المصريون خارج نطاق السعادة...لماذا؟!
كتب : مادلين نادر - خاص الأقباط متحدون
الشعب المصرى الآن ليس من أسعد شعوب العالم..!! هذا ليس رأي شخصى، بل هذا ما توصل إليه المسح الذى أجراه معهد "جالوب" الأمريكي، ونشرته مجلة "فوربس"، حيث جاءت نتيجة المسح بأن "الدنمارك" على قائمة أسعد الشعوب، بينما جاءت "مصر" فى المركز الـ (115).
ولقد اعتمد المسح على سؤال وُجِّه لآلاف المواطنين فى (155) دولة حول العالم، وهو "ما هو مدى الرضا العام عن حياتك؟"، كما اعتمد المسح على أسئلة تتعلق بالخبرة الحياتية للمواطن فى هذه الدول، ومدى شعوره بالإحترام والتقدير وسهولة الحياة.
فلم يعد الشعب المصرى شعب مرح، وابن نكته كما يقولون عليه، وأى شخص منا بنظرة متأملة للشارع المصرى فى الفترة الحالية، يشعر أن هناك شيئًا ما اختلف وتبدل فى حال المصريين، بعد ما كانت الإبتسامة على وجوههم هى السمة الغالبة، أصبح التجهم هو السائد.
فإذا كنت فى وسائل المواصلات فى طريقك للعمل، فقليلاً ما تجد أشخاصًا يضحكون أو يبدو عليهم التفاؤل فى حديثهم، بل تجد لسان حالهم يقول: "الحالة بقت صعبة ربنا يرحمنا، غلا وتعب فى الشغل، ومفيش تقدير، والعيال بقوا متعبين جدًا، وكمان حر ربنا يرحمنا منه، الجو جهنم والرطوبة عالية..الخ" فتجد الناس يتكلمون عن كل ما هو سلبى، ويتسبب فى احباطهم، وحالة من الحزن تخيم عليهم. فلماذا أصبح المصريون عابسون، ويشعرون بالضيق أغلب الوقت؟ هل هو الغلاء؟ أم ماذا؟
اقتربنا من بعض المواطنين لنتعرف منهم على الأسباب التى تجعلهم لا يشعرون بالسعادة.
معاناة الفرد اليومية
قالت "ايمان مسعد"- مدرسة: "الحقيقة ما بقاش فى حاجة تبسط الواحد، كله حوالينا يجيب احباط، فالأسعار أصبحت مبالغ فيها بشكل غير طبيعى، والناس بقت مضغوطة، طب إزاى تبقى سعيدة وهى بتلهث طول اليوم صبح وليل علشان توفر قوتها وقوت ولادها. ده طبعًا غير وسائل المواصلات، والزحام، والمعاناة اليومية علشان الواحد يروح الشغل، وبعدين يرجع على حضانة الأولاد، وبعدين يرجع البيت، ويفضل اليوم كله كاننا بنلف فى دائرة لا تنتهى، ويوم الاجازة طبعًا صعب نخرج بسبب الزحمة، وارتفاع أسعار الملاهى والمتنزهات، وحرارة الجو، فبنفضل نقعد فى البيت، ونرجع بعد الأجازة لنفس التعب."
أما "جميل حنا"- محاسب- فقال: "أكيد لسه فى ناس بنشوفها فى الشارع وهى مبتسمة، لكن أصبح عددهم أقل" موضحًا أن هناك أسباب كثيرة جعلت المصريين أقل ضحكًا وأكثر عبوسًا.
الإحساس بالظلم
وأضاف "حنا": الشارع المصرى يعيش حالة من الغليان والإعتصامات والمظاهرات فى كل مكان، وكلهم يشعرون أنهم مظلومون. مشيرًا إلى أن كثيرًا من أصحاب الإعتصامات لهم الحق فى مطالبهم، وآخرون يطالبون بأشياء مبالغ فيها. مؤكدًا أننا نعيش مجتمع اللا معايير، فلا توجد معايير للنجاح أو للحصول على الحقوق.
الواسطة والمحسوبية
وأكد "حنا": إنه وللأسف تدخلت الواسطة والمحسوبية فى كل شىء، و أصبحنا لا نأخذ حقوقنا إلا بها، وأحيانًا يأخذ بعض الناس أشياءًا ليست من حقوقهم لأن لديهم واسطة أو يعرفون مسئولاً كبيرًا، مؤكدًا أنه قد يتعرض لظلم فى عمله بالرغم من أنه مجتهد، في حين قد يكون هناك شخص آخر لا يلتزم بمعايير العمل فى أى شىء، ولأنه قريب المدير تكون له صلاحيات وحقوق لا حصر لها، وأن كل هذه الأشياء تسبب إحباطًا، وتشعرنا أن الذى يجتهد فى عمله مثل الذى لا يعمل، والجميع متساوين، بل قد يتم تقدير من لا يعمل فى أحيان أخرى لحسابات أخرى ليس لها علاقة بالعمل و مصلحته.
الأخبار والموضوعات المعروضة فى التليفزيون تدفع إلى الإكتئاب
وقالت "نيرمين"- صيدلانية : "هو فى حاجة فى البلد دلوقتى تفرح؟! لو تابعنا كل يوم الأحداث اللى بتحصل و الأخبار والموضوعات اللى بتتعرض فى برامج التليفزيون أكيد هيجيلنا إكتئاب، و ما حدش يقولى بلاش تتابعى الأخبار والبرامج لأنهم ببساطة بيجيبوا الواقع مش بيختلقوا حاجات مش موجودة، يعنى الواحد لو لم يتابع هيشوف بعينه فى الشارع، وفى شغله، وفى أى مكان بيروحوه؛ لأن الفساد دلوقتى بقى هو القاعدة وليس العكس، يعنى لو حد فكر يطلّع رخصة قيادة، أول حاجة هيفكر فيها إنه يدفع فلوس علشان يطلعها، ومن غير ما يمتحن كمان..!!! و أنا فى مجال شغلى بشوف كتير قوى إن فيه غش فى أدوية، وعدم اهتمام بصحة الناس، وأى حد بيفكر إنه يتكلم عن الغش ده هيشعر إنه منبوذ؛ لأن القاعدة العريضة مستفيدة من هذا الغش، وأى حد هيعارضهم هيكوّن عداء معاهم، وهيحاولوا إنهم يبعدوه عن طريقهم..."
الإحباط والرغبة فى الهجرة
ومن جانبه قال "عادل فخرى" - مهندس: "الناس فى "مصر" بقت حاسة بأزمات متتالية، وكلامهم بقى فيه يأس وإحباط، وتلاقيهم كتير يقولوا : الظاهر مفيش فايدة مفيش حاجة هتتغير. وكتير من الناس لو اتكلمت معاهم هتلاقى أمنية حياتهم إنهم يسيبوا البلد ويروحوا يشتغلوا فى أى بلد تانى. والناس دى كتير، وبتزيد، خصوصًا مع الزيادات المتتالية فى الأسعار فى الأعوام القليلة الماضية، حتى إن الأسعار فى "مصر" أصبحت مثل الأسعار فى خارج "مصر" ودول الخليج حتى فى السلع الغذائية الأساسية مع الوضع فى الإعتبار إن الأجور فى هذه البلاد مختلفة تمامًا عن "مصر"، وبالتالى الناس بقت مش عارفة تعيش، ومخنوقة. ومع كل ده تلاقى أسعار العقارات وهمية، ولا أحد من المسئولين يتدخل لوضع حل لهذه الأزمة، فكيف يتزوج الشباب وأسعار الشقق بهذه الأرقام الفلكية..!!! وهل من الممكن أن نشعر بالسعادة وحياتنا كلها غير مستقرة، ولا نجد إحتياجاتنا الأساسية بسهولة."
عدم التواصل مع الأهل والأقرباء
أما "نادية"- ربة منزل – فقالت: "فى حاجات كتير اتغيرت عن زمان، حتى جوه العائلات نفسها، كان لينا مواعيد محددة بنزور فيها الأهل، ونتجمع كلنا، وبيكون وقت رائع تتواصل فيه الأجيال، لكن دلوقتى كل واحد فى حاله، وفى ناس يمكن لا يزوروا والديهم إلا كل شهر مرة بسبب ظروف العمل، وبقى الشباب كلهم يفضلوا إنهم يقعدوا قدام التليفزيون، أو النت عن إنهم يروحوا زيارة لحد من العائلة. وطبعا الزيارات بقت مكلفة فى وسط الغلاء اللى احنا فيه. وطبعًا، بالحال ده، بقى كل واحد فى البيت له عالمه الخاص، وماحدش يعرف حاجة عن حد جوه البيت، ومفيش وقت ثابت للتجمع مع بعض، حتى و لو كل أسبوع."
فقدان الإحساس بالسعادة
ومن جانبها ترى الدكتورة "ثريا جبريل"- أستاذ علم الإجتماع بكلية الخدمة الإجتماعية بجامعة حلوان- أن المجتمع المصرى شهد تغييرات عديدة جعلت المواطنين يفقدون احساسهم بالسعادة، أو حتى الإنتماء للمجتمع، فلقد أصبح الناس يلهثون وراء لقمة العيش، وكثيرًا ما يتركون البلد بحثًا عنها؛ بسبب ضيق الحال هنا، وإرتفاع الأسعار.
ثقافات غريبة أدت إلى مزيد من التوتر
ودللت "جبريل" على قولها بالشباب الذى يحاول الهجرة غير الشرعية، معرضًا حياته للخطر، وبالرغم من أنه يعلم أن هناك مخاطرة بحياته نفسها، وأن هناك الكثيرين ماتوا غرقًا فى مثل هذه المحاولات، إلا أنهم يقدمون عليها ويشعرون أنه لا بديل لهم عنها. مشيرةً إلى أن سفر الكثير من المصريين لدول الخليج أتى إلينا بثقافات غريبة عن مجتمعنا، فأصبحت وسائل الترفية غير محببة، وممارسة بعض الرياضات مثل السباحة ممنوعة، والإستماع إلى الموسيقى أمر غير جيد، واختفت القنوات الطبيعية لممارسة الهوايات والإستمتاع بالأنشطة التى تحد من حالة التوتر والغليان التى يعيشها المجتمع.
واختتمت "جبريل" حديثها قائلةً: إننا أصبحنا مجتمع حانق، ساخط على كل ما يحدث من حوله، و مزدوج المعايير أيضًا، يتنافى ما يقوله مع ما يفعله، والعكس صحيح. مؤكدةً انه إذا لم تتبدل هذه الأحوال سيتدهور حال المجتمع يومًا بعد يوم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :