اسحاق فرنسيس
والسلفيون المقصودون هم التيار بشكل عام، ومن أسسوا حزب النور بشكل خاص، وليس منهم السلفيون الجهاديون الذين يحملون السلاح. وأما السياسة المقصودة فهي كل ما يتعلق بأمور الحكم وشؤون الدولة.
قبل الثورة عام 2007 نشر مؤسس حزب النور ياسر برهامي مقالة عن “المشاركة السياسية وموازين القوى” ذهب فيه إلى أن السلفيين لا يعتزلون السياسية من باب أنها ليست من الدين، بل من باب أن المشاركة فيها لن تكون ذات جدوى في ظل موازين القوى الحالية، ولأن المشاركة تستلزم تنازلا عن قيم لا يقبلون التضحية بها، مضيفا أن السلفيين همهم هو العمل على تغيير ميزان تلك القوى على الأرض.
السلفيون أكثر يمينية وتشددا يُحرّمون الموسيقى، يحرمون عمل المرأة، وبعضهم يرفض السلام الجمهوري، يعادون الآخر الديني (المسيحيين) والآخر الطائفي (الشيعية) والآخر السياسي (ليبراليين ويساريين)
ولأعوام طويلة، ظل السلفيون يقنعون شبابهم بعدم جدوى الانخراط في العمل السياسي، وبمقولات أقل ما توصف به انفصالها عن الواقع، كمقولة أن الديمقراطية كفر، ومخالفة الاحتكام إلى الدساتير الوضعية، ومقولة أن البرلمان يؤسس لتشريعات تخالف ما جاء به الشرع الحنيف، وبأن الترشح للبرلمان تأييد للطاغوت.
كان يتركز حديث عموم دعاتهم على الجوانب الروحية وما يسمى فقه المظاهر (إن صح التعبير)، كثياب المرأة ولحية الرجل وحكم القرآن على المقابر، والشركيات والبدعيات وتحريم الموسيقى وحكم مشاهدة التلفزيون وحكم التصوير الفوتوغرافي، وتهنئة المسيحيين بالأعياد، وحكم الاحتفال بأعياد الميلاد والفلانتين وشم النسيم.
كان السلفيون ينسحبون من كل ما يحيط بالمجتمع من أمور سياسية بحججة أن المنهج الأمثل هو الاكتفاء بنشر دعوتهم وسط المجتمع ليقبل بتطبيق الشريعة لاحقا يوما ما.
بعد الثورة.. تغيرت موازين القوى ولم ينفتح مجال للعمل أكثر من مجال السياسة، فجأة ودون مقدمات أسس السلفيون حزبا سياسيا ودخلوا البرلمان وشاركوا بإعداد الدستور وقبلوا بنتيجة الاستفتاءات أي الديمقراطية، وبدأوا يقدمون أنفسهم على أنهم طرف في نهضة المجتمع، وأحد أركان مقاومة الظلم والبطش والاستبداد، وهذا على غير عادتهم في أي وقت.
ولأن السلفيين أكثر تشددا وراديكالية من الإخوان، بدأت المزيدات بين الطرفين، فكلاهما يريد أن يقدم نفسه باعتباره معادلا بصريا لمقولة “الإسلام هو الحل”.
كادت الفوارق بين الإخوان والسلفيين تتلاشى فيما يتعلق بالجوانب الحركية، حتى باتوا في منصة السياسية الرقم الثاني، حدث ذلك كله دون أي اعتذار عن الآراء والفتاوى التي سبقت ذلك وكانت تحرمه.
هنا بدأ الإخوان ينحازون للسلفيين ككتلة ولأفكارهم كتيار على حساب انحياز كان مستحقا لباقي مكونات الثورة من القوى الوطنية الأخرى الليبرالية واليسارية، وعلى حساب انحياز مستحق آخر لمطالب الثورة العادلة من عيش وحرية وعدالة وكرامة.
السلفيون أكثر يمينية وتشددا يُحرمون الموسيقى، يحرمون عمل المرأة، وبعضهم يرفض السلام الجمهوري، يعادون الآخر الديني (المسيحيين) والآخر الطائفي (الشيعية) والآخر السياسي (ليبراليين ويساريين)، ولا يعترفون بمقولة السيادة للشعب في الدستور، ويريدون تطبيق الحدود تطبيقا حرفيا كما نصت الشريعة دون أي اجتهاد في فهم سياقات الزمان والمكان، ويقف الإخوان في لجنة إعداد الدستور يتوسطون بين مطالب السلفيين واعتراضات الليبراليين.!
دارت الأيام دورتها وبدأ كرسي السلطة يهتز من تحت الإخوان، وبالتزامن بدأ السلفيون يبلعون كثيرا من مقولاتهم، حتى خرج الإخوان من السلطة، ورغم أن موازين القوى لم تعد كما كانت قبل الثورة، فضّل السلفيون أن يكونوا في حلفهم الذي كان ما قبل الثورة وألا يسهموا في تعديل ميزان القوى الجديد كما زعموا قبلا، فبلع السلفيون ألسنتهم تقريبا عن كل مقولاتهم السابقة في فترة ما بعد الثورة وحتى عن كثير من مقولاتهم بعدها.
كيف نفسر موقف السلفيين من مقولات قبل الثورة وتحولات ما بعدها؟
لو وضعنا في اعتبارنا أن السلفيين يرون طاعة ولي الأمر واجبة، وأن الخروج عليه معصية، فستحل كثيرا من إشكالات السلفيين.
الثورة وما تلتها من أحداث حتى يومنا دحضت بشدة كثيرا من أفكار السلفيين لاسيما ما يتعلق منها بمقولة أنهم بعيدون عن السياسة.
هذه النقطة تحديدا هي نقطة الالتقاء بينهم وبين الأنظمة الحاكمة، لا تبتئس الأنظمة مع أي تيار ديني أو غير ديني لا يشتبك مع سلطتها ولا يعارض أي خطأ في ممارساتها بل إنه يحرم الخروج عليها.
في حوار قديم متلفز للدكتور طارق حجي خبير الطاقة، قال إن حفل إفطار رمضاني جمعه يوما مع حبيب العادلي وقت كان وزيرا للداخلية، وكان مما أخبره به العادلي أن وزارة الداخلية أعدت جيشا من السلفيين لكسر عضد الإخوان المسلمين.
يضيف الدكتور حجي أنه أخبر العادلي بخطئه إن تصور أن السلفيين كالصوفيين، ليسوا حركة سياسية، موضحا أن الوهابية حركة سياسية بل وممعنة في السياسية.
الثورة وما تلتها من أحداث حتى يومنا دحضت بشدة كثيرا من أفكار السلفيين لاسيما ما يتعلق منها بمقولة أنهم بعيدون عن السياسية.
السلفيون الذين يسيرون في ركب الحاكم يمارسون سياسية من نوع خاص، ويستخدمون في سبيلها تدينا من نوع خاص، تديناً يرضي الحاكم كثيرا فهو يحفظ له سلطانه، حتى لو أخذه غصبا، تدين ينزع حبائل الغضب من نفوس الناس، ويقول للفقراء أنتم فقراء لأنكم تعصون الله، ولا يجرؤ أن يشير لهم إلى سارقهم