بقلم: هند مختار
أعتقد أننا أول بلد في العالم ابتكر فكرة المواسم في كل مجالات الحياة، فعندنا موسم المدارس، وموسم الصيف، وموسم الامتحانات، وموسم الإجازات، والأعياد..
ومع ميلنا الغير طبيعي لتضخيم الأشياء حتى على حساب أنفسنا، أصبحت تلك المواسم مما قد يحمله أغلبها من بهجة حقيقية؛ إلى مواسم للتنغيص على أنفسنا والآخرين.
فمثلاً "موسم المدارس" تحوّل إلى عبء، مع أنه من المفترض أن يكون فرحة؛ فلقد اجتاز الطالب سنة بنجاح ونُقل لسنة دراسية أخرى، واكتسب مزيدًا من العلم، وها هو سوف يكتسب علمـًا أكثر، ولكن لميلنا للمبالغة والتضخيم أصبحت أعباء المدارس تنتهي ما بين مصاريف دروس خصوصية وكتب خارجية، وملابس جديدة؛ لأنه لا يصح أن يذهب الطالب بملابس العام الماضي، حتى وإن كانت ما تزال صالحة.
"موسم الصيف" تحوّل إلى عبء مادي؛ فيجب أن تذهب العائلة للمصيف، حتى وإن كانت لا تملك تغطيته، فنحن لا نملك أصلاً ثقافة الإجازة، ولا معنى لدينا للذهاب للحدائق أو المتاحف أو لنزهة النيل، أو حتى لحفلة مجانية بل يجب التصييف مثل القريبة والجارة.
أما أكثر المواسم في مصر نكدًا على مخاليق ربنا فهو "موسم رمضان"، والذي من المفترض أنه شهر الصوم؛ إلا أننا حولناه لشهر الطعام واكتساب طبقات من الشحم واللحم، وتكديس الثلاجات بالطعام، هذا بالإضافة لتحويله لموسم الكسل بحجة أننا صائمون، مع أني أعلم من احتكاكي بالناس أن أغلبهم يخرج من منزله بدون إفطار الصباح أصلاً، وتكون وجبة الغداء في الخامسة أو السادسة هي أول وجبة يتناولوها.
ومع ذلك فهو صائم وجائع وعطشان ومزاجه "مقريف"؛ فقرر أن يقضي رمضان في البيت علشان يكفي الناس شره وصيامه ما يبطلش، مع أن الغرض الأساسي هو الاستمتاع بالنوم، فرمضان مصحوبـًا بالعيد موسم النوم والبيات في جزيرة القطن؛ (كناية عن السرير).
هذا بالإضافة لكون رمضان موسم المسلسلات؛ فتتنافس الفضائيات في جعل الناس عبيدًا للشاشة، وتصبح هي كل دنياهم، ومَن لم يتابع المسلسل بدقة فسد عليه الصيام.
أما أهم موسم في رمضان فهو موسم الفضائح؛ فلقد شاهدت أول حلقة من برنامجين حواريين؛ الأول لـ"وائل الإبراشي" و"مجدي الجلاد"، وقد تراشقت فيه كل من الممثلة "آثار الحكيم" والمخرجة "إيناس الدغيدي" كل منهما يالسباب العلني؛ فالأولى تبشر الثانية بالنار لأنها مفسدة في الأرض، والثانية تقول عنها أن بدايتها كانت في الكباريهات، يحدث هذا في أول حلقة.. فما بالنا بالباقي!!!
وبعد ذلك يثور أهل الفن حينما يتهمهم الجمهور بالفساد الخلقي، مع أن الجمهور على حق؛ فالفن ارتقاء بالإنسان وليس وصلات ردح وشرشحة.
والبرنامج الثاني للمذيعة "منى الحسيني" تحاور فيه "ليلى غفران" وتتهمها بأنها لم تربي ابنتها، ولم تعتني بها، وأنها السبب في مقتلها بعدم متابعتها، هذا بخلاف الأسئلة المستفزة، من نوعية عاملة إيه بعد موت بنتك؟؟ وإزاي تشتغلي بعد ما ماتت؟؟ وغيرها من الأسئلة المستفزة جدًا وغير الصريحة جدًا؟!!
رمضان موسم المقالب في المواطنين والفنانين بدعوى الكاميرا الخفية، وموسم الأسئلة التي سوف تدخلك الجنة وتكسبك رحلات حج وعمرة!! هذا بالإضافة لكوّن رمضان موسم الزحام (عايزين نلحق الفطار)، والكل متكدس في وسائل المواصلات والطرق للحاق بالطعام؟؟
عندي اقتراح... أن نقوم بعمل موسم للصمت، ولو لأسبوع في السنة نسكت فيه جميعـًا ولا نتكلم، ونُخرِس التليفزيون ونغلق الهواتف المحمولة والأرضية، ونعيش في حالنا ومالناش دعوة بحد ولا حد يبقى له دعوة بينا، ونقاطع الصحف ونجلس في منازلنا ونسميه "موسم الصمت الرهيب"؛ لعلنا حينما نفعل هذا نهدأ قليلاً ونستطيع أن نواجه باقي مواسم السنة.