بقلم: جرجس وهيب
لابنى "بولا" البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف، صديق حميم بحضانة الجمعية القبطية بمدينة "ناصر" اسمه "محمد". فـ"محمد" إذا ذهب إلى الحضانة مبكرًا انتظر ابنى "بولا" بجوار الباب، ويرفض دخول الفصل أواللعب قبل أن يحضر "بولا". وإذا ذهب ابنى مبكرًا ينتظر وصول "محمد". وما إن يجتمعا حتى يبدأن اللعب معًا، غير مهتمين بأى اعتبارات، كونهم من ديانتين مختلفتين، قد يكونا سببًا فى إنهاء صداقتهما فى المستقبل.
وإذا رأى أحدهم الآخر بالشارع، يترك يد والده أو والدته ليسرع ناحية الآخر.
وعلى نفس السياق، تعرّض ابن أخى "يوسف" (7 سنوات) لحادث أثناء لعب كرة القدم مع عدد من زملائه، نتج عنه (4) غرز بالرأس. وما إن وصل إلى المنزل حتى جاء أربعة من زملائه من كانوا يلعبون معه، وهم: "مازن" و"أبانوب" و"هادى" و"فادى"؛ لزيارته والإطمئنان عليه، حاملين معهم هدية عبارة عن كيس شيبسى فئة الـ 50 قرش، وكيس كاراتية فئة الـ 25 قرش، وزجاجة عصير فئة الـ 50 قرش... منتهى الصفاء والنقاء والبساطة.
عندما أرى ابنى وصديقه "محمد"، وأتذكر زيارة "مازن" و"هادى" و"أبانوب" و"فادى"، أتذكر عدد من أصدقائى وزملائى وجيرانى من الإخوة المسلمين، من تربيت وتزاملت معهم طوال فترة ما قبل الدارسة، ثم المرحلة الإبتدائية والإعدادية. وجاء الفراق فى المرحلة الثانوية، بعد أن بدأ بعض مدرسي اللغة العربية، وخاصةً خريجى الأزهر الشريف وكليات دار أصول الدين، فى تلويث أفكار زملائى بمعلومات مغلوطة وخاطئة عن المسيحيين، فقد قال زميل لى فى المرحلة الثانوية- بعد رجوعنا للفصل بعد حصة الدين، والتى نضطر ويضطر المسيحيين حتى الآن للخروج من الفصل لحضورها فى أحد الفصول أو القاعات أو حتى فى الحوش: إن مُدرّس اللغة العربية، قال لهم: إن المسيحيين أنجاس، ومشركون، ويرتكبون المعاصى فى الكنائس، وأثناء الإحتفال بعيد رأس السنة الميلادية يتم إغلاق النور، وتحدث تجاوزات جنسية داخل الكنائس. كما أن عدد من الأديرة يوجد تحت أرضية الكنائس مقابر جماعية للأطفال الذين تم إنجابهم من الرهبان والراهبات بطريقة غير شرعية، وتم دفنهم تحت الكنائس والأديرة!!!!
فهذه ليست أفكار بعض مدرسى اللغة العربية فقط، ومن نقلها إليهم، وإنما هى إنطباعات وأفكار عدد كبير من الإخوة المسلمين، والتى تنتقل إلى أبنائهم وأحفادهم دون أن يكون هناك فرصة لتغيير ذلك، أو موقف من بعض القيادات التعليمية ضد هؤلاء الذين يبثون السموم فى نفوس الأطفال الصغار. وكلما رأيت "بولا" و"محمد" يلعبان معًا دون أى حساسيات، تمنيت ألا تكون نهاية صداقة طفلى وزميله "محمد" وابن أخى وزملائه "مازن" و"هادى" نفس علاقة بعض أصداقائى وزملائى.
وهذا لا يمنع أبدًا أن لى الكثير من الصداقات بزملاء من الإخوة المسلمين تزاملت معهم منذ الدراسة الإبتدائية وحتى الآن، فضلاً عن صداقات الجامعة، وصداقات العمل الكثيرة، والتى أعتز بالكثير منها، والتى تصل إلى حد الإخوة مع عدد كبير منهم.
ولكن لماذا لا تكن كل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين قائمة على الإخوة فى الإنسانية، وليس دخل للدين فى ذلك؟!!
كما أتمنى من وزارة التربية والتعليم، والتى يقود فيها الدكتور "أحمد زكى بدر" ثورة تنظيم وتصحيح، أن يضرب بيد من حديد على من يحاول إفساد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وخاصةً فى السن المبكرة. بل تجريم ذلك وفصل المدرس الذى يحاول إفساد عقول الأطفال الصغار، وتخصيص جزء فى أحد المواد لشرح مبسط للعقيدة المسيحية.
وأتمنى أن نرى قريبًا فى التليفزيون المصرى المملوك للدولة، والذى يُموَّل من دافعى الضرائب المسلمين والمسيحيين، برنامجًا واحدًا مسيحيًا يقدمة أحد رجال الدين المسيحي؛ لشرح العقيدة والرد على مثل هذه الإتهامات المضللة. وأعتقد أن الجو العام فى "مصر"، وحالة الحراك الموجودة فى البلد تسمح بمثل هذا البرنامج، والذى سيكون له تأثير كبير على المدى البعيد.