• من المسئول عن إطلاق "البذيئة" وشيوخ الفتنة بلا ضابط عبر شاشات التليفزيون؟
• القنوات المبثوثة عبر الأقمار الصناعية صارت فضاحيات وليست فضائيات!!
• أنا ضد الرقابة على الإبداع لكني مع فرض قدر من الانضباط على ما يعرض و يذاع.. ولو بتحديد السن الملائم لمشاهدته
بقلم: د. يحيى الوكيل
في الماضى كان يُطلق على مَن يسيئ الأدب باستمرار أنه "تربية شوارع"، ولم أكن أعي بالضبط معنى المصطلح حتى تفاعلت مع الحياة العملية؛ ففهمت أنه يعني أن مسيئ الأدب قد عُرض له ما لم يكن يجب أن يعرض له في سن صغير، وبلا توجيه أو تهذيب من كبير.
وعندما يتعرض عقل صغير لما لا يجب أن يتعرض له.. وبدون توجيه، فإنه لا يعي السيئ من الحسن، ويلتقط السيئ بسهولة لينطبع عليه بقية عمره.
خطر ببالي ما سبق وأنا أتفرج بالمصادفة على "البذيئة" تخوض في عِرض "البريئة"، أو هكذا التصق بها الوصف لبراءة تقاطيع وجهها، ومعظم الأدوار التي لعبتها في أفلامها على شاشة التليفزيون.
ولأن الوقت "رمضان"، وهو شهر الشاشة الفضية بلا منازع، فقد شاركني أولادي سماع بعض ما قالت البذيئة؛ هذا حتى فوجئوا بي أطاردهم خارج الغرفة كأسد جسور يفرّق قطيعـًا من الغزلان الوادعة.
لم تكن قسوتي إلا خوفـًا عليهم من أن تلتقط آذانهم بعضـًا من السفالات التي سمعتها من "البذيئة"؛ فيلتقطونها ويكررونها ويهدرون سنينـًا طويلة من التهذيب، صرفتها أنا وأمهم من عمرنا، وكادت البذيئة تضيع تلك السنين هباء الريح في بضع دقائق لوثت فيها الشاشة بطلعتها.
لم أستطع أن أفعل غير ذلك، فأولادي لا يملكون إلا أن يلتقطوا مما يشاهدون في التليفزيون؛ فالإنسان نتاج لبيئته، وكل ما يحتك بالإنسان في فترة التكوين يمثل تلك البيئة.
وجهاز التليفزيون وكل ما يُعرض عليه في هذه الأيام -خاصة مع تكثيف الجرعة في "شهر رمضان"- هو من أهم مصادر التثقيف والتعليم للأولاد، برغم كل ما أفعله من شغل لكل ثانية فراغ ممكنة في حياتهم؛ بالرياضة أو تعليم الموسيقى أو اللغات أو غير ذلك؛ فما زال أمامهم وقتـًا يقضونه أمام شاشته، ومثل غيرهم يلتقطون تعبيرًا من هنا أو حركة من هناك، ولم أكن أود بالتأكيد أن يلتقطوا شيئـًا من "البذيئة".
أنا ضد أي نوع من أنواع الرقابة على الإبداع إلا ضمير المبدع نفسه، لكن لابد من وجود آلية دفاعية تحمي أولادنا من عديمي الضمائر أمثال "البذيئة" ومَن على شاكلتها، ولا يكفي الدفع الأبله الذي دفعت به هي نفسها، بأن لها أن تنتج ما تنتج من سفالة وعري وعلاقات شاذة وما عليها من شيئ؛ لأن الآباء مسئولون عما يشاهده أولادهم.
والعوار هنا واضح؛ فنحن لسنا بسجانين نخنق أولادنا طوال الأربعة وعشرين ساعة في اليوم، والوالد الذي يفعل ذلك يمحو شخصية أولاده ولا يربيهم.
المفروض أن مَن يتصدى للبث المرئي على الترددات الأرضية أو الفضائية، عالِمٌ بكل ما سبق، وعالِمٌ بتأثير ما يذيع على المتلقين، ولكنهم يتركون أمثال "البذيئة" وغيرها من لاعبي الكرة؛ الناقصي الثقافة والعلم وشيوخ الجهل والفتن وغيرهم وغيرهم، يتركون هؤلاء وأولئك يسممون عقول أولادنا، و يلوثون قيمهم، ويدمرون أخلاقياتهم، ولا أدري متى ينتهون؟؟ ومتى يمارسون رقابة الضمير الذاتية المطلوبة منهم؟؟
ما الفارق بين فيلم "بورنو" الذي لا يصلح للعرض العام، وبين ما تناقشه "البذيئة" في برامجها، سواء كذلك البرنامج الذي استضافها وشاء حظي العاثر أن أشاهد بعضًا منه، أو البرنامج الذي تقدمه هي على فضائية حكومية؟ وما الفارق بين مثل هذا الفيلم أو أسوأ أفلام الرعب وسفك الدماء، وبين بعض ما يناقشه شيوخ الفتة والفتنة على فضاحياتهم؟؟
مَن يحمي لنا أولادنا من تربية التليفزيون التي تزيد سوءًا على تربية الشوارع؟؟
إن الدولة التي تلقي بالمدونين والكتّاب في السجون فقط لإبداء الرأي، وفي مواضيع سياسية لا تمس أخلاقـًا ولا عرضًًا، ثم تفشل في السيطرة على أخلاقيات ما يُعرض على شاشات هي مسئولة عما يبث عليها لهي دولة فاشلة ومنافقة، وعليها إيجاد وسيلة لإيقاف مثل تلك المهازل.