسرائيل. هكذا نفهم بغير إعلان واضح منهم أن السلام بين مصر وإسرائيل، هو الاستراتيجية التي يسعون إليها. وبما أن الحرب، كما يقول كلاوتزفتز، هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، لذلك يرى نشطاء السلام في مصر، وهم قلة بالطبع، أن علاقات السلام تحتم علاقات سياسية جديدة بين الطرفين تبعد شبح الحرب وتدعم الثقة بين الطرفين لكي تتفرغ مصر لحل مشكلاتها التي لم يعد أحد على وجه الأرض يجهلها.

غير أن المراقب من بعيد أو قريب لحركة المجتمع المصري سيكتشف بسهولة أن مشكلة التطبيع لا تمثل همّا مصريا، بمعنى أنها لا تشغل حيزا ما من تفكير الشعب المصري بوصفها مشكلة ضاغطة من مشكلاته العديدة. فحتى الآن لم نسمع عن مواطن مصري استيقظ في الصباح مشتت الذهن مكفهر الوجه وتساءل في حيرة وألم: يا ترى يا ربي.. هاعمل إيه في مشكلة التطبيع؟

كما أنها - في زعمي - لا تشكل هما عند النخبة المثقفة، بل اهتماما، حصروا نشاطهم فيه بديلا من التزامهم بالعمل العام، وهروبا من معارك حقيقية تفرضها علاقات السلام في مجالات المعرفة والثقافة والفن والرياضة والبحث العلمي والتجارة والصناعة، ومن البديهي أن كل ذلك لا يعطل كفاحا حقيقيا من أجل إقامة دولة فلسطينية، بل لعله يعطيه دفعة قوية. وعندما نمعن النظر في حكاية الضغط المزعوم، سنلاحظ أن معاداة التطبيع لا تشكل ولم تشكل منذ بدايتها ورقة ضغط على الإسرائيليين بل اكتفت بأن تكون ورقة ضغط ثقيلة للغاية على المصريين خارج الدوائر الرسمية، أي في مجالات الفن والأفكار والثقافة، وكل مفاتيحها بالطبع ليست موجودة في جيوب المثقفين، وحتى لو كانت موجودة معهم فكل محابسها موجودة في مكاتب المسؤولين.

هناك مشاريع تجارية في مجالات عديدة بين مصر وإسرائيل وهناك تعاون في مشروع «الكويز» من أجل ان تصير بضائع معفاة من الجمارك إلى أميركا، غير أن حركات مقاومة التطبيع لا شأن لها بذلك لأن مفاتيحها ليست معهم، هكذا أفلتوا من مطرقة عدم التطبيع، أما أقوى الضربات الثقيلة فكانت المطالبة بتجريد المصريين العاملين في إسرائيل والمتزوجين من إسرائيليات من جنسيتهم المصرية، والمقصود بالإسرائيليات، العربيات الفلسطينيات المسلمات والمسيحيات، بالإضافة بالطبع إلى المتزوجين من يهوديات، والهدف من ذلك - كما يتصورون - هو حماية الأمن القومي. ستلاحظ هنا أن «الضغط» يحدث على الحكومة المصرية وعلى مصريين وعلى نساء ينتمين للديانات الثلاث متزوجات من مصريين، هي خطوة واضحة لخراب بيوت المصريين العاملين هناك. حتى الآن ستفشل في العثور على أي نوع من أنواع الضغط على إسرائيل الدولة والحكومة.

وهنا نأتي لمجال الفن، ممثل مصري يشترك في فيلم أميركي شاركت فيه ممثلة أو ممثل إسرائيلي، على الفور ترتفع الصيحة وترتفع معها المطرقة: إلحق.. مطبعاتي.. إلحقي يا نقابة.. حققوا معه.. ارفدوه..

وعلى الفور يظهر مسؤول النقابة: طبعا.. هو احنا حانسيبه..؟ إذا اتضح أنه كان يعرف أنها إسرائيلية ومثّل معها في مشهد واحد أو حتى في فيلم واحد، فسنقوم بفصله على الفور.. يجب ألا يضحي أحد بالشعب الفلسطيني من أجل النجومية العالمية.

كما لو أن المطلوب هو أن يطلب النجم عند اختياره للقيام بدور في فيلم أجنبي أن يتأكد أن كل العاملين فيه ليس لهم صلة بإسرائيل من بعيد أو قريب. هل ترى في ذلك ضغطا على أحد غير المصريين؟

ثم نأتي لكرة القدم، لاعب مصري وقّع مع ناد بلجيكي، واكتشفت شعبة البحث والتحري في جماعات مقاومة التطبيع، أن النادي يلعب به لاعب يحمل الجنسية الإسرائيلية، ومرة أخرى ترتفع مطرقة الضغط وترتفع الأصوات: إلحق.. مطبعاتي.. أين أنت يا اتحاد كرة القدم.. هل سنترك هذا اللاعب المنفلت يتسبب في ضياع القضية الفلسطينية؟

عند هذا الحد من العبثية تجرأ بعض الكتاب وبدأوا يدينون هذا السلوك الغريب الذي يمنع المصريين من التقدم والحركة، غير أنهم جميعا كتبوا وسيف الاتهام بالتطبيع معلق على رقابهم ومطرقته تتأرجح فوق رؤوسهم، لذلك حرصوا على أن يبدأوا كلماتهم بالـ«pass word» وهي الجملة الشهيرة: أنا ضد التطبيع.. غير أني...

لو سمحت لي جبهة الصمود والتصدي للتطبيع للعمل مستشارا لهم بوصفي خبيرا تطبيعيا قديما لأشرت عليهم بما يجب عليهم عمله من أجل أن يقدر الناس نشاطهم؛ ليس من اللائق أمام العالم أن نمنع ممثلا من العمل في فيلم يشترك فيه ممثل أو مونتير إسرائيلي، غير أننا نستطيع أن نصدر قرارا بأن يلتزم المخرج بعدم تصوير الاثنين معا، عليه أن يصور كل منهما على حدة ثم يجمعهما في المونتاج، وفي حالة أن تكون ممثلة فعلى البطل المصري رفض الدور إذا كان المطلوب منه أن يحبها أو حتى يعاملها بمودة، وسيكون من الأفضل أن يقتلها في الفيلم، وفي حالة اشتراك الفيلم في مهرجان كان، يمتنع النجم عن المشي فوق السجادة الحمراء مع أي ممثل أو ممثلة، عليه أن يمشي على الأرض خارج السجادة، أو على الرصيف المقابل.

أما في مجال كرة القدم فعلي اتحاد الكرة أن يكون لديه عقد موحد نفرضه على أندية العالم، نسمح فيه للاعب المصري باللعب في فريق يضم لاعبا إسرائيليا واحدا فقط، بشرط ألا «يشوط» له الكرة ولا حتى يتقبلها منه حتى لو كانت أمام «الجون» ويستطيع أن يحرز منها هدفا. وإذا مرر له الكرة لتوريطه في التطبيع، عليه أن يشوطها خارج الملعب فورا.

هل تعتقدون أنني أمزح، لا والله.. أنتم فقط من يضحّك علينا خلق الله جميعا

نقلاً عن الشرق الاوسط

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع