بقلم: ميخائيل حليم 
 الفساد تفشّى فى المجتمع لدرجة أننا نتسابق على المستوى العالمى لننال أعلى معدلاته، فى حين الحصول على درجة صفر فى تقيم التعليم فى الجامعات المصرية، أو فى استضافة مونديال 2010، وهى النتيجة التى أحبطت الشعب المصرى لأنها بمثابة تقيم شامل لمصر على المستوى العالمى. ودائمًا نجد الفساد هو المتهم الأول فى أى جريمة تؤذى وتضر بالمجتمع المصرى.

 ويرى البعض أن سوء الحالة الإقتصادية هى سبب انتشار الفساد؛ لأن الأجور لا تكفى احتياجات المعيشة، فيلجأ كل موظف فى مجال عمله إلى الحصول على المال بشكل أو بآخر لسد متطلباته.

 ويرى البعض الآخر، أن الحالة السياسية هى الموجِّه الرئيسى؛  لأن النظام الديمقراطى الحقيقى، يضفى مناخًا سياسيًا ناضجًا ومستقرًا، مما يسمح بوضع استراتيجيات بعيدة الأجل  فى جميع القطاعات، والعمل على تحقيقها، مع مقدرته على احتواء المشاكل الطائفية، أو مشكلة الزيادة السكانية، أو قلة الموارد،  مما يؤدى إلى النهوض بالإقتصاد القومى، ورفع مستوى متوسط  دخل الفرد ليحيا حياة كريمة؛ فينتج فى عمله، ويكتفى براتبه،  دون اللجوء لطرق بديلة غير مشروعة.

عدم انتماء، وانحلال أخلاقى، وتدين شكلى وظاهري
أحدث التقارير الدولية عن الفساد، أكدت  أنه قد وصل إلى وزراء وبرلمانيين. بالطبع هذا خلاف تقارير الفساد السياسى:  من قمع سياسي، وتزوير الإنتخابات التى قد تصل إلى أعلى القيادات، بالإضافة إلى المسئولين الكبار، ورجال الأعمال الذين يقومون بتهريب الآثار، والإتجار فى المخدرات، واستيراد مواد غذائية شبه فاسدة، أو استيراد سماد زراعى غير مطابق للمواصفات.

 ولا يمكن أن يكون هذا النوع من الفساد ناجم عن احتياج لزيادة الدخل لسد متطلبات المعيشة، ولكن الهدف هو تكوين ثروة كبيرة قد تصل إلى المليارات فى أقل وقت ممكن- حتى لو كان الثمن هو صحة المواطن أو نقص دخله- وقد تحول الإنتماء للوطن،  والدفاع عن مصالحه إلى مجرد بعض الكلمات، والأغانى الوطنية، والشعارات الصادرة عن تحريك الشفاة، وليس لها ترجمة حقيقية فعّالة فى حياتنا.

والأغرب من هذا، أنه بالرغم من موجة الإنحلال الأخلاقى،  والإنهيار القيمى التى تنتشر فى المجتع فى هذه الأيام، وتزداد بشكل مستمر، إلا أنه يقابلها حالة من التدين الشكلى الظاهرى التى تنحصر فى شكل الملبس، وأداء الفروض، والآراء المتشددة،  وفى الباطن استحلال لأى شىء، ولا مانع من استخدام الدين كوسيلة للتربح، وهذا خلاف حالة الخوف واليأس التى ترواغ كل من حاول أو فكّر فى خطوات جادة للتغير والإصلاح.

أنانية، وعدم شعور بالأمان، وضمير مُغيَّب
كأننا جميعًا متواجدين داخل مركب معرضة للغرق إذا أهملنا مشكلة فنية بها ومقدفناش بشكل جيد، وتلاقى اللى بيقول أهرب بسرعة وأنقذ نفسى، والمركب تغرق مش مهم. فتلاقى كل واحد معاه كام بليون يقوم بإيداعهم فى أحد البنوك خارج مصر، وهذا خلاف أصحاب القروض الكبيرة المهرّبة، حتى المسئولين الكبار بيخافوا على أموالهم، وبيطلعوها خارج البلد..لماذا الكل خائف؟

 إذًا فماذا يحدث لو لم تخرج هذه الأموال خارج "مصر"؟ ألم تسهم فى إنشاء مشروعات وإستثمارات كبيرة  تدفع بعجلة التنمية لتأتى بعائد يعم على الشعب كله، وتعمل على توفير فرص العمل للشباب، والتى  تمثّل أكبر مشكلة فى الوقت الحالي.


وكما أننا ندفع ثمن سياسة آبائنا وأجداننا،  لو كان قلبهم على البلد ومنهبوش خيرها وطلعوه لغيرنا، واستثمروه، واتعلموا يبنوا، ويزرعوا، ويصنعوا، ويخططوا، ويديروا كل شىء صح،  كانوا سلموا لينا البلد حاجة ثانية، وإحنا كنا نكمل المشوار اللى بدأوه علشان نخليها من أفضل دول العالم، هم  أخطأوا  ومحكموش ضمائرهم، واحنا بنكرر نفس الغلطة، ومش بنعمل لمستقبل أولادنا.

ماذا سوف يحدث لو استثمرنا مواردنا بالشكل الأمثل، وتم إدارة كل القطاعات بشكل جيد، وعمل خطط  بعيدة المدى، وحكّمنا ضمائرنا فى كل سلوك، وفى كل عمل، وتنازلنا عن أنانيتنا وبإرادة حقيقية خالية من الزيف والرياء؟
 أليس من الممكن أن يتم  تسجيل اسم "مصر" ضمن قائمة الدول التى لها تأثير فى ميزان القوى العالمى؟!! ماذا ينقصنا؟ وإلى ماذا نحتاج؟
فقط إلى صحوة ضمير جماعي- حكومةً وشعبًا- وإرادة قوية،  وعمل  دؤوب لنبنى بلدنا "مصر"، حقًا إنها أزمة ضمير.