بقلم: ميرفت عياد
حبل مشنقة يتدلى منها شاب.. علبة دواء ابتلعتها فتاة مرة واحدة.. النهر يقذف على شاطئه جثة رجل.. سكين يُغرس في شرايين امرأة.
هذه هي صورة من صور انتحار المصريين الذي تزايدت معدلاته إلى درجة تثير التساؤل، فهناك فتاة تركها جبيبها فتقرر الانتقام منه ليشعر بالذنب؛ فتنهي حياتها بيدها، وهناك شاب لم تستطع ظروفه المادية أن تجعله يرتبط بحبيبة صباه؛ فيقرر أن يرحل عن تلك الدنيا القاسية، وهناك حالات كثيرة من انتحار العاطلين، وذلك لعجزهم المادي عن تحقيق أحلامهم أو متطلبات أسرهم!!
إن المنتحر بإقدامه على الانتحار، يصرخ صرخة احتجاج على الظلم الذي يواجهه في هذا المجتمع القاسي، بعد أن ضاعت أبسط حقوقه في حياة كريمة، وأُهدرت آداميته، فكثير من الشباب المصري فقدوا رغبتهم في الحياة بسبب تعرضهم لحالة من الإحباط وفقدان الأمل، من تغير أوضاعهم أو زوال المشكلة التي يعانون منها.
فوقوع الشباب في بئر اليأس يجعلهم يفقدون إيمانهم ورجائهم في الله، وينسوا أن بإقدامهم على الانتحار يرتكبون خطية كبيرة تجاه الله لا يمكن محوها، وبذلك يفقدون الدنيا والآخرة كما يقولون.
فإقدام الشباب على إنهاء حياتهم بيدهم لا ينفي مسئولية المجتمع -بجميع فئاته- عن تلك المآساة التي يروح ضحيتها زهرة المجتمع، وأكثر فئة من فئاته إنتاجـًا وقوة؛ سواء جسدية أو نفسية، مَن يستطيع أن يمنح المجتمع حكمـًا بالبراءة من هذه القضايا التي تقشعر لها الأبدان؟؟ بل مَن يستطيع أن يعطي الدولة حكم البراءة في هذه المذابح الفردية التي يقدم عليها الشباب.
فالدولة مسؤولة عن سوء الحالة الاقتصادية، وتدني الأجور، وارتفاع الأسعار، والبطالة، وتأخر سن الزواج، وعدم العدالة في توزيع الثروات، كل هذا يدفع الشباب للانتحار بكافة أشكاله؛ سواء بالهجرة غير الشرعية التي في أغلب الظن يموت بسببها معظم الشباب، أو يُلقون في السجن كالحرامية وقطاع الطرق، وفي ذات الوقت هناك الكثيرون الذين يتاجرون بمستقبل هذا الشعب دون أن يجرؤ أحد على توجيه أي اتهام لهم.
لهذا أطالب الحكومة أن تستمع لصراخ هذا الشعب المسكين، الذي يغلي من شدة الظلم والحرمان الذي يعاني منه، وأن تنظر بعين الرعاية والرحمة والاهتمام لحالة الاحتقان العام الذي يعاني منه الجميع، والظاهر بوضوح في سلوكيات المصريين في الشارع، والتي لم تعد تتميز بالسماحة والهدوء كسابق عهدها، وأن يتركوا الشعب ينفس عن غضبه في المظاهرات والاعتصامات دون قمع أو اعتقال أو ضرب بالرصاص، فاتركوا هذا الشعب يتنفس حتى لا ينفجر أو ينتحر.