* ما لم يتم تعديل الأوضاع الراهنة سيصحو المجتمع على غليان طائفي.
* المعارضة غير مستعدة للانتخابات الرئاسية المقبلة.
* أحكام القضاء تحض على العنف والتمييز بين المواطنين على أساس الدين.
حوار: هانى دانيال – خاص الأقباط متحدون

أكد معتز الفجيري المدير التنفيذي لمركز القاهرة لحقوق الإنسان أن وجود المادة الثانية في الدستور يعاني منها المسلمين قبل الأقباط، وأن الحكومة عليها إدخال نصوص جديدة في هذه المادة يسمح بالتعددية في المجتمع، مشيراً إلى إمكانية تعديل المادة مثلما أقدمت الحكومة على تعديل 34 مادة منذ عامين.
أوضح الفجيري لـ "الأقباط متحدون" قبل سفره إلى جنيف لحضور مؤتمر دربان بأن الأقليات في المنطقة العربية تتعرض لمشكلات عديدة، ولا بد من معالجة هذه المشكلات فوراً حتى لا تتدهور الأمور، ويصحو المجتمع على غليان طائفي، فالأقباط والبهائيين والشيعة يتعرضون لمضايقات عديدة في مصر، والمنطقة العربية تعاني من مشكلة الأقليات، وما لم يتم مواجهة المشكلة بحزم لا تنصلح الأحوال، وستنتقل من سيء إلى أسوأ.

* مركز القاهرة يستعد لحضور مؤتمر دربان بجنيف.. ما الجديد في هذا الشأن؟
** نحن مستعدون لحضور مؤتمر مراجعة الممارسات العنصرية بجنيف نهاية الشهر الجاري، خاصة وأن المؤتمر يولي أهمية كبيرة لقضايا الأقليات على وجه الخصوص، في ظل وجود مطالب عديدة للأقليات في العالم والمنطقة العربية تحديداً، كما إننا نهتم بمحاولات بعض الدول العربية والإسلامية بتجريم حرية الرأي والتعبير تحت ذريعة مواجهة ازدراء الديان وتجريمه، خاصة وأن أي قوانين من هذا الشأن تستغل خطأ.
وهناك اهتمام كبير بقضايا الأقباط والنوبيين والبهائيين في مصر، القرآنين في المنطقة العربية، الشيعة في سوريا والبحرين، وغيرها من المشكلات التى يتم استخدام قوانين ازدراء الأديان ضدهم، خاصة وأن هذا القانون يتم تفعيله فقط في حالة الهجوم على الإسلام، ويتم إغفاله في حالة الهجوم على المسيحية أو اليهودية أو البهائية أو أى ديانة أخرى، ولا يقتصر الأمر على الأديان فقط، بل وعلى الشعراء والمبدعين.
والدولة هنا لا بد أن تكون محايدة، لا تميل لصالح هذا على حساب الآخر منعا لإثارة مثل هذه المشكلات.

* وماذا عن مشكلات البهائيين التي تفجرت مؤخراً؟
** بالفعل تعرض البهائيين لمشكلات عديدة، وكان يمكن استخدام تهمة ازدراء الأديان لمن تعرض بالسوء للبهائيين، إلا انه لم يحدث ذلك، لذلك سنقوم بالتركيز على مثل هذه الأمور، وعقد ندوة في جنيف يوم الجمعة 24 ابريل الجاري، لمناقشة هذه القضايا بشكل أكبر وأشمل.

معتر الفجيري مع المحاور هاني دانيال


* لماذا تفجرت قضايا الأقليات بهذا الشكل؟
** السبب يعود بشكل كبير إلى تصاعد اليمين الأوربي عقب هجمات 11 سبتمبر، واستغلال الحكومات العربية لمثل هذه الأحداث لتضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير، وغض الأنظار عن أمور مهمة بمناقشة وإثارة قضايا ثانوية.

* وهل الأقليات العربية والمسلمة تتعرض لمثل هذه الإنتهاكات في المجتمعات الغربية؟
** الأقليات العربية تتعرض لبعض المضايقات، ولكن مشكلات الأقليات في المنطقة العربية تفوق بمراحل مشكلات المسلمين في أوربا.

* المجلس القومي لحقوق الإنسان ناقش قضية التمييز العنصري، وتم التركيز على مشكلة فلسطين وإسرائيل فقط؟
** بالطبع المجلس القومي لا يستطيع مناقشة هذه الملفات بسهولة، ومع الإعتراف بأن مشكلة فلسطين مهمة، إلا أن مشكلة الأقليات في المنطقة العربية مهمة أيضاً، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان نسق مع بعض المنظمات غير الحكومية إبان المؤتمر الأول لمكافحة العنصرية بجنوب أفريقيا عام 1999، وتحمل هجمات شرسة، خاصة وأن مركز القاهرة كان من أنصار أن القضية الفلسطينية مهمة، ولكن ليس من المعقول اختزال مكافحة العنصرية على هذه القضية فقط.

* من يمكنه فتح مثل هذه الملفات؟
** تزايد إصدارات الصحف الخاصة سمحت بوجود مساحة كبيرة لتناول قضايا الأقليات، وإن كانت معظم هذه الإصدارات تناقش هذه الملفات بشكل محافظ يتناسب مع المجتمع الذى لم يعتاد وجود مثل هذه المشكلات، ولا يعترف بها، ومع ذلك المنظمات غير الحكومية لديها القدرة على ذلك، ومركز بن خلدون كان له جهد كبير في هذا الشأن.

* ما أسباب توتر المجتمع بهذا الحجم؟
** أحكام القضاء كفيلة برفع درجة الإحتقان في المجتمع، فعلى سبيل المثال يتم إصدار أحكام قضائية تؤكد على أن هذه الجماعات شرعية أو غير شرعية، وأنه يستوجب التعامل معها بكذا وكذا، وهذا ليس دور القضاء، فالقضاء مهمته الفصل في القضايا حسب القوانين، لا أن يدخل في تفنيد العقائد، ومثل هذه الأحكام تساعد على انتشار المشكلات، بالإضافة إلى أن الرقعة الجغرافية الخاصة بالحوادث الطائفية لم تعد مقتصرة على أماكن معينة، بل أنها أصبحت تتنوع، ولم يعد يفصل بين حادثة وأخرى إلى وقت قليل، وما حدث في محافظة سوهاج من الاعتداء على البهائيين عرضة للتكرار في أماكن أخرى، وفي ظل هذه الأوضاع لا نستبعد أن نصحو ذات يوم على غليان طائفي!

* ما الحل؟
** الحل يكمن في المواطنة، وتنفيذ توصيات الدكتور جمال العطيفي رحمه الله، والإستجابة لمطالب منظمات حقوق الإنسان، وإذا اهتمت الحكومة بمثل هذه الأمور ستشهد مصر تحسناً ملحوظاً في أوضاع حقوق الإنسان، دون أن تعتبرها تنازلات أو ضغوط عليها، فالمجتمع اليوم بحاجة إلى قوانين مهمة مثل قانون بناء وترميم دور العبادة، قانون مكافحة التمييز، حيادية وسائل الإعلام المملوكة للدولة، إلغاء خانة الديانة من الوراق الثبوتية، أو الإعتراف بكل الأديان والعقائد.
كما أن هناك حاجة مهمة لتطوير التعليم الأزهري، خاصة وأنه يتعارض مع العمل الحقوقي، وتعزيز التعددية في المذاهب، وأن يكون للأزهر ودار الإفتاء دوراً مهماً في التأثير على هذه المؤسسة للأفضل.

* بعد مرور عامين على مبدأ الموطنة.. هل هناك جديد؟
** لا يوجد أى تعديل ولو طفيف، فما زالت التواترات موجودة، والإحتقان موجود.

* هناك من يقول بأن مبدأ المواطنة لن يتم تفعيله ما لم يتم النظر في المادة الثانية؟
** هذا صحيح، فالمادة الثانية تحد من المادة الأولى، كما أنها تعطل أي محاولات نحو مدنية الدولة، والحكومة عليها التقدم بمقترح يسمح بوجود تعددية في المجتمع في صياغة المادة الثانية، من أجل احترام حقوق الإنسان.

* الحكومة تخشى تعديل هذه المادة بسبب الثقافة الموجودة؟
** الحكومة تقدمت من قبل بتعديل 34 مادة، رغم أنها دافعت لفترات طويلة عن عدم تعديل الدستور حتى لا يتأثر المجتمع سلبياً، وطالما لديها القدرة على ذلك، لماذا لا تقدم على هذه الخطوة؟.

* هناك من يقول أن مطالبة الأقباط بتعديل المادة الثانية مطلب طائفي؟
** بالعكس، المسلمين أكثر المضارين من المادة الثانية، والبهائيين مضارين بسبب المادة الثانية، والمبدعين والشعراء مضارين بسبب هذه المادة، بل أن الشيعة وهم مسلمين يتعرضون لمضايقات بسبب المادة الثانية، ويتهمون بازدراء الأديان بسبب المادة الثانية، ونفس الشيء ينطبق على القرآنييين، وغيرها من فئات المجتمع، ولذلك الحكومة مطالبة باتخاذ موقف سريع في هذه الأمور.
كذلك مشكلات تغيير الدين سببها المادة الثانية، وهناك ثقافة في المجتمع تعمل على إخفاء الحقيقة، وهنا الخطورة كلها حيث طالب عدد من نواب جماعة الإخوان المسلمين بمجلس الشعب أي فرد يريد تغيير دينه أن يقوم بذلك في السر، ولا يعلن تغيير دينه على العامة، وهذه مشكلة خطيرة، لأنها تدعم من النفاق في المجتمع، لأنه من أساسيات حرية الاعتقاد هو الإعلان بما يعتقد به الفرد.

* ما تقييمك لأوضاع حقوق الإنسان بشكل عام؟
** هناك مشكلات كبيرة مثل غياب الحق في حرية الرأى والتعبير، تضييق الخناق على السياسيين والمعارضين، وجود قيود على حرية التنظيم، و"دسترة" قانون الإرهاب حتى لا يتم الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا، انتشار جرائم التعذيب مع وجود ضوء أخضر بعدم التعرض لمن يمارس التعذيب، وإذا كانت النيابة قدمت عدد من الضباط للمحاكمة بسبب ممارستهم للتعذيب، إلا أن هناك عشرات أو مئات من الضباط الذين يمارسون التعذيب دون أن يتعرضوا لأي محاكمات.

* المجتمع يغيب عنه مشروع نهضوي يرتقي به للأمام.. لماذا؟
** غالباً ما يكون المشروع الفكري النهضوي مشروع فوقي وليس من القاعدة، ولكن السياسة تقف أمامه، كما أن الحركات السياسية لا تتبنى مثل هذه المشروعات، وهذا سبب في ظهور مشروعات نهضوية عديدة منذ أوائل القرن التاسع عشر، ولكنها لم تدم بسبب عدم تبنيها من الساسة، فغالبا ما تنجح هذه المشروعات من الناحية الفكرية، ولكنها تفشل سياسياً، على عكس أوربا، والتي حدث بها تفاعل بين ما يطلبه النهضويين مع السياسيين.

* هل هناك أمل في التغيير؟
** المجتمع المصري قابل لذلك فعلاً، ولكن هناك حاجة من الوقت المناسب، فمن الصعب أن يتحول المجتمع مرة واحدة إلى الليبرالية، ولكن المهم هو وجود مؤشرات أولية على ذلك، ووجود الحركات الإحتجاجية مؤشر إيجابي، وعلى الرغم من قيام الحزب الوطني الحاكم باستخدام طرق مختلفة لتضييق الخناق على حركات الاحتجاج، إلا أن التغيير ما زال أمل قائم.

* هل الأحزاب السياسية قادرة على التغيير؟
**للأسف لا، خاصة وأن هذه الأحزاب تحولت لمراكز أبحاث.

* وماذا عن الإنتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة؟
** ستكون كارثة بكل المقاييس، وستكون أسوأ انتخابات أجريت في مصر، في ظل عدم الإشراف القضائي الكامل، كذلك حتى الآن لا يعلم أحد من المرشح لرئاسة الجمهورية، رغم أن كل البلدان يتم الإفصاح فيها عن اسم المرشح قبل بسنوات ويقوم بحملات انتخابية، أما في مصر فلا يعرف أحد من سيقوم بترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة.

* ماذا لو حكم جمال مبارك مصر؟
** لو وصل للحكم ستحدث مشكلات داخلية عديدة، ومن المهم أن يكون لمرشح الرئاسة القدرة على تهدئة الأمور داخل المجتمع، حتى لا يحدث نزاع بين مراكز القوى، خاصة وأن هناك مؤسسات لا تزال ترفض اختيار مدني لمنصب الرئيس.

* هل المعارضة قادرة على ترشيح مرشح للرئاسة؟
** المعارضة لو توحدت يمكنها ترشيح مرشح واحد للرئاسة، ولن ينجح بالطبع، ولكن سيحقق مناخ مهم وستكون خطوة البداية.

*ولكن هل المعارضة مهيئة لذلك؟
** للأسف لا.

* في ظل هذه الوضع المظلم.. هل هناك بارقة أمل في التغيير؟
** بالطبع هناك بارقة أمل، فالإعلام الخاص يلعب دور مهم في توعية الناس بحقوقها، مبادرات الشباب في المجتمع المدني، ثقافة الإحتجاج والإضرابات في المجتمع، تيار الإصلاح في القضاء، وغيرها من المؤشرات المهمة التي يمكن البناء عليها للأمام.