أرض النفاق 5
بقلم: سامح سليمان
يجب على الإنسان الناضج الواعي المنطقي العقلاني، الذي يحيا في مجتمع بدائي حيواني همجي سادي منافق مستغل، أن يتوافر لديه قدر جيد من التيقظ والتأهب، ودرجة كبيرة من الشك والريبة وعدم التصديق، أو الانبهار بأي شيئ، أو بأي فكرة، أو بأي شخص، ولا يحدث هذا الانبهار إلا بسبب ضعف الرؤية، ونقص الخبرة؛ فلا يوجد في الحياة ما يستحق الانبهار.
ويجب أيضًا توخي الحذر الشديد، حتى من أكثر الناس إظهارًا لمحبته، والتأييد لأفكاره وآرائه وأفعاله وردود أفعاله وقراراته، مهما كانت درجة قرابتهم البيولوجيه أو الاجتماعية؛ فأفضل أصدقاء اليوم ربما يصبح أسوأ وأقذر وأشرس وأقسى أعداء الغد، وأكثرهم قسوة وبطش ووحشية ورغبة في الإيذاء.
فلا تعتقد أن توافقك واتفاقك مع البعض ممَن يؤيدونك في أفكارك وتصوراتك وأهدافك، سوف يدفعهم ويؤدي بهم إلى مساعدتك ومساندتك؛ بهدف إنجاحك وتحقيق أمانيك ورغباتك ومشروعاتك التي تتوافق مع أفكارهم ورغباتهم وأمانيهم ومشروعاتهم، فأنت بالنسبة لهم لست إلا مجرد منافس وخصم يجب إزالته وإزاحته وهدمه وتحطيمه نفسيـًا ومعنويـًا والقضاء عليه.
يجب على كل إنسان واقعي، يرغب في مواجهة الحياة بمنطقية وعقلانية، أن يخفض من سقف تمنياته وتوقعاته الإيجابيه من الحياة ومن المحيطين به، وأن يتمتع بالقوة النفسية والفكرية والاقتصادية والجسدية أيضًا، إن كان ذلك في الإمكان، والحزم والحسم والشدة والصلابة اللازمة لمواجهة الحياة التي فُرضت عليه دون إعطائه الإمكانية أو الحق في قبول أو رفض المجئ إليها، وأن يعرف أن الحياة بصفة عامة ليست إلا سلسله طويلة من استعباد واستغلال وإذلال الأقوى للأضعف، ولا أقصد فقط الأقوى من حيث البنية الجسمانية والعضلية، ولكن أيضًا أقصد الأقوى اقتصاديـًا وعقليـًا ونفسيـًا وفكريـًا، والأكثر دهاءًا ومعرفة، وفهم وإدراك لطبيعة الحياة
فيجب ألا ننسى أن المعرفه قوة، والأكاذيب والصراعات والمعارك المتلاحقة المتتالية، ومؤامرة محكومة ومحبوكة، وخدعة كبرى، وقصة عبثية حزينة مؤلمة، كان من الأفضل لو لم تُكتب من الأساس، ومآساه مبكية مضحكة، ومسرحية هزلية ساخرة أُخرجت بشكل مأساوي جنوني، ومسلسل عبثي كئيب عديم المعنى، ينتمي إلى الكوميديا السوداء قد طالت مدته أكثر من اللازم بكثير جدًا، وبلا أدنى مبرر لذلك، ويجب عليه إن أراد النجاح في مزبلة ومعركة الحياة، أن يعرف الدور المناسب له، ويكافح ويصارع للحصول عليه، ويفهمه ويتقمصه ويتقن أدائه، وأن يحب ذاته بدرجة معقولة، ويتقبلها كما هي، ويسعى لتغيير ما يمكن تغييره من صفات أو ظروف تعوق مسيرة نجاحه، وأن تتطور شخصيته للأفضل، وأن يصبح أكثر تفاعلاً وصلاحية للحياة.
فالحياة في المجتمعات المحكومة بعقلية ونفسية العبيد، وسياسة الإلهاء والتجييش والحشد والقطعنه، لا تعطي القيمة أو الاحترام أو الحق في تبوأ المناصب والوجود الفعلي إلا للأقوياء.
فنحن مجتمع "سادومازوشي"، يقدس القوة ويتلذذ بخلق واختلاق وتأليه الفاسدين والمفسدين والتعبد لهم؛ فمَن بيده القوة هو مَن يشكل ويصيغ ويصدر التشريعات والقرارات، ويضع القواعد والقوانين والقيم والمعايير والتصنيفات، ويحدد الخطأ والصواب والمنطقي والغير منطقي، والمسموح والممنوع والمشروع والغير مشروع.
فالتاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون وليس المؤرخون، والحياة بصفة عامة، وفي المجتمعات المتأخرة الغير مدنية بالأكثر، لم ولن تحمي الضعفاء أو البسطاء أو المغفلين، ولم ولن تقبل بوجودهم إلا كأحذيه للارتداء أو دواب للركوب أو كدرجات سلم يصعد عليه السادة المتيقظين النابهين الفاهمين، أو كخدم وعبيد، أو في أفضل الأحوال كمجرد مساعدين.
ولذلك يتحتم على كل راغب في الحياة والتواجد الفعلي، أن يتمتع بقدر كافٍ من الغريزة والطبيعة والنفسية والعقلية القتالية الدفاعية، وأيضًا الهجومية، والصلابة والإصرار والمثابرة، وحب وتقدير لذاته، وإيمان بقدراته واستحقاقه للنجاح، فمَن لا يتقبلون ذواتهم ويحبونها ويحمونها ويدافعون عنها بكل حزم وحسم وقوة وصلابة وشراسة وقسوة -إذا لزم الأمر- يصبحون ضحايا للعديد من البشر الذين يعشقون ذواتهم بكل نقائصها وعيوبها.
فكلما كنت أقل ثقة بذاتك وإيمانـًا بقدراتك، وأكثر تساهلاً في الدفاع والمطالبه بحقوقك -كما يريدك المجتمع أن تكون- كلما ازداد عدد دواب وحشرات وديدان الأرض الساعية لاستعبادك والطامعة في التلذذ بافتراسك.
الحياة في مجملها قائمة على الافتراس، أنت دائمًا مُستهدَف وتحت المراقبة، فلا تدع أحد يشتم رائحة خوفك، أو يراك في ضعفك، خاصةً في المجتمعات اللاإنسانية، فبها أنت كائن بلا هويه، أنت مجرد رقم، أنت مجرد سلعة في مجتمع لا يؤمن ولا يتعامل إلا بحسب قوانين السوق.
"عبد الله القصيمي": "إن احتمالات ثورة المغامر ضد الحاكم الطيب الفاضل، أعلى بكثير من احتمالات ثورته ضد الحاكم القوي المستبد".
فنحن كثيرًا ما نتجرأ على اصطياد الحيوان اللطيف المستأنس أكثر من جرأتنا على اصطياد الحيوان المفترس.. "أيها العقل.. من رآك"؟؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :