بقلم: ميرفت عياد
تحولت الدماء التي تسري في العروق إلى مياه، وانقطعت آواصر الرحمة والحب بين أقرب الناس، وتحول الابن الذي يترجاه دائمـًا الزوجان من الدنيا إلى وهمٍ كبير، يلهث وراءه الزوجان متخيلان أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، حيث يظنون أن هذا الابن هو السند والمعين في المشيب؛ هو العكاز الذي سيتكئون عليه من غدر الزمن؛ هو الأمان من غدر الأيام، غير عالمان أن الغدر سيأتي منه، وأن العكاز سينكسر فوق رأسيهما، وأن الزمن أحن عليهما من هذا الابن العاق، وأن بذرة الجهد والوقت التي طُرحت في أرض هذا الابن ورُويت بالحب.. لم تنتج ثمرًا، وكأن هذان الزوجان يحرثان في البحر..
ستتعجب عزيزي القارئ من تلك الكلمات القاسية، التي تنم عن قلب غاضب؛ فمنذ أيام قليلة قرأت خبرًا أثار غضبي واستيائي؛ وهو أن أحد السائقين بمحافظة الغربية -ويبلغ من العمر 27 عامًا- قام بكل وحشية وجبروت ودون أي نزعة ضمير بإلقاء والدته -التي تبلغ من العمر خمسين عامًا- من بلكونة المنزل بالطابق الأول؛ فسقطت على الفور مغشيـًا عليها، وأُصيبت بالعديد من الكسور والكدمات، وتركض في المستشفى في حالة خطرة، كل هذا من أجل حفنة من المال رفضت الأم أن تعطيها له..
نعم أنا لا أنكر أن هناك أبناء بارين بوالديهما، يعلمون قيمتهما في حياتهم ويتقون الله فيهما، ويعرفون أن جميع الأديان السماوية طالبت الأبناء بإكرام الوالدين والإحسان إليهما؛ فالكتاب المقدس يقول: "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيام حياتك على الأرض"، والقرآن الكريم يقول: "وبالوالدين إحسانـًا"؛ فهناك كثيرون يحبون ويحترمون والديهم..
ولكن هناك أيضًا كثيرون لا يراعون الله في والديهما، وإنني لا أقبل مَن يقول لي أنها حالة فردية؛ فالحقيقة أن هناك الكثير من الحوادث التي تحدث بهذا الشكل المفجع، إني أتساءل: ما الذي حدث لنا؟؟ ما الذي أصاب عقولنا ودفع بها إلى الجنون بهذا الشكل؟؟ ما الذي أدى بنا إلى ممارسة العنف والإرهاب مع أقرب الناس إلينا؟؟ مع لحمنا ودمنا كما يقولون؟ أي ضمير يملكه هؤلاء وهم يقومون بفعلتهم الشنيعة هذه؟؟! فلو كنت أملك الحكم على هذا الشاب لكنت طلبت القصاص منه في ميدان عام جزاءًا على فعلته الشنيعة، والتى يقشعر لها جبين الإنسانية.