بقلم:دلميس جابر |
كنا بنقول إيه؟ وصلنا إلى اعتقال النحاس وإعادته بالقوة إلى القاهرة، وفرض الحراسة المشددة عليه وتحديد إقامته فى منزله.. كذلك اعتقلوا كل الذين استقبلوا وهتفوا للنحاس ورحّلوهم إلى سجن المنيا، الذى امتلأ بالوفديين والطلبة الجامعيين.. ورداً على خطاب النحاس وتأثيره، قرر الأحرار إقامة مؤتمر شعبى فى ميدان عابدين فى ١٦ سبتمبر ١٩٥٣، خطب فيه نجيب وعبدالناصر وصلاح سالم، وفى اليوم نفسه، أصدر مجلس قيادة الثورة أمراً بتأليف محكمة الثورة «وما أدراكم ما هى محكمة الثورة!». المهم.. تم شحن عمال المصانع وموظفى الحكومة لحضور المؤتمر، وتم ترحيل عدد هائل من الأقاليم، غير الأعداد الكبيرة من الإخوان.. وقام «نجيب»، رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية بإلقاء خطبة حماسية، هاجم فيها الوفد هجوماً عنيفاً وقال:
«ادّعوا الوطنية وهى منهم براء.. وتباكوا على الحريات لأنها كانت وسيلتهم للوصول للحكم، فما إن يصلوا إليه حتى تكون باكورة أعمالهم العبث بهذه الحريات، وهم يعلمون كما تعلم الأمة أنهم ضالون ومضللون وكاذبون ومنافقون».. ثم ختم خطابه بتحريض علنى على قتل الخارجين على الثورة قائلاً: «فلنتدبر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهو جمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان)».
ومن العجيب أن اللواء محمد نجيب نفسه ذكر فى مذكراته بعد عشرين سنة من هذا الخطاب، وبعد تسعة عشر عاماً من السجن والعزل، أنه كان شخصياً على خلاف كبير مع جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة فى هذا الوقت بالذات.. وخطب عبدالناصر، نائب الرئيس، وهاجم الوفد بعنف قائلاً: أريد أولاً أن أتوجه إلى هؤلاء «الخونة» القابعين فى جحورهم يتسمعون الآن علينا ونفوسهم يحكمها الخوف وتقتلها «المرارة والكراهية والحقد» فأقول لهم: إن عجلة الثورة ستستمر فى تقدمها، محطمة فى طريقها كل «خائن» وكل «خائر»، ولن تعرف الثورة بعد اليوم إلا الصرامة والقسوة لكل من تحدثه نفسه بالوقوف فى طريقها.
وكان الثالث والأخير هو خطاب الصاغ صلاح سالم، وكانت كلمته فصل الخطاب.. وكان الخطاب نفسه على مدى ساعة ونصف شتائم فى الوفد والنحاس وجماهير الوفد وصحفه ومن ينتمون إلى الوفد من قريب أو بعيد، ونادى بالويل والثبور وعظائم الأمور لهؤلاء جميعاً، ولم ينجُ من لسانه وسبابه الأموات حتى القمم الشامخة مثل سعد زغلول، فقد نال نصيبه من خطاب صلاح سالم..
وقال صلاح سالم: «اليوم ترتفع رؤوس زعماء الشعب (يقصد النحاس) وهذا هو تاريخهم سواء مع أعداء البلاد أو مع ملوكهم العابثين.. ترتفع رؤوسهم اليوم ليتكلموا عن الوطنية، وبالطبع لن يقولوا نحن رجعيون نريد (إذلال الشعب) واستغلاله، ولكنهم سيقولون إننا نحن الذين فرطنا فى حقوق البلاد وبعناها، وبعد أن ظلوا يستجدون المستعمر أكثر من عام ونصف دون أن ينالوا الفتات من مائدته سرعان ما لبسوا أثواب (الوطنية المتطرفة) بعد أن أمّنوا ظهورهم واعتمدوا على السراى وخضعوا تحت أقدام فاروق.. وهاجم جريدة «المصرى» هجوماً عنيفاً واتهمها بالعمالة لحساب الإنجليز، (رغم أن آل أبوالفتح كانوا عوناً لهم من اليوم الأول)».
ثم قال: اسمحوا لى وأنا وزير الإرشاد بأن أعلن بقوة وحزم وباسم قيادتكم أن الرقابة على الصحف فى داخل مصر ستظل قوية بتارة تضع سيفها فوق كل رأس مخربة تريد أن تبلبل الأفكار وأن تشيع الفرقة والانهيار فى صفوف الشعب.. إننا سنطهر بقوة وعزم كل ركن من أركان الدولة ولن ننساك يا صاحبة الجلالة!!
وبعد أن ألقى صلاح سالم البشرى، وزف المفاجأة السارة للشعب بأن رقابة الصحف ستظل قوية بتارة على لسان الناس وعقولهم ليفرحوا ويسعدوا ويرقصوا من الفرحة، أعلن ميلاد محكمة الثورة قائلاً:
«إننا نعاهدكم على أن نلتزم حكم الله العلى القدير وننفذ دستوره فى هؤلاء الخونة (المارقين).. وإنى أعلنها مدوية (لا حرية للخونة).. إنه (حكم الرب) ولن نخالف له أمراً». وفى اليوم التالى جاءت الصحف تحمل أسماء المعتقلين للمحاكمة، ومنهم: مصطفى النحاس وزينب الوكيل.. وكده خلاص مش هاحكى عن الثورة تانى.. كفاية قوى كده.. الله لا يعيدها أيام. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |