التهمة مصري
بقلم: أماني موسى
تقدم القاضي نحو ذلك القفص الحديدي العتيق والموضوع بداخله إنسان تبدو عليه ملامح البؤس والشقاء والعناء يعلو جبينه، وهامته منخفضة نحو الأرض ويداه مكبلتان بأغلال قوية وكذا عيناه مغماه برباط صلد ملتف حول وجهه كاملاً....
فاقترب القاضي إليه أكثر وأكثر متسائلاً: كيف يكون هذا الكائن الضعيف متهم ومسجون بذلك القفص الحديدي؟! وأي تهمة ارتكبها ليتحمل كل هذا العناء؟!!
وازدادت تساؤلاته حين اقترب أكثر من المتهم وسأله عن سبب تواجده بهذا القفص وسبب تكبيله بكل تلك القيود على جسده وعيناه ويداه و.... ولكنه لم يتلقى أية إجابة مما زاده دهشةً وعجبًا، صارخًا بوجهه: أجبني ما تهمتك وما الجريمة التي ارتكبتها وأتت بك إلى هنا؟؟
ولكن المتهم نظر إليه بخوف والدموع تملأ عينيه ولم ينطق بكلمة، فصرخ أحد الحاضرين بالقاعة: سيدي القاضي أنا اعرف السبب.
وأستكمل: وأعرف جيدًا حجم معاناة هذا "الإنسان"، فهو لم يرتكب من الجرائم أبشعها ولا من التُهم أخطرها بل آتى للحياة باكيًا ككل بني جنسه ولكن زاد عليها كونه خُلق مواطنًا مصريًا.... فكان يبكي لمجيئه الحياة ولكونه سيصبح مواطن مصري أي كُتب عليه الشقاء والعناء ليكونا عنوان لرحلة حياته على اختلاف مراحلها.
فهو لم يختار وظيفته كبواب أو زبال أو حتى موظف حكومة مرموق، فجميعهم لهم نصيبهم من البؤس والشقاء والعناء.... وأكمل: وعليك بالتأكد من ذلك سيدي القاضي من خلال تجوالك في الشارع المصري ولترى بنفسك ما وصل إليه حال المصري.... فالوجوه بائسة والأجساد ضعيفة قد أكلها المرض، والابتسامة قد فارقت الشفاه وعلت علامات التجهم الهامات.
ولتركب سيدي القاضي أي وسيلة مواصلات مترو أو أتوبيس ولترى بنفسك يا سيدي القاضي حال المتهم مصري والذي كان سابقًا مواطن مصري، ، فهو لم يرتكب جرمًا بل كل ذنبه أنه مواطن مصري وأصبح الهم والبؤس هو النتيجة الطبيعية لكونه مصري.
ذلك المشهد هو نتيجة لرؤية متكررة ومتتالية لوجوه المصريين بالشوارع والمواصلات العامة والتجهم قد علا جباهم بشكل مثير للتساؤل، فكل مصري يبدو وكأنه داخل السجن الكبير يؤدي فترة عقوبة كونه مصري داخل سجن الوطن، ومدة العقوبة غير محددة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :