تحقيق: نيفين جرجس- خاص الأقباط متحدون
ثورة يوليو لها مؤيدوها ولها أيضـًا مناهضوها، ولكنها في النهاية لها بصمات واضحة على مصر والمصريين والمنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم كله.
فثورة يوليو أعادت حكم مصر إلى أبناءها؛ فمنذ الفراعنه وحتى آخر ملوك أسرة "محمد علي" لم يحكم مصر مصري خالص، أيضًا الثورة أقامت عدالة إجتماعية لم تشهدها مصر منذ بدايتها وحتى بداية السبعينيات، اختلفت الآراء كثيرًا حول الثورة وأيضاً اختلفت النظرة للثورة في تعاملها مع الأقباط، وبعد 58 سنة من قيام الثورة.. كيف يرى المفكرون ما حدث فجر 23 يوليو 1952م؟؟
قل حركة الجيش ولاتقل ثورة يوليو
يقول "أشرف راضي" -الناشط والمحلل السياسي- بداية يجب ان نستخدم تعبيرًا محايدًا وهو "حركة الجيش 23 يوليو 1952"؛ لأن الثورة جاءت في ظل تدهور شديد في الأوضاع الاجتماعية في مصر، وهذا التدهور أدى إلى إنعكاس في علاقة الأقباط والمسلمين.
ويضيف.. في سنة 1951، وبعد عقود كثيرة حدث توتر طائفي متمثل في حرق كنيسة بالسويس، كان هذا الحادث دافعـًا للمثقفين والدارسين لعلم النفس للوقوف عند دلالات معينة كانت في تطور خطير، وهذا التطور لم يكن منفصل عن الأوضاع الاجتماعية في مصر، ولا عن صعود تيارات سياسية متطرفة سواء إسلامية أو قومية، وهذه التيارات هي التي شكلَت الدعم السياسي والتجنيد للمناصب من قِبل قيادة حركة الجيش، وبالتالي من الطبيعي أن تتأثر رؤية حركة قيادة الجيش، ومعظمهم كانت لهم صلة أساسية وقديمة لجماعة الإخوان المسلمين برؤية هذه المجتمعات لغير المسلمين.
صحيح أن فترة الأعوام العشرين الأولى من قيادة الضباط لم تشهد أحداثـًا طائفية، إلا أن ذلك يمكن تفسيره في ضوء القمع العام الذي يُمارس ضد المصريين، ولم يكن مسموحـًا لأحد أن يعبر -قولاً أو فعلاً- عما يراه من مواقف واتجاهات، وذلك لا ينفي بأن هناك مستوى من العنف اللفظي الذي يأتي من خلال صياغة تصورات بعض القيادات بالبُعد المتعلق بالهوية الإسلامية للبلاد، لكن يجب ملاحظة أنه على مدى عشرين عام لم تقع
أحداث عنف كثيرة.
ويوضح أنه شاهد أول موجة كبيرة لهجرة الأقباط من مصر، والذين أٌسقطت الجنسية المصرية لكثير منهم، وفي تقديري هذا شكل من أشكال العنف للأقباط، وأن المشكلة الأساسية عندما نأتي مع الموجة الثانية والأحداث الطائفية في أحداث الخانكة عام 1972، بينما نتعامل معها بأنها حدث بلا تراكمات، وتتلخص المسألة في أن القيادة السياسية -مُمثلة في شخص الرئيس "السادات"- أو القيادة الدينية الكنسية -مُمثلة في شخص "البابا شنودة"- مسؤولة عن هذه الأحداث، إلا أن وضع الحوادث الطائفية في سياق أوسع في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين يُسلط الضوء على النظام السياسي بعد عام 1952 كنظام نقيض لما كان سائدًا قبله، وبعد تراجع القوة الرابطة المصرية كإطار وطني، بغض النظر عن الديانة والقومية؛ أدى إلى هذه الحالة من العلاقات المتوترة بين فئات الشعب الواحد.
ثورة يوليو وضعت مصر على خريطة التقدم
أما "أميـن إسكندر" -رئيس حزب الكرامة- فيقول إن ثورة يوليو وضعت مصر على خريطة التقدم، وشهدت تطورًا في الإصلاح الزراعي والبحث العلمي والتعليم في قلب أمتها العربية، وكانت قيادية ودعمت حركات التحرر وإعلان التحدي للإستعمار، وعمل كتلة اشتراكية، وأسست منظمة دول عدم الانحياز، وإتبعت نظام الحياد الإيجابي، وكان لها ثقل دولي.
فقبل ثورة يوليو كانت الأحوال سيئة، وقام "عبد الناصر" بتوزيع أراضي على المصريين مما أدى إلى حدوث تطور ضخم وهائل في مواجهة الاستعمار.
وبالنسبة للأقباط يقول: لم تحدث تعديلات على الدستور المصري، إلا أنه استطاع -عبر التنسيق- أن يتساوى الجميع بعيدًا عن القبطي أو المسلم؛ فأصبحت هنا مساواة حقيقية في جذور المشكلة أيـًا كانت الديانة؛ فكان الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" تربطه علاقة قوية بالبابا "كيرلس السادس" بطريرك الكرازة المرقسية آنذاك، والذي ساهم في بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية؛ فكان الرئيس دائمًا في بداية خطابه يبدأ بعبارة: "أيها الإخوة المواطنون".
ومن خلال التنظيم الطليعي في الاشتراكية كانت هناك مجموعة لحل المشكلات الخاصة بالأقباط؛ منهم "رشدي سعيد، ميلاد حنا، وليم سليمان قلادة"، وأيضًا في عهده لا نستطيع أن نرصد حادث فتنة طائفية، حتى أن "حزب الوفد" كان قائمًا على وحدة عنصري الأمة؛ أقباطـًا ومسلمين، أما رؤية "عبد الناصر" فهو كان يتعامل على أن الكل مواطنون وليسوا أقباطـًا ومسلمين.
الثورة حققت العدالة الإجتماعية
ويرى "جورج إسحق"-منسق حركة كفاية سابقـًا- أن مصر بعد الثورة حققت العدالة الاجتماعية، والأقباط كانوا على درجة عالية من الترابط، ولم يكن هناك أي تمييز، وكان كل المصريين منخرطين في المشروع القومي، ولم نشعر بأي تفرقة، و"عبد الناصر" كان يرتب لقاءًا أسبوعيـًا بين أحد قيادات الدولة والبطريرك، وكان دائمًا هناك وزير أو وزيرين أقباطـًا؛ منهم "كمال رمزي أستينو"، و"كمال هنري أبادير" وغيرهم.