بقلم: جرجس بشرى
المُتابع والمحلل لما يحدث لأقباط مصر عقب حدوث أي حادث عنف طائفي ضدهم، يُدرك على الفور أن الحكومة المصرية وخاصة جهازها الأمني تلجأ إلى فرض ما يُسمى بــ "جلسات الصُلح الُعُرفي" في معظم هذه الحوادث.
ومن يسرد ما يجرى لأقباط "مصر" المُضارين في أعمال العنف الطائفي في هذه الجلسات، تتملكه الحيرة والدهشة والعجب (في آن واحد)؛ بسبب المهازل والإهانات والمذلة التي تقع على الأقباط في هذه الجلسات.
فهذه الجلسات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على تنحية القانون جانبًا؛ حتى لا يطبق على الجناة المعتدين على الأقباط، وبمعنى أدق وأشمل يمكن القول بأن هذه الجلسات المتسترة والمتخفية تحت ما يسمى بـ"جلسات الصلح"، ما هي الإ وسيلة تتبعها الحكومة المصرية لإفلات الجناة من العقاب، وتحصينهم ضد المُساءلة.
كما أن هذه الجلسات تعتبر بمثابة أداة من أدوات الضغط غير المباشر لإجبار الأقباط على التخلي عن حقهم القانوني في التقاضي، رغم أنه حق مكفول بالقانون، والدستور، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان!
ومن خلال متابعتي لما يجرى للأقباط في هذه الجلسات، أستطيع أن أجزم بأن تعبير "جلسات الصلح العرفي" لا يصح- مطلقاً- أن يُطلق على هذه الجلسات؛ لأنه مفروض في هذه الجلسات- إن كانت بالفعل جلسات للصلح- أن يأخذ المجني عليه بشكل عام حقوقه، وأن يسترد كرامته المهدرة، وحقوقه المسلوبة، مع تغليظ العقوبة على الجاني ــ أيا كانت ديانته ــ في حالة إذا ما تعرض للمجني عليه مرة أخرى.
ومما يدلل على صدق كلامي هذا، إنه في إحدى جلسات الصلح بمركز "مطاي" بـ"المنيا"، وخاصةً في حادث إطلاق النيران على شاب قبطي بقرية "منبال"، تمت ضغوط هائلة على أسرة المجني عليه للتصالح، وفي الجلسة تم تغريم شخص مسيحي بغرامة 10000 جنيه (عشرة آلاف جنيه) لمجرد إنه تحدث وأدلى برأيه لوسائل الإعلام عن الحادث!!! ( تخيلوا ؟)، والأخطر من ذلك كله إنه في حادث اختفاء فتاة عزبة "فانوس" بـ"سمالوط" بـ"المنيا" أكدت الفتاة ووالدها إنه تم عقد جلسة صلح بحضور شيخ البلدة، وبعض الأقباط والمسلمين، حيث تم الإتفاق في الجلسة على أن يترك والد الفتاة وأسرته البلدة بالقوة!!
فهل هذه جلسة صلح؟! هل في جلسات الصلح يجب أن يُعاقَب الطرف الضعيف، ويُجبر على ترك قريته بالقوة؟! أليست هذه محاولة لتهجير الأسرة القبطية تهجيرًا قسريًا؟ ومعروف أن جريمة التهجير القسري جريمة من الجرائم ضد الإنسانية، والتى لا تسقط أبدًا بالتقادم؟!!
كما لوحظ في بعض جلسات الصلح قيام بعض الأقباط الميسورين ماديًا بدفع تعويضات للأقباط الذين حُرقت ودُمرت ممتلكاتهم من جيبهم الخاص!! ( مع أن الدولة نفسها ملزمة قانونًا بتقديم تعويضات لهؤلاء المتضررين).
ومن هنا، فإنني أطالب النشطاء الحقوقيين، والمهمومين بالقضية القبطية، أن يعيدوا النظر في إطلاق مصطلح "جلسات الصلح العرفي" على هذه الجلسات؛ لأن الواقع يؤكد على أن هذه الجلسات لم ولن تكون يومًا جلسات تُمكّن المجني عليهم من الأقباط من الحصول على حقوقهم أو استرداد كرامتهم، بل كانت- وما زالت- جلسات للضغط والإذلال والإذعان؛ بهدف إفلات المجرم من العقاب.
إنني أطالب الحكومة المصرية بأن تحتكم إلى سلطة القانون في حوادث العنف الطائفي، بدلاً من اللجوء إلى جلسات الإذلال هذه، بحيث يُطبّق القانون بعدل على الجناة- أيًا كانت دياناتهم ومعتقداتهم. فهذه الجلسات كانت- وما زالت- أحد الأسباب الجوهرية لتكرار حوادث العنف الطائفي ضد الأقباط ودور عبادتهم، وأؤكد أن استمرار إتباع هذه السياسة سيكون نذير شؤم على مستقبل "مصر"، ووحدة المصريين!