بقلم: مجدي ملاك
العمل الإجتماعي والأهلي واحد من أهم ما يميز المجتمعات، فلا يمكن لدولة أن تتقدم دون أن يكون للعمل الأهلي دور كبير في معالجة العديد من المشكلات الإجتماعية والإقتصادية التي تواجه المجتمع، وما أكثرها في المجتمع المصري الذي يفتقد للعديد من الخدمات التي تعجز الدولة عن تلبيتها إما لنقص الموارد التي يتمتع بها المجتمع أو لضعف البنية المؤسسية التي لا تسمح بتواجد عدد كبير من الخدمات داخل الجهات خاصة الجهات المحرومة والنائية التي لا تعطيها الدولة أي اهتمام، وهناك العديد من مؤسسات المجتمع الأهلي التي لعبت دور كبير في تنمية المجتمع على كافة الأصعدة.
واتسمت بعض من تلك الجمعيات الأهلية أن بعضها كان مؤسيسيها ينتمون لدين معين وبناء عليه اتخذ اسمها بعض الدلالات المسيحية، ولكنها تعمل وفق قانون العمل الأهلي المصري وتخدم كافة فئاته دون أدنى تمييز بين مختلف فئاته، ومن ضمن تلك الجمعيات الهيئة الإنجلية للخدمات الإجتماعية، وجمعية كاريتاس، وهم من أقوى جمعيات العمل الأهلي على الإطلاق في مصر، حتى أن بعض المؤسسات الأهلية الأخرى تطلب في كثير من الأحيان المساعدة من تلك الجمعيات نتيجة ضخامة علاقتها وقدراتها التنظيمية، وفي نفس الوقت الذي تخضع فيه تلك الجمعيات لإشراف الوزارات المصرية إلا أنه من حين لآخر يتعمد العديد من الأفراد توجيه اتهام لتلك الجمعيات بأنها تمارس دور تبشيري من خلف الأسوار، وأنها تستغل حاجة المجتمع المصري وفقره من أجل تقديم إغراءات للفقراء لتحويل دينهم.

والخطير هنا ليس فقط في الإتهام الذي لا يمت بأي أساس من الصحة ولكن يتمثل في إهدار المجهودات التي تقوم بها تلك الجمعيات لمحاولة إغلاقها على الرغم من أنها تخدم الملايين، وهو رقم حقيقي على مدار السنوات المختلفة، وإذا كان الأمر سيقاس بهذا المنطق المغلوط، فكان بالأولى أن نتهم الأم إيمانويل التي خدمت منطقة الزبلايين وأفنت عمرها كله في خدمتهم بأنها كانت هي الأخرى تهدف للتبشير من وراء عملها الإنساني، والمشكلة الحقيقية في ذلك الإتهام هو اختلاف الثقافة بين فئتين من المجتمع، ولكى نكون أكثر صراحة بين مفهوم العمل الإجتماعي لدى بعض المسلمين ومفهوم العمل الإجتماعي لدى بعض المسيحيين، ففي حقيقة الأمر المفهوم الإسلامي للعمل الإجتماعي الإسلامي ارتكن في كثير منه إلى باعث الدين من أجل تأسيس عمل إجتماعي، أي أن تأسيس أي عمل إجتماعي من الجانب الإسلامي يكون في الأساس بدافع عمل الخير كما ذكرت الكتب المقدسة للأخوة المسلمين، ولكن ليس الأمر هكذا بالنسبة للمسيحيين فالعمل الإجتماعى في المفهوم المسيحي هو عمل إنساني قبل أن يكون عمل خيري، ويجب فيه خدمة الكل دون أدنى تفرقة أو تمييز نتيجة عامل الدين، وهكذا أيضاً العمل الإجتماعي عند الأخوة المسلمين فهو أيضاً يخدم دون تمييز في كثير من الأحيان، ولكن المنطلق الذي ينطلق منه كل جانب يختلف من حيث المضمون، ومن ثم فمحاولة هدم ذلك العمل الإجتماعي بسبب تهمة التبشير هو شيء غير مقبول خاصة مع ضخامة العمل الذي تقدمه تلك الجمعيات.

أما الأمر الآخر الذي أنوي طرحه في هذا المقال أن التبشير ليس تهمة، حتى تحاول بعض الجهات استفزازنا من وقت لآخر بذلك الأمر، والمشكلة بالطبع لا تقع على عاتقهم، فهم يحاولون استغلال ثغرات القانون في ذلك الإستفزار، ولكن المشكلة تكمن في استمرارية وجود قانون يعتبر التبشير جريمة ضد الإنسانية، في حين يعتبر الإهمال والقتل والسرقة تهم يمكن الحكم فيها بالبراءة، لذا فنحن حين نطالب بالدولة المدنية، نطالب بها كجزء من حل لأزمة المجتمع المصري الذي يهوى إقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة حتى لو لم يكن للدين أي علاقة بها، والنتيجة هي الدخول في صراعات تحيدنا عن مزيد من التقدم الإجتماعي الذي يساعد في النهوض بالمجتمع.

لم يكن التبشير أبداً تهمة حتى نحاول إنكارها، فلا توجد دولة أوروبية أو أمريكية تمنع المسلمين من التبشير بكافة الوسائل في بلادهم، وعلى الرغم من ذلك لم نسمع عن دولة من تلك الدول منعت أحد منهم بسبب شيء يسمى التبشير.

إن العدالة أمر لا يتجزأ أو لا يجب أن يتجزأ سواء كان في حياة الأشخاص او حياة الشعوب، كما أن تحقيق تلك العدالة لا يجب أن يرتبط بمدى سماحة الأفراد أو عدم سماحتهم، بل يجب أن يحكمه القانون المدني، وعلى الدولة المصرية التي تدعي أنها من محور الإعتدال أن تتخذ خطوات نحو المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الأفراد، سواء تعلق الأمر بالتبشير أو غيرها من الأمور التي يهددنا بها البعض وكأنها تهمة من تهم الخيانة العظمى للوطن وهي ليست هكذا، فالخيانة الحقيقية هي الإرهاب الفكري الذي يمكن أن يستخدم من أجل عزل فئة كبيرة عن الإنعماس في المجتمع والمشاركة في حل بعض من مشكلاته.