بقلم: هند مختار
مترو الأنفاق وسيلة مواصلات رخيصة، والمفروض إنها آمنة وصديقة للبيئة، أنا أعتقد في الأولى ولا أعتقد في الثانية والثالثة..
فلقد انتقلت السلوكيات السلبية الموجودة في الشارع المصري فوق الأرض إلى تحت الأرض، فأصبح غير آمن، وغير صديق للبيئة..
غير آمن، ليس من ناحية الحوادث لا قدر الله، فمنذ أُنشيء المترو لم تحدث إلا حادثة أو إثتين على مدار أكثر من عشرين عامًا، أقصد بإنعدام الأمن فكرة التحرش، والتحرش الذي أقصده ليس التحرش الجنسي، مع إنه موجود، ولكنه التحرش الفكري والتنافس الشديد على هذا التحرش، وسوف أختص بالذكر عربة السيدات أكثر مكان في "مصر"، يُمارس فيه التحرش..
تدخل كل سيدة أو فتاة إلى العربة وهي (منمّرة) على مكان معين، وتقاتل من أجل الجلوس عليه، وتعتبر الجلوس نصرًا ومكسبًا، يقابله من الناحية الأخرى حالة من حالات الغيظ من الأخرى التي لم تجلس لأنها من وجهة نظرها كانت الأولى بهذا المكان، ويبدأ التنافس على الوقوف بجوار الباب المغلق من الناحية الأخرى، إلى أن تُحسم المعركة، وتقف الضحية الأخيرة في المنتصف، تحاول الثبات لأن معظم سيداتنا قصيرات لا يستطعن الوصول (للبتاعة اللي فوق بصراحة مش عارفه اسمها).
بعد ذلك يبدأ النوع الثاني من التحرش، وهو أن تبدأ كل واحدة في فحص الأخرى جيدًا وفحص ملابسها، فإذا كانت السيدة أو الفتاة المتفحصة بمفردها، تقوم بعمل حركات إستهجانية بملامح وجهها، وإذا كانت مع أخرى، تهامسا بأسلوب مفضوح على الأخرى...
ثم يبدأ النوع الثالث: المحجبة تنظر لغير المحجبة، بتعالي، والتي ترتدي الخمار تنظر لهما بتعالٍ هي الأخرى، أما المنقبة فالجميع لديها مصيرهم النار، ونظرة العين تكفي لذلك..
بعد ذلك يبدأ التنافس على القراءة في الكتب الدينية؛ لإظهار إنهن متدينات، هذا بخلاف كارثة الموبايل، فلا توجد سيدة أو فتاة تضع المحمول في الحقيبة، بل يمسكن به في أيدهن للتباهي بموديل الموبايل، ويبدأن في استخدام الوسائط؛ فهذه تتحفنا بأغنية (عاطفية) تناسب حالتها، وتلك تسمع أغنية شهيرة؛ لأنها متابعة آخر موضة في الأغاني، هذا بخلاف التي تقوم بتشغيل القرآن وسط هذا المهرجان، دون مراعاة لقدسية ماتسمع. فلا يصح أن يقرأ وسط هذا الجمع الغفير. فكلام الله أيًا كان الدين يحتاج لإحترام، هذا بخلاف تناول الطعام والمشروبات في المترو، مع أن المترو من أول الخط لآخره لا تستغرق رحلته أكثر من (45) دقيقة على الخطين، ومرة رأيت فتاتين تتناولان وجبتي كنتاكي، دون مراعاة لمشاعر جائعة أو فقيرة، أو طفل بصحبة أمه يصرخ عايز من ده، هذا بخلاف رائحة الكشري والتقلية العجيبة...
المترو غير صديق للبيئة، وهذا ناتج عن الضوضاء من الأصوات الصاخبة التاجة عن التحرش الفكري بالموبايل، وناتج أيضًا عن الفضلات التي تُلقى بمنتهى الأريحية في العربة أو من النوافذ، فصاحبتي وجبة الكنتاكي ألقتا بالفارغ من شباك المترو، على الخرابة اللي جنبهم، عفوا على قضبان المترو، هذا بخلاف المناديل، وأكياس الشيبسي، وعلب الكانز...
الطامة الكبرى في أبواب النزول والصعود، فالمترو قد خصص بابين للنزول، وبابين للصعود، وينوهوا عن هذا بالملصقات، وبالإعلان في المايكروفونات. ولكن لا حياة لمن تنادي، هو أنا لسه هامشي ما أنزل من هنا وخلاص..
أشعر أن عربة السيدات قد أصبحت باسطة السلم التي تقف عليها الجارات، للكلام أثناء وضع كيس القمامة بجوار باب المنزل، والتعييب على الجارات، والسكان..
فلقد انتقلت سلوكيات الرحرحة من البيت إلى عربة المترو..
اقترح صديق لي، خفيف الدم فعلاً، أن يعينوا على كل باب مترو رجل لكل العربات، وسيدة في عربة السيدات جوار كل باب، إذا صعد فرد من باب النزول يأخذ المخطيء بالقفا فورًا، كعقوبة فورية، بدلاً من تطبيق الغرامة العشرة جنيهات، وأن تُذاع في الإذاعة الداخلية للمترو أغنية "آه يا قفا"؛ للتذكير بالعقوبة الفورية..وسلم لي على المترو..