بقلم :د.راجى شوقى ميخائيل
إحتدم الجدال  حول موضوع الطلاق عند الأقباط وتصاعدت الأحداث  مع صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة بإصدار تصريح زواج لأحد المواطنين، وسنركز هنا على البحث فى إيجاد مخارج لحل هذه المشكلة  بما يرضى جميع الأطراف  وقضية الطلاق  تنطوى على أبعاد دينية وقانونية و إجتماعية وطبية ، ولذلك فهى تستلزم مشاركة علماء الدين وخبراء القانون والطب ، وهى بمثابة قضية مكتوبة فى ألف ورقة ،يجب قراءتها جميعا دون إغفال ورقة واحدة مع الحذر من التبسيط المخل ، ولو تم ذلك سيصبح حل المشكلة سهلاً وميسوراً .

ولابد  من تحديد طبيعة المشكلة فهى مشكلة قانونية  ناتجة من تصادم المعايير القانونية و الفلسفة التشريعية والقضائية  لدى الدولة والكنيسة فى لحظة تاريخية محددة ولم يفلح الحوار فى السنوات السابقة فى حل هذه المعضلة ، لكن هذه ليست نهاية المطاف. والزواج عند المسيحيين  رباط قانونى وإجتماعى ودينى وهو  مكون من شقين أحدهما مدنى والآخر دينى والكاهن المسيحى يقوم بتحرير وثيقتين أو عقدين للزيجة الواحدة إحداهما وثيقة العقد القانونى الصادر من الدولة والتى يتسلمها من وزارة العدل مختومة بختم النسر ويعيد تسليمها إليها والأخرى وثيقة  دينية صادرة من الكنيسة مختومة بختم البطريركية أو الأسقفية ويتم توقيع الزوجين على عدة نسخ من كل عقد ، ولقد  ظهرت فى القرن الأخير مدرستان فكريتان أو فقهيتان  المدرسة الأولى  تمثلت فى المجلس الملى  الذى أصدر لائحة 1938.

أما المدرسة الثانية فتتمثل  فى حركة مدارس الأحد والتى تم التعبير عنها فى قرار قداسة البابا شنودة الثالث فى 1971 ومن أهم الموضوعات  الواجب دراستها حلقات  البرنامجين التلفزيونيين " جوه البيوت" و" بيت على الصخر" اللذين  تقدمهما منذ أكثر من سنتين  القناتان الفضائيتان التابعتان للكنيسة القبطية (أغابى وسى تى فى) ويتم فيهما عرض مشاكل واقعية  مع عقد لقاءات مع رئيس المجلس الإكليريكى( القضائى) للكنيسة نيافة الأنبا بولا  والملاحظ فيها  أنه إذا إقتنع رئيس المجلس بإستحقاق الشخص للحصول على تصريح زواج طبقاً للمعايير المسيحية فإنه يبحث عن تسويغ قانونى بمعايير المحاكم المدنية لإعطاء تصريح .. ونظراً لضيق المساحة فإننا ننتقل إلى عرض مخارج الحل وهى
مايلى:


1- أتمنى أن  تتيح الدولة  وبشكل عاجل نظام الزواج المدنى  بين المسيحيين لمن يريد منهم ، لأن الزواج  حق دستورى أصيل والدولة ولاسيما الدولة المدنية  هى المسئول الأول عن توفيره للمواطن و نكوصها عن ذلك أو قيامها بتسليم صلاحياتها فى ذلك  إلى المؤسسة الدينية حصرياً بمعنى قصر هذه الصلاحية على المؤسسة الدينية ينطوى على إخلال بالدستور  ومن واجب الدولة  تحديد صلاحيات المؤسسة الدينية وقصرها على الرعاية الدينية  وعدم إمتداد سلطتها لنوع من الولاية أو القوامة والإستحواز على سلطات قانونية تمس الحقوق الأساسية للأفراد  فعقد الزواج هو وثيقة رسمية مملوكة للدولة ومن واجبها  إتاحتها للمواطن بكل حرية  دون  تركها تحت إمرة أى  مؤسسة دينية  قد تختلف معاييرها الخاصة  عن الدولة أو عن مواثيق حقوق الإنسان.

وقد تتبدل هذه المعايير من عصر لآخر مثل سماح عدد من البطاركة  بالزواج من شقيقة الزوجة المتوفاة ورفض آخرين لهذا، والكنيسة القبطية توقف عقد الزواج طيلة أيام الصوم التى تمتد لأكثر من نصف أيام السنة وهذا لا يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان أو مع المادتين 8   من الدستورالتى تكلف الدولة بأن تكفل تكافؤ الفرص بين المواطنين وكذلك مع المادة  40 وإننا نجد القبطى الميسور بإمكانه أن  يسافر ويتمم زواجه الثانى بالخارج بينما يعجز  الفقير عن ذلك .وفى دولة مدنية مثل فرنسا يتم إجراء العقد المدنى فى البلدية أولاً ثم يذهب العروسان إذا أرادا إلى دار العبادة لإتمام الطقس الدينى وإسباغ الصفة الدينية على الرابطة الزوجية.وفى فرنسا تتيح  الدولة إمكانية الزواج المدنى لرجل مسلم طلق زوجته ثلاث مرات ولا تشترط مرور شهور العدة للنساء  والعياذ بالله ولكن لا يجوز أن تأمر الدولة  الفرنسية مأذوناً مسلماً بإجراء مثل هذا الزواج لأن معايير هذا المأذون ومعتقداته تأبى ذلك.والزواج المدنى يريح الكنيسة و الدولة  من المشاكل الحالية ويكرس سيادة القانون  وهيبته. وإننى أتصور أن يقوم أحد المحامين برفع دعوى يطالب فيها بإلزام الدولة بإتاحة الزواج المدنى وإنهاء إحتكار المؤسسة الدينية لسلطة إتمام الزواج وسيكفل هذا تلقائياً إحترام حقوق المؤسسة الدينية  فى الولاية والقوامة على عملها الدينى وإختصاصها  بتحديد شروط إقامة الطقوس الدينية وتحرير عقد الزواج الدينى دون إملاء من أحد، ملتزمة بمبادئ الإنجيل مثل المعرفة والحكمة والشركة والمشورة.

2-أتمنى أن تقوم الكنيسة  القبطية وكافة الطوائف بتشكيل لجان إستشارية من خبراء القانون لدراسة الجوانب القانونية والطبية للموضوع عموما وبخاصة الحلقات التلفزيونية المشار إليها وذلك لأسباب  عديدة منها ضرورة توحيد الأحكام  وإتصافها بالعموميةو التجرد حيث  قد يحدث إختلاف بين أحكام  رجال الدين فى محافظات  مختلفة فمثلاً  قيل مرة أن فرصة الإستفادة من الحكم ببطلان الزواج متاحة فى السنة الأولى فقط بينما قيل فى حلقة أخرى أنه يمكن إتاحتها بعد مرور عدة سنوات إذا كان مجوع شهور المعيشة المتقطعة أقل من سنة ، ومسألة إثبات حدوث المرض النفسى قبل الزواج فيها أكثر من رأى و هذه الأمور  تتعلق بالأبعاد القانونية والطبية للقضايا ولا علاقة لها بجوهر العقيدة.
 
ونتمنى أن  تعيد هذه اللجنة التحقيق  فى بعض القضايا التى أثارت  نزاعاً قضائياً   لأنه فى إحدى البرامج ذكر الأسقف أن الرئيس السابق للمجلس الإكليريكى كان قد رفض التصريح بالزواج الثانى لإحدى السيدات بالمهجر ، ولما أعاد الرئيس الحالى فحص القضية وجد أنه يمكن إعطاؤها تصريح. كذلك يرجى أن تدرس اللجنة كيفية إزالة التعارض مع المحاكم المدنية وكذلك مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم لمجلس الشعب و تقوم بتنشيط المطالبة بإقراره ، مع إعادة  عرضه على  رجال الدين وخبراء القانون للإستفادة من أى ملاحظات جديدة لديهم من واقع مجريات الأعوام الفائتة والبرنامج التلفزيونى المشار إليه والملئ بما يستدعى المناقشة القانونية.