بقلم: عزت عزيز
أنت مدمن إنترنت!! هذا الكلام تم توجيهه لي كثيرًا من أصدقائي، وكان لهم الحق في ذلك، حيث أنني كنت أقضي ثماني ساعات تقريبًا يوميًا على "الشبكة العنكبوتية"، ولكن كانت هذه الساعات بمثابة غوصي في بحر من المعلومات والأخبار، ولما تكرر هذا الكلام الموجه لي قلت في داخلي: "هل أنا بالفعل مدمن كومبيونت"؟ هذا بالرغم من اقتناعي الشديد بصحة كلامهم!!
إلا أنني صممت أن أثبت لهم -ولنفسي أيضًا- أنني قادر على التحدي؛ أو لنقل "العلاج من هذا الأدمان"!!
وبالفعل.. قلت سوف أقاطع الكومبيونت -الكومبيوتر والإنترنت معـًا- ولمدة أربعين يومًا، وسنرى.. هنقدر أم لا؟ وبالفعل بدأت هذا المشوار الصعب جدًا على شخصي، ولم أتناول أي أدوية لذلك، بل تجرعت بعض من حبوب التحدي وأمبولات الصبر وبلسم الراحة وقلت: لنريح العين من البحلقة -التركيز في الرؤية- على شاشة الكومبيونت، ونريح الظهر من التقوس والإنحناء، ونعالج القدمين من النقرس من كثرة الجلوس دون حركة.
وقلت أيضًا نريح القراء من كتاباتنا ونعطي لنفسنا فرصة للتوبة من انتقادنا للسلطة الحاكمة الفاسدة، حيث كنت أصفها بالعنصرية والجهل، هذا بالرغم من أنني ما زلت أؤمن وأؤكد هذا الفكر..
وأصارحكم أنني خلال فترة الأربعين يومًا الماضية افتقدتكم كثيرًا، وهناك البعض من أصدقائي اتصل بي، وسأل عن سبب انقطاع كتاباتي، وكنت أردد دائمًا أن السبب هو انشغالي الشديد في أعمال أخرى وبعض السفريات.
وما أقصده من حديثي هذا أن يُجرب غيري مدى قوة عزيمة الفرد في أن يقاطع الكثير من الأشياء، وبالأخص الضار منها؛ طالما أن هناك إيمان قوي داخلي بأنه قادر على ذلك.
وصدقوني.. لقد أصبح إدمان الإنترنت أكثر سيطرة من إدمان السجائر وبعض المكيفات الأخرى، وقد يكون هذا الكلام غير صحيح مائة بالمائة، حيث أنني لم أجرب أي من هذه المكيفات، ولكن الذي أسمعه أن هناك العديد من الشباب والأطفال يقضون الليل بطوله مبحرين وعائمين داخل الشبكة العنكبوتية، وانقطعوا عن الطعام حتى تحول ليلهم نهارًا ونهارهم ليلاً، وسبّب لهم الكثير من الإنعزالية والتعب الجسماني والعقلي أيضًا.
حيث التعامل مع هذا الجهاز العجيب جعلهم يتخيلونه كمخلوق عاقل ناطق يتجاوب معهم ويحاكيهم، وفجاةً يفيقون من غفوتهم وينامون ولا ينام عقلهم الباطن، بل يستمر في العمل والنشاط مما يجعل الشخص لا ينام نومًا طبيعيًا ويقل تركيزه بصورة واضحة، وقد يكون هذا الرأي شخصي أكثر منه علمي بحثي.
نعم نجحت في أن أعالج نفسي من إدمان "الكومبيونت"، وهذا يفرحني كثيرًا ويعطيني ثقة أكثر في نفسي؛ لعزيمتي القوية وقوة صبري وتحملي للهفة الشوق لكم.
وها أنا أدعوكم لتكرار تجربتي، وثقوا أنكم تقدرون بعزيمتكم وقوتكم وقناعتكم.. ولكن هناك تساؤل يدور في أذهان قرائي.. آلا وهو: كيف كانت حياتي أثناء علاجي من الإدمان الكومبيونتي؟
العلاج هو القراءة.. القراءة.. القراءة؛ نعم، لقد استطعت أن أقرأ العديد من الكتب التي كنت قد اشتريتها وملأت بها أرفف مكتبتي، وكان الكمبيونت يقف حائلاً بيني وبينها، هذا بجانب أنني أحسست أن عيني قد تأثرت كثيرًا بهذا الكم من الساعات التي أقضيها منحنيًا أمام الشاشة.
وقبولي هذا التحدي جعلني أعطي لأسرتي الصغيرة وقتـًا أطول، وقلل من حدة المناقشة أو الحديث مع أي فرد منهم؛ لأنني مقتنع تمامًا أن إدماني السابق للكمبيونت كان سببًا في الكثير من التوتر والقلق، مما انعكس على علاقتي بكل مَن حولي.
وعليه.. ها أنا أعطي زمام المبادرة لمَن يحس أنه وصل لمرحلة كنت قد وصلت إليها من قبل، في أن لا يبخل على نفسه بمحاولة الانتصار على إدمان الكومبيوتر والإنترنت.. وكما يقول كتابنا المقدس: "حاكم نفسه خير من حاكم مدينة".