بقلم :صموئيل عازر دانيال
مبادئ هامة من الإنجيل وتقليد الكنيسة (2)
(سبق نشر البندين 1، 2 في المقال السابق). وفي هذا المقال سنفحص البند رقم 3.
3. أسباب الطلاق عند اليهود التي رفضها المسيح حين سأله الفريسيون: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟».
في مقارنة بين الطلاق عند اليهود قديماً وبين الطلاق عند الأقباط:
- الآيات التي أوردت أقوال المسيح عن الطلاق تعكس الخلافات بين الفريسيين حول "أسباب" الطلاق، لذلك كان سؤالهم للمسيح: "«هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ "سَبَبٍ"؟»". فمن المراجع التاريخية التي تحدثت عن الحياة الزوجية عند اليهود، رأينا أنه قد تنوعت المدارس الرابية في اليهودية أيام المسيح (الرابِّي هو المعلِّم صاحب مدرسة لتفسير التوراه)، في نظرتها للأسباب الموجبة للطلاق. فبينما مدرسة الرابي "شمَّاي" حصرت "سبب" الطلاق في الزنا فقط وذلك حسب تفسيرهم لما ورد في (سفر التثنية 24: 1 – 4)، كانت مدرسة الرابي "هاليل" أكثر تحرُّراً إذ بلغ بها أن تسمح بالطلاق حتى في حالة حرق الزوجة طعام العشاء لزوجها. أما الرابي "عاقيبا" فقد تمادى في أسباب الطلاق بأن سمح به إذا وجد الزوج إمرأة أجمل من زوجته! وهناك ملاحظة هامة في عظة المسيح على الجبل، حينما قال: "«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ."، كان في ذهنه بلا شك الأسباب المُجحفة السخيفة التي يُطلِّق بسببها الرجل اليهودي إمرأته ومن بينها: إذا رأى إمرأة أجمل من زوجته، والدليل على ذلك أن المسيح أتبَعَ في الحال قوله هذا بالمقولة التالية: "«وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي." (إنجيل متى إصحاح 5: 27- 32)، إقرأ هذه الآيات بإمعان وتأمل لتعرف أن موضوع الطلاق لدى اليهود كان يُحزن قلب المسيح جداً، فقدَّم جذور المشكلة وأصلها في نفوس اليهود: أي النظرة الشهوانية للمرأة باعتبارها سلعة للشهوة لا أكثر ولا أقل!
ومن كلام الإنجيل وردِّ المسيح نفهم أن الزوج اليهودي – أيام المسيح - الذي يطلِّق إمراته، كان يُطلِّقها هكذا:
1. بالإرادة المنفردة من الزوج؛ 2. «لأي سبب» من الأسباب المذكورة وهي كلها من صميم إرادة أو شهوة أو رفاهية الزوج فقط؛ 3. ثم يطردها من البيت بعد أن يعطيها ورقة طلاق هكذا ببساطة؛ 4. ثم في الحال يتزوج بالأخرى ويعيش معها.
ولهذا وصف المسيح هذه الحالة بأنه «يزني عليها» أي على زوجته الأولى لأنه ترك زوجته وتزوَّج بأخرى كنوع من تعدد الزوجات غير المسموح به في اليهودية.
- كما فسَّر رب المجد سبب تجاوز الله لقانونه الأول بعدم انفصام الزواج، بأن ذلك كان "بسبب قساوة قلوبكم". فالأسباب التي كان بسببها يُطلِّق اليهودي امرأته – كما ذكرناها - تدل فعلاً على قساوة القلب وتجرُّده من أية مشاعر إنسانية تجاه امرأته التي سمَّاها سفر الأمثال: "امرأة شبابك" (سفر الأمثال 5: 18)، وكأنها سلعة يستغنى عنها في أي وقت و"لأي سبب" يتصل بشهوته أو برفاهيته، غير مهتمٍّ بمصيرها بعد ذلك، وعلى الأخص أن المرأة في اليهودية لم يكن لها مصدر معيشة سوى في بيت الزوجية، فكان الطلاق يتسبب في تشريد المرأة وتجريدها من أي رزق لها تتعيَّش منه، فكانت تتجه في أغلب الحالات لمهنة البغاء. لذلك أعلن المسيح أن الطلاق لهذه الأسباب المُجحفة والمعيبة، ثم الإسراع بالتزوُّج بأخرى كتصرُّف شخصي أهوج مندفعاً وراء شهوته، أنه زنا فعلي لأنه يُعتبر من قبيل تعدُّد الزوجات. ولم يترك المسيح إلا سبب الزنا ليعفي الإنسان من دمغه بالزنا – وغالباً كان هو زنا الزوجة وليس الزوج – لأن الزنا هو كَسْر وفَصْم نهائي لشركة الحياة الزوجية الواحدة.
- أما في أيامنا، فالقبطي أو القبطية يتصرَّف بغير ذلك.
فهو: 1. لا يُطلِّق بإرادة منفردة؛ 2. ولا للأسباب الفارغة أو المعيبة التي ذكرها المؤرخون أنها كانت هي أسباب الطلاق لدى اليهود؛ 3. ولا يطردها من البيت بورقة طلاق. بل يتم الطلاق من خلال المحكمة وبحضور الطرفين، تلك الإجراءات التي قد تستغرق أحياناً عدة سنوات؛ 4. كما أنه (أو أنها) لا يذهب (أو تذهب) ليتزوج مباشرة بعد الطلاق كما كان يفعل اليهودي («...ويتزوج بأخرى»). بل هو يتوجه إلى الكنيسة، وينتظر عرض حالته على مجلس إكليريكي، ملتمساً تصريحاً بزواج ثاني في الكنيسة لا يقصد من ورائه إلا نوال مغفرة خطاياه (لأن طقس كل سرٍّ من أسرار الكنيسة يتضمن صلاة الحِل من الخطايا السابقة)، ولحفظ نفسه من الخطأ، وكفرصة ثانية يعطيها له الله ليُجدِّد توبته. وقد تمتد هذه الإجراءات أيضاً إلى سنوات عدة. والأقباط لا يتصورون أن يتزوجوا خارج الكنيسة، بل هم يرَوْن أن في الكنيسة وأمام مذبح الله المقدس تُغفر خطاياهم، وهم يحسون بأنهم في طلاقهم مُخطئون بلا شك ولكنهم مضطرون إلى ذلك تحت وطأة ظروف تختلف من حالة إلى حالة لم يستطيعوا احتمالها بسبب ضعفهم البشري. فلا تضطرون في يأسهم بسبب تضييق الكنيسة عليهم أن يُطالبوا الحكومة بقانون للزواج المدني للأقباط خارج الكنيسة، وهذا ما سنعرض له في المقال القادم (البند رقم 4) حين نذكر تعاليم الرسل عن ألا يطرد الأسقف من الكنيسة أبناء الكنيسة وبناتها بأي حال.
- فإذا تساءلنا: ما هي أسباب الطلاق المسموح بها والتي قد تُعتبر أنها تؤدي بالطرف الآخر قسراً وبغير إرادته إلى الزنا الفعلي؟ فهذا لابد أن تقرره لجنة من فضلاء وعلماء وأراخنة الشعب يكونون على علم وصلة بأحوال الأسرة القبطية وما تصادفه من مشكلات قد تحدث من أحد الطرفين وتؤدي بالطرف الآخر إلى الانجراف والوقوع في زنا فعلي، إما بالاضطرار إلى الهرب من جحيم البيت أو الوقوع في ارتداد للزواج من دين آخر (وأمامنا حادثتَي زوجة كاهن أبو المطامير، وزوجة كاهن دير مواس، ومن المؤكد حدوث حالات أخرى ولكن مجهولة لنا لتُبيِّن لنا أن الضعف البشري يعمُّ حتى الزوجات القدوة للمؤمنين والمؤمنات)، حيث يستطيع هؤلاء الأراخنة أن يحددوا مثل هذه الحالات وغيرها، ما يحفظ الأقباط داخل كنيستهم، وما يعفي الكنيسة من رفع قضايا عليها في القضاء العالي للطعن في تفسير المادة 118 من القانون الجديد – لا سمح الله بصدوره -المختصة بحالات "الزنا الحُكمي"، وهو تعبير مطاط سيُترك تفسيره وطريقة تطبيقه في حوزة شخص واحد أو عقلية واحدة، ما سيُدخل الكنيسة مرة أخرى في دوامة أحكام القضاء العالي. وهذا ما سنعرضه بالتفصيل في البند رقم 4 في المقال القادم.
- وعموماً، الطلاق واقع ومأساة مُحزنة، تكلِّف الزوجين ليس فقط مصاريف باهظة بل ومعاناة واستنـزافاً في الأعصاب وبالتالي في الصحة العامة، ناهيك عن ضياع العمر في المحاكم والمجلس الإكليريكي، وفي انشغال الذهن بمصير الأطفال ومستقبلهم، كلما امتد الزمن والإجراءات بدون استقرار عائلي.
ولابد أن نعرف أنه ليس في مَقدور ولا في سلطة أحد على أن "يوافق" أو "لا يوافق" على طلاق إثنين عجزا عن الحياة معاً في مكان واحد وعيشة واحدة. إن الأصوات التي لا تعترف بواقع هذا المحنة الصعبة، هي أصوات يعجز أصحابها عن مواجهة المشكلة، وبالتالي يهربون من هذه المواجهة بأن يفرضوا على الطرفين من وحي خيالهم هم فقط: أن يعيشا معاً رغماً عنهما! وهذا ضد قدرة وحرية الإنسان، والمسيح لم يفعل مثل هذا قط، ولم يقُل بهذا قط. بل المسيح وضع فقط المثل الأعلى أمام الإنسان، وتركه ليُجاهد بحرية إرادته وبإيمانه في قوة المسيح أن يبلغ إليه: "ومَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ" (إنجيل متى 19: 9).
كثيرون طبعاً بلغوا إلى هذا المثل الأعلى – بل والغالبية العظمى اجتازوه وإن كان بمُعاناة وألم واحتمال، وكان الرب معهم. ولكننا نتكلم هنا عن الأقلية التي بسبب وطأة ضعفهم البشري لم تستطع احتماله. هؤلاء هم محور حديثنا واهتمامنا، لأنهم هم أولاً وأيضاً كانوا موضع اهتمام المسيح، الذي قيل عنه: "كان يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب" (إنجيل متى 4 : 23). ونحن نُقدِّم هنا النصائح الثمينة التي أعطاها القديس بولس لمسيحيي روما عن احتمال وعدم دينونة الأخ الضعيف، والتي تصلح في حالة محاولات البعض دينونة والحكم على الأخ المُطلَّق والأخت المُطلَّقة: "وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي الإِيمَانِ فَاقْبَلُوهُ، لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَار...، وَأَمَّا أَنْتَ، فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ أَوْ أَنْتَ أَيْضًا، لِمَاذَا تَزْدَرِي بِأَخِيكَ؟ لأَنَّنَا جَمِيعًا سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«أَنَا حَيٌّ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّهُ لِي سَتَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ، وَكُلُّ لِسَانٍ سَيَحْمَدُ اللهَ». فَإِذًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَابًا ِللهِ. فَلاَ نُحَاكِمْ أَيْضًا بَعْضُنَا بَعْضًا... فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ" (رسالة رومية 14: 1 – 13؛ 15: 1)، فهذه الوصايا الرسولية الثمينة، نُقدِّمها لكل مَن يدين ويزدري بإخوتنا وأخواتنا المُطلَّقين والمُطلَّقات ويقسو في الحكم عليهم بطريقة مؤسفة لا تمتُّ إلى المسيح ولا الإنجيل ولا بخلاص نفوس هؤلاء المساكين بصلة.
- لذلك، فبدلاً من أن لا يعترف خُدَّام الكنيسة بالطلاق، فما هو العمل البديل للحيلولة دون الطلاق؟
لن يكون ذلك بالعقاب الجسدي بمنعه من الزواج إلى الأبد! فهذا ليس من سلطة الكنيسة بل هو من سلطة الدولة، وممنوع على الكنيسة أن تغتصب وتنتحل لنفسها اختصاصاً وسلطة هما للدولة. وسنستفيض في الحديث عن هذا الموضوع في البند رقم 5.
- أما العمل البديل فهو أصلاً – وهو ليس من اقتراحنا – بل هو من صميم عمل كنيسة المسيح ووصايا الإنجيل كما أوضح ذلك الرسل وآباء الكنيسة وقوانين الكنيسة: ذلك هو الافتقاد والرعاية والتعليم الروحي والرعاية منذ الصغر: ففي مدارس الأحد وخدمة الشباب، يجب أن تهدف برامج التعليم الروحي إلى تنشئة شباب مسيحي متعلم حياة الإيمان المسيحي بطريقة – ليس نظرية أو جدلية أو ترفيهية أو بالفوازير وبالمسابقات – بل بطريقة تنشئ رجالاً ونساءً قديسين تأسست حياتهم على إنجيل المسيح وقدوة المسيح والرسل والقديسين، رجالاً ونساءً قادرين وقادرات أن يحملوا ويحملن عبء أسرة مسيحية بالحق، وذلك بقوة الصلاة ودراسة كلمة الله كل يوم، ما يملآن ويُشبعان أذهانهم وقلوبهم وأفواههم بالتقوى والإيمان والنسك. أما الصلاة العائلية فهي عماد وحدة الأسرة وصَوْنها من التفكك والانهيار! وعند الكبر وبعد الزواج لابد أن تستمر الرعاية، بطريقة منظمة ودورية، بافتقاد الكهنة والشمامسة للعائلات افتقاداً روحياً تعليمياً، يُفتَح فيها الكتاب المقدس، ويُروي به الكاهن نفوس أعضاء الأسرة بأنهار كلمة الله، ويسألهم عن حياتهم مع الله وحياتهم معاً، وبنعمة الله التي فيه سوف يُصالح ويُعلِّم ويُرشد. كل هذا مع تكاتف وتكافل العائلات القبطية معاً لمتابعة أية مشكلة تحدث قبل أن تتفاقم وتصل إلى الطلاق. أما إذا وصلت الحالة إلى حافة الطلاق، فلابد أن يسعى الكاهن بمساعدة العائلات التقية إلى محاولة التوفيق بينهما وإزالة الأسباب التافهة التي قد تكون قد تضخمت بطريقة مزيفة. على أن يسند كل هذا اجتماعات صلاة مُكثَّفة من كافة أعضاء الكنيسة في الإيبارشية أو المنطقة، لتشديد الضعفاء التي أتى المسيح ليشفي الضعف فيهم، ولتليين قساوة القلوب، التي قال المسيح إنها السبب الأول والأهم للطلاق. هذا الكلام ليس نظرياً. لأننا رأينا آباء رعاة مُخلصين في القرن الماضي صلُّوا وجاهدوا وتعبوا وبذلوا أنفسهم في هذه الحالات، وتكللت جهودهم بالنجاح. كما رأينا في بيوت الأقباط آباءً وأُمهات يقودون بيوتهم بالتقوى وكلمة الله والصلاة. ورأينا مقصورة الصلاة العائلية في صالة البيت يجتمع حولها أفراد الأسرة يُرنمون ويُصلُّون ويتأملون في كلمة الله معاً، ويُصفُّون ما يكون قد حدث بينهم من جفاء أو أي شيء يُعطل سلامهم ووحدتهم، فيتصافون ويتصافحون بقبلة المحبة والسلام. بهذا سوف تتقلص أعداد هؤلاء المُطلَّقين وسيسود السلام والوحدة داخل بيوتنا المسيحية.
- إن الضجة التي حدثت نتيجة ازدياد أعداد حالات الطلاق إنما ترجع أساساً إلى ضعف التعليم الروحي للأقباط، وإلى ضعف الافتقاد الروحي والرعاية الأبوية للأسر المسيحية، وأهم من كل هذا خفوت القدوة الشخصية لإكليروس الكنيسة أمام الأقباط، بحيث لا يستطيع الرعاة أن يقولوا للأزواج المُختلفين معاً بسلطان الروح القدس، أي بفم ملآن، وقلب صادق، وبشهادة السيرة الحسنة، يقولوا ما قاله القديس بولس للمؤمنين عدة مرات: "كونوا متمثِّلين بي كما أنا بالمسيح" (1 كورنثوس 1: 11، 4: 16؛ فيليبي 3: 17؛ 2 تسالونيكي 3: 9).
- إن الكنيسة محتاجة أن تبحث جذور وأسباب محنة ووباء الطلاق الذي هاجم الأقباط، على ضوء وصايا الإنجيل وتعاليم الرسل للإكليروس المختصة بافتقاد ورعاية المؤمنين روحياً.
- لذلك ينبغي أن تُنظَّم هذه الإجراءات الرعوية في الإيبارشيات بإشراف ومتابعة الأسقف، وحينئذ تنتقل مهمة تقرير التصرُّف مع حالات الطلاق من تركيزها في يد شخص واحد – كما هو الحال الآن – هو وحده الذي يقول لكل حالات الطلاق لدى الأقباط في العالم "نعم" أو "لا"، أن تنتقل إلى أصحاب الشأن من الرعاة (أسقفاً وكهنة وعائلات تقية) كل حالة في إيبارشيتها. وهذا هو الوضع الطبيعي والتاريخي الذي لا بد أن يرجع حالاً إلى الكنيسة، لأن هذا هو أساس خدمة الكنيسة، كما قال الرسول بولس لرفيق خدمته برنابا قديماً: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، كَيْفَ هُمْ» (سفر أعمال الرسل 15: 36). ونعتقد أن تغيير هذا الوضع الطبيعي والتاريخي للخدمة الرعوية للكنيسة منذ زمان هو سبب أساسي لانفجار مشكلة الطلاق الآن.
- مرة أخرى نكرر، وسنظل نكرر، أن مشكلة الطلاق مشكلة رعوية قبل أن تكون قانونية، ويجب أن تُناقش على هذا الأساس، لأنها تُناقش داخل الكنيسة وليس الدولة، وهكذا تكون الحلول في يد أسقف وإكليروس وأتقياء الشعب في كل إيبارشية. كل هذا وأخبار زوجات الكهنة الهاربات أمام عيوننا الدامعة وقلوبنا الحزينة ونحن نكتب هذا المقال.
(يتبع البنود الباقية في المقالات القادمة)