بقلم: هند مختار
يارب يارب.. نجحني السنة دي وأنا هصوم وأصلي العمر كله، يارب أعدي من الرياضة 2 وأنا هموِّت نفسي في المذاكرة ومش هذاكر إلا رياضات، يارب أنا عايزة نمرتين وأعدي من الفرنساوي وبعد كده هحرّم أتفرج على "ميلودي ومزيكا وروتانا سينما"، طب ده أنا هقاطع الدش خالص..
في كل بيوتنا في مثل هذا العام تحدث مهزلة التعليم الكبرى، ومهرجان المجاميع، وترتفع الأيدي تضرعًا لله لكي يعبر أبناؤنا من الحرب الضروس المسماة الامتحانات..
فلقد أصبح التعليم عبء في جميع مراحله، فحتى طلاب الابتدائي والنقل أصبحت الامتحانات لديهم عفريت الليل أبو سبع رجلين!!
من بداية شهر "أغسطس" وحتى شهر "يونيو" السرك منصوب؛ فالمدرسون يقيمون في منازل الطلبة أكثر مما يقيمون في منازلهم، الأمهات في حيرة من أمرهن، ماذا يقدمن للمدرس ده بيحب القهوة بن غامق، وده بيحبها من غير وش، أما مستر فلان بيحب الجاتوه أبو شيكولاته، والأب في حيرة من أمره ما بين سلفه على المعاش وجمعية واتنين، ومقاطعة السيارة لتوفير ثمن البنزين للسيد المدرس المحترم..
أما الأبناء فهم في حالة ذهول، فمطلوب منهم أن يتحولوا لآلة ليس لها دور في الحياة إلا الصم، فالرياضة تضييع وقت، والتليفزيون مالهوش لازمة، وبدل ما تقعد تقرا في قصة ولا رواية وفر عينيك للمذاكرة؛ (يالهوي.. يعني ينجح وبعد كده يعمى مش مشكلة).
وأنتِ بتستحمي في نص ساعة!! ما توفري الوقت وخليه للمذاكرة، ودائمًا يرن في أذنه صوت والديه: "لازم تجيب مجموع كبير وتدخل كليه أحسن من ابن خالتك أو بنت عمتك، هما مش أحسن منك".
أنا أخذت قرار بأني لن أتزوج وإذا تزوجت لن أنجب، ولماذا أنجب للحياة إنسان مشوه نفسيًا من جراء التعليم في بلادنا؛ فأولادنا لا يتعلموا في المدرسة علوم الحياة وفنونها، بل يتعلموا الرعب والخوف، فالويل له إن نسي معلومة؛ تجد خرزانة المدرس على جسده مع تلك المقولة الخايبة: (نسيت تاكل نسيت تشرب)؟!!
يخاف أبناؤنا من الخزي الذي سوف يلحق بهم إذا دخلوا كلية نظرية؛ لأن البكالوريوس أشيك من الليسانس، مااعرفش إزاي يعني؟ يخاف الإبن من زعل الأب أو الأم في حالة إذا كان مجموعه عادي، فلقد حمّلوه مسؤلية أن يكون مفخرة العائلة.
نحن نعلم أبناءنا فنون الحرمان من متع الحياة، ونعلمهم أن العمل لعنة، وأن الالتزام لعنة، فكل ماله علاقة بالترفيه محرم لأنه في ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية عامة!!
نعلمه ألا يختار بل أن يختار له الآخرون، فقد يرغب في نوع دراسي معين؛ دبلوم تجارة أو صنايع، ولكن لأ.. ده تعليم متوسط مش من مقامنا، انت مش شايف قرايبك؟ نعلمه الطبقية.
الكارثة الأكيدة أنه يتخرج بعد كل هذه الحرب النفسية جاهلاً تمامًا، كاره للقراءة لأنه ماصدق خلص من كتب المذاكرة، إيه اللي يخليه يقرا كتب تاني؟؟
هل تريدون معرفة ما فعله التعليم في مصر بأبنائنا، افتحوا صفحات "الفيس البوك" لأي شاب؛ تجد (واللهِ) ما كتبه: "أنت" للمذكر "أنتا" أو "أنته"، و"أنتِ" بالكسرة للمؤنث "إنتي"، تجدون كلمات مثل "نؤطة"- "نقطة"، تجدون الخزعبلات في صفحاتهم، والمشكلة أنهم يصدقوها!!
دائمًا نتحدث عن نظرية المؤامرة المُحاكه ضدنا من الآخر، ونحن مَن نحيكها لأنفسنا، فالمناهج صدقوني سهلة وبسيطة، ولو تفحصناها سوف نجدها عادية للغاية، وليس من المهم يا أبي ويا أمي شكلكما الاجتماعي، لكن المهم ما أرغبه أنا لكي أنجح؛ فحينما أنجح سوف يتحسن شكلكما الاجتماعي بالتأكيد..
أريد اليوم الذي يأتي فيه شهر "يونيو" ولا أحلم بالكابوس الذي يطاردني.. "أني ذاهبة لأداء "إنتحان" الثانوية العامة وأمامي الورقة، ولكني لا أستطع الإجابة لأني نسيت أن أفتح كتاب الجغرافيا.. لأستيقظ وأقول لنفسي: إصحي.. إنتِ معاكي ليسانس حقوق، هو صحيح ليسانس.. لكن مش مهم.. أهو عديتي وخلاص.