إثر قرار الحكومة إغلاق مسجد طيبة في هامبورغ
رغم ديمقراطية ألمانيا وضمانها لحرية المعتقد، فإن مساجد المسلمين تتعرض للمضايقات منذ أحداث 11 سبتمبر التي كانت بداية التشكيك في المسلمين ودور العبادة التي يترددون عليها. وجاء قرار إغلاق أحد المساجد التابعة إلى جمعية طيبة الإسلامية في هامبورغ ، ليسلط من جديد الضوء على دور المساجد في ألمانيا.
جاء قرار الحكومة الألمانية بإغلاق مسجد طيبة التابع الى جمعية طيبة الإسلامية في هامبورغ الألمانية، ليسلط الضوء من جديد علي المساجد في ألمانيا ودورها في حياة المسلمين في تلك البلاد ولاسيما ان شهر رمضان على الابواب .
قد يطرح اغلاق هذا المسجد الذي رأت السلطات الأمنية الألمانية في هامبورغ انه يروج للتطرف والارهاب ويشكل خطرا على أمن المانيا بالنظر الى تردد عدد من منفذي هجمات سبتمبر عليه مثل محمد عطا، قد يطرح العديد من الأسئلة التي أهمها هل يقف دور المساجد في المانيا على حدود العبادة فقط أم أنها تلعب أدوارا أخرى مشكوكا فيها وفقا لحيثيات إغلاق المسجد من قبل سلطات الأمن من أنه قد استغل في أحداث 11 سبتمبر قبل 9 سنوات.
انتشار المساجد في ألمانيا
بشكل عام تنتشر مساجد المسلمين تقريبا في كل المدن الالمانية وتعتبر دور العبادة الرئيسة للجالية الاسلامية في تلك البلاد التي تصنف فيها على انها اكبر جالية دينية غير مسيحية تنمو باضطراد متزايد في المانيا منذ عام 1970 وحتى الان، وتقدر السلطات الألمانية عدد المسلمين في البلاد بنحو 3,7 ملايين نسمة ، ثلثهم يعيشون فى شمال ولاية الراين وستفاليا والبقية تنتشر عبر ولايات ومدن المانيا المختلفة .
هذا العدد الكبير من المسلمين يهتم اهتماما خاصا بزيارة المساجد والعمل على إنشاء المزيد منها باعتبارها الشيء الوحيد الذى يؤكد هويته الدينية والإجتماعية بل والسياسية في بعض الأحيان، فالمسجد يلعب هذه الادوار مجتمعة من خلال الندوات التي تقام فيه ويدعى اليها الناشطون في المجالات المختلفة لحث المسلمين على التعريف بدينهم والتعرف إلى مشاكلهم ومحاولة حلها، كذلك فإن للمساجد في المانيا جوانب اجتماعية عديدة منها على سبيل المثال مساعدة الشباب من الجنسين في التعارف و الزواج على الطريقة الاسلامية ، وتنظيم الدروس الدينية ودروس في اللغة العربية للجيل الثاني من ابناء المسلمين .
معظم المساجد في المانيا بها صالات لاعداد الوجبات الغذائية مقابل اسعار زهيدة وملحق في بعضها صالونات قص الشعر التى يقبل عليها الشباب تجنبا للصالونات الالمانية التى تفوق في اسعارها صالونات المساجد بخمسة اضعاف بالاضافة الى انها اماكن تعارف للأسر المسلمة في تلك البلاد
اسماء واشكال المساجد المعمارية تختلف وتتنوع
تأخذ المساجد في المانيا اسماءها من اسماء دول المشرفين عليها او من العدد الكبير لجنسية المترددين عليها فهنا مثلا المسجد التركي والتونسي والايراني وغيرها – وفي مساجد الجاليات التي لاتتكلم العربية تكون خطبة يوم الجمعة باللغتين التركية والعربية او الفارسية والعربية وغيرها من لغات المسلمين.
الشكل المعماري للمساجد في المانيا فيه تباين واختلاف كبير، فبينما ترى الطائفة السنية شكل المسجد المتمثل في القبة والمئذنة فإن الطائفة العلوية تقيم الصلاة فى بيوت لاتأخذ في الاعتبار شكل المسجد المتعارف عليه فيها ،لكن من المهم فقط ان يكون له اثنا عشر ضلعا يمثلون الاثني عشر اماما وفي أحيان أخرى كثيرة تقام المساجد في شقق عادية يقوم المسلمون بتأدية الصلاة في غرفها.
تستقبل المساجد الاسلامية في المانيا الكثير من المهاجرين الذين يفدون الى المانيا للمرة الاولى, ومنها يبدأون خطواتهم الاولى فى التعرف إلى المانيا وتكوين الصداقات ثم الانطلاق في مدنها او الى اماكن العمل والدراسة التي يحصلون على فرص فيها .
صالة لساحة مسجد في المانيا من الداخل
رغم ديمقراطية ألمانيا الكبيرة وحرية الأديان فيها فإن المساجد قد تتعرض لكثير من المضايقات خاصة بعد احداث 11 سبتمبر التي كانت بداية التشكيك في المسلمين ودور العبادة التي يترددون عليها، فالمساجد أصبح غير مرحب بها من قبل الجيران الذين يقطونون حولها ، وكثيرا ما ثار جدل حاد بين ادارة المسجد والجيران ،يحسم في غالب الاحيان في المحاكم، غير ان المسلمين لايتقاعسون عن حقوقهم الدينية انطلاقا من فهمهم للدستور الالماني الذي يكفل حرية العقيدة ولا يعترف بالتمييز لذلك فهم يطالبون دائما بأماكن عبادة قريبة من العمران مزودة بقباب ومآذن وان يؤذن للصلاة من مكبرات الصوت.
شكوك ومخاوف من بناء المساجد
من الصعاب الاخرى التى تواجه المسلمين في المانيا ، انه كلما اعلنت خطة جديدة لبناء مسجد فى احدى الولايات الالمانية ينشق المجتمع هناك ما بين مؤيد ومعارض ويحتدم النقاش على الطريقة الالمانية- المؤيد يرى ان هذا حق كفله الدستور الالماني للديانات الاخرى كحق اقامة دور العبادة - اما المعارض فإنه يتخوف من تحويل المساجد الى اماكن للاصوليين والجمعيات التي تحاول استغلال الدين لاهدافها كما حدث في مسجد هامبورغ الذي تم اغلاقه..
يشتكي المسلمون في المانيا عادة من ان مجالس البلديات تحاول دائما عرقلة إصدار تصاريح جديدة لبناء المساجد بحجة عدم وجود اماكن لانتظار السيارات ،أو وجوب حماية المساحات الخضراء، او الخوف من التأثير في شكل المدينة ،او حتى الحد من الضوضاء.
يرى المسلمون ان أهم بنود الرفض التي لايصرح بها علنا، تكمن في ان غالبية السكان الألمان لا تريد للجالية الإسلامية تجمعا كبيرا على غرار حي "كرويسبرج" في برلين الذي يقطن معظمه مسلمون فهم لايعترضون على الحرية الدينية ولا يعترضون على ممارسة الشعائر الدينية بغرض عدم الزج بأنفسهم في مخاطر الاتهامات بالعنصرية او الكراهية للاجانب ويقولون فقط ليس في هذا الحي من فضلكم !!!وحاولوا في حي آخر.
تتركز هذه المعارضة بشكل خاص في ولاية شمال الراين وستفاليا- اما في مقاطعة بافاريا في الجنوب الالماني فالمسلمون يمارسون طقوسهم الدينية بشكل لايختلف عن الشمال، فالمساجد تتلقى شكاوى دائمة بعدم ترك الاحذية في خارج المسجد او من الصلاة خارج المسجد عندما يمتلئ او حتى من الضوضاء عند انتهاء الصلاة وخروج المصلين وهي شكاوى تنبع من ثقافة المواطن الالماني الذي يميل الى التنظيم الشديد وعدم مضايقة الاخر بالجلبة والضجيج.
شكل المساجد المعماري يختلف ويتباين
كلما زاد تدفق المسلمين على المساجد وكثرت تجمعاتهم وانشطتهم اقلق ذلك الالمان ، خاصة كبار السن الذين يعتبرون ذلك تهديدا للدولة المسيحية او انهم اصبحوا اقلية في بلدهم، حتى ان الرأي العام الالماني يصاب بالحيرة والارتباك بين الحرية الدينية للاقلية المسلمة والمحافظين من الشعب.
قد يبدد هذا التصور الخاطئ اندماج المسلمين في المجتمع الالماني، ومحاولة تقديم دينهم للألمان بصورة نقية وصحيحة والاهتمام بالنظافة والملبس وحسن السلوك والمصداقية والنظام التي هي من اصل الدين كذلك هي إحدى مقومات المجتمعات الحضارية وهي مدخل صحيح للحياة الالمانية قبل الشروع في الحديث عن تفاصيل الدين التي لايعرفها الالمان ، لايخفى على المرء كذلك ان تجنس المسلمين بالجنسية الالمانية له تبعات اهمها احترام ديمقراطية البلد الذي يعيشون فيه و الابتعاد عن التطرف الذي يلصق عادة بالمسلمين الذين صنفهم المكتب الاتحادي لحماية الدستور الالماني في تقرير له بأن عدد المتطرفين منهم في المانيا لايتجاوز نسبة 1%من مجموع 3,7 ملايين مسلم .
اذن ليس هناك عبء على المسلمين في احترام ديمقراطية البلد الذي يعيشون فيه وهذا ليس صعبا لان المسلمين ينعمون بقسط من الحرية والتعبير عن الرأي وممارسة حقوقهم الدينية بشكل اكبر بكثير من بلادهم، فليس من الصعب ان تجد الكثيرين منهم هنا من المطاردين في بلادهم لاسباب دينية وسياسية .
الميثاق الإسلامي
دفعا للاراء المناهضة للاسلام ودور العبادة في المانيا احسن المجلس الاعلى للمسلمين في المانيا في اصدار الميثاق الذي خرج به للالمان واسماه( الميثاق الاسلامي) الذي نص على جميع المسلمين في ألمانيا الالتزام بالقانون الالماني والاوروبي وبرر من منطلق اسلامي التزام المسلمين بقوانين المجتمع الالماني، وهي خطوة جريئة لانها توضح بعض النقاط التي يبرز حولها جدل في القضايا الشرعية الاسلامية مثل الارث والزواج وما شابه كذلك فإنه شدد في إحدى فقراته على اقرار الميثاق بقبول المسلمين قوانين البلد الذي يعيشون فيه ومن ثم بولائهم لهذا البلد. |