• دمج الأشخاص ذوى الإعاقة في سوق العمل يحتاج إلى بداية صحيحة، وحلول مبتكرة تنطلق أولاً من توعية المجتمع بأهمية ترسيخ منظومة الحقوق المتساوية بين المواطنين المعاقين وغير المعاقين.
• هناك العديد من الجمعيات الأهلية المهتمة بشئون الأشخاص ذوى الإعاقة فى "مصر"، وتعمل جمعيها على العمل بقدر إمكاناتها لخدمة الأشخاص ذوى الإعاقة بتقديم خدمات اجتماعية، وتأهيلهم مهنيًا.

تحقيق: مادلين نادر  - خاص الاقباط متحدون

لقد أصبحت نسب ومعدلات البطالة فى "مصر" فى زيادة مستمرة ترصدها التقارير فى كل عام، ولكن إذا كان الشباب فى "مصر" يعانى بشكل عام من عدم إتاحة فرص عمل لهم، فإن الأشخاص من ذوى الإعاقة معاناتهم فى هذا الأمر مضاعفة. بل وإنه قد يتم التمييز ضدهم فى بعض مجالات العمل التى يستطيعون القيام بها.

 ولا يختلف الأمر بين محافظة "القاهرة" والمحافظات الأخرى- سواء فى صعيد مصر أو الوجه البحرى- بل قد تشتد ضراوة المشكلة مع ذوى الإعاقة.

تشغيل ذوى الإعاقة وكثير من الصعوبات العراقيل
 وبالرغم من وجود القانون رقم (49) لسنة 1975،  والمُعدَّل بالقانون رقم (39) لسنة 1982 الذى يُلزم المؤسسات التى يعمل بها خمسون شخصًا فأكثر بتعيين نسبة 5 % من الأشخاص ذوى الإعاقة بها، إلا أن تشغيل ذوى الإعاقة أمر يجد الكثير من العراقيل والصعوبات، حتى بالرغم من الإعتصامات التى استمرت لشهور أمام مجلس الشعب، والتى طالب فيها الأشخاص ذوى الإعاقة بفرص عمل وأخذوا وعودًا من بعض الجهات الحكومية، إلا أنها لم تتحقق بعد؟!
حاولنا الإقتراب من قضية تشغيل ذوى الإعاقة، وما يعترضهم من مشكلات، فتحدثنا إلى مجموعة من الشباب ذوى الإعاقة من محافظات مختلفة؛ للتعرف على تجاربهم فى البحث عن عمل.

المراوغة والمماطلة
قال "سمير جيد"- المنيا ويعانى من إعاقة حركية (شلل أطفال): إنه حاصل على ليسانس آداب منذ عام 2003،  وقد تقدّم لوزارة القوى العاملة لإيجاد فرصة عمل مناسبة حسب نص القانون على تعيين نسبة 5 % فى كل مؤسسة يعمل فيها أكثر من خمسين شخصًا، كما قام بالعديد من المحاولات، وإرسال الطلبات إلى الإدارة المركزية للتشغيل، وإلى معلومات سوق العمل بوزارة القوى العاملة، فى محاولات لإيجاد فرصة عمل  بمحافظة "المنيا"، مشيرًا إلى أن الرد جاءه فى 23 مارس الماضى، يحمل فى طياته صيغة تبعث على الأمل، حيث كان الخطاب يطلب منه التوجه إلى محافظة "المنيا"، والتقدم بأوراقه للإلتحاق بالعمل. مؤكدًا أن ذلك كان مجرد بداية لفترة من المراوغة والمماطلة، فكل مرة يذهب فيها لمكتب القوى العاملة بـ"المنيا"، يطلبون منه الذهاب فى يوم آخر أو إلى فرع آخر للمكتب بإحدى مراكز "المحافظة"!!!!!

وأكد "سمير" أنه بعد أكثر من شهرين، قالوا له: للأسف لا توجد تعيينات للأشخاص المعاقين فى الوقت الحالى. وأن هذه المشكلة تكررت مع العديد من معارفه من ذوى الإعاقة، ولا يهتم بهم أحد للحصول على عمل كما ينص القانون."
 
عقوبة عدم تشغيل 5% من المعاقين غير رادعة بالمرة
أما "عزيز كرم"- محافظة "أسيوط"، والذى يستخدم كرسيًا متحركًا- فقال: "لا يوجد من يهتم بتطبيق القانون فى هذا المجال، خاصة وأن القانون الحالى جعل الغرامة التى يدفعها أصحاب الأعمال عن عدم تعيين نسبة 5 % من ذوى الإعاقة فى مؤسساتهم هى (100) جنيه فقط
لا غير...!! فالعقوبة ليست رادعة بالمرة. ولكنى دائمًا أتسائل: لماذا لا يمنحون لنا الفرصة لنثبت مهاراتنا فى العمل، ويحكمون علينا حسب نظرة المجتمع السائدة إلينا؟ حيث ينظرون إلينا نظرات شفقة وعطف فقط، وأننا لا نستطيع أن نكون منتجين أبدًا."

مشكلة مزدوجة
وقالت "عبير عادل"- المنوفية، وذات إعاقة بصرية: "إن مشكلتها فى الحصول على عمل هى مشكلة مزدوجة، أولاً- لأنها من ذوى الإعاقة. وثانيًا- لأنها فتاة، ولماذا تقوم بالخروج من المنزل، والتعرض للمخاطر، فهى غير مطلوب منها العمل كما يقولون لها دائمًا.

عدم الشعور بالخصوصية والإستقلالية
وأضافت "عبير": إنها كثيرًا ما تشعر بالإحباط، فبعد أن اجتهدت كثيرًا للحصول على مؤهل متوسط، إلا إنها تجلس بين جدران المنزل كثيرًا بمفردها دون أن يكون لها مجال عمل أو اهتمامات خاصة. مؤكدةً أنها دائمًا مرتبطة بمن حولها داخل الأسرة، لكنها لا تستطيع أن تشعر بالخصوصية والإستقلالية.

وبالرغم من معاناة الكثيرين من الأشخاص ذوى الإعاقة، إلا أنه لا تزال هناك مبادرات تبعث على الأمل والتفاؤل فى مجال تشغيل ذوى الإعاقة. وإن كانت مجرد بدايات، لكنها إذا استمرت فبالتأكيد ستنعكس بالإيجاب على الحد من مشكلة بطالة الأشخاص ذوى الإعاقة.

دراسة للمجالات التى يحتاجها سوق العمل وتتناسب مع قدرات النعاقين 
وحول هذه المبادرات، تحدثنا إلى "سيد جمعة"- رئيس مجلس إدارة إتحاد هيئات رعاية الفئات الخاصة والمعوقين- فقال: إن دمج الأشخاص ذوى الإعاقة في سوق العمل يحتاج إلى بداية صحيحة، وحلول مبتكرة  تنطلق أولاً من توعية المجتمع بأهمية ترسيخ منظومة الحقوق المتساوية بين المواطنين المعاقين وغير المعاقين. بالإضافة إلى وجود مبادرات حقيقية من رجال الأعمال لمواجهة المشكلة، والدفع بتخصيص فرص عمل للأشخاص المعاقين بالشركات من خلال تدريبهم بشكل جيد على المهارات التى يتطلبها العمل فى مثل هذه الشركات والمؤسسات؛ لفتح المجال لبعض الأشخاص من ذوى الإعاقات لإثبات جدارتهم فى العمل والإنتاج حتى يجدوا مجالاً جيدًا لإثبات الذات. موضحًا أنه من غير المعقول أن يقوموا بتدريب الأشخاص ذوى الإعاقة على مهارات لم يعد لها مجالاً فى أرض الواقع. حيث يجب أن يدرسوا أولاً المجالات التى يحتاجها سوق العمل، وفى نفس الوقت تتناسب مع قدرات ومهارات وإعاقة الأشخاص ذوى الإعاقة.
 
التأهيل الجيد هو البداية لإيجاد فرص عمل للمعاقين
ومن جانبه أشار "صلاح شاكر"- مدير نادي فرسان الإرادة والتحدي سابقًا- إلى دور الجمعيات الأهلية فى هذا المجال، فقال: إن هناك العديد من الجمعيات الأهلية المهتمة بشئون الأشخاص ذوى الإعاقة فى "مصر"، وتعمل جمعيها على العمل بقدر إمكاناتها لخدمة الأشخاص ذوى الإعاقة بتقديم خدمات اجتماعية، وتأهيلهم مهنيًا. وتحاول التطرق لحل مشكلة بطالة ذوى الإعاقة. مؤكدًا أن التأهيل الجيد كان هو البداية لإيجاد فرص عمل مناسبة لبعض الأشخاص من ذوى الإعاقة،  إلا أنهم كثيرًا ما يواجهون مشكلات من أصحاب الأعمال فيما يتعلق بتخوفهم من التجربة، لكن الكثير منهم بعد القيام بتشغيل ذوى الإعاقة فى مؤسساتهم،  قاموا بطلب المزيد من هؤلاء الأشخاص المُدرّبين والمؤهلين على مهارات العمل والتواصل الجيد."

تعيين المعاقين خوفًا من التفتيش وسلبيات ذلك
واتفقت معهم فى الرأى "حنان نيقولا"- مسئولة المساندة الأسرية بمركز سيتى للتدريب فى مجال الإعاقة- فقالت: بالفعل التدريب والتأهيل الجيد هو البداية للحصول على فرصة عمل، وإن كانت تواجه بعض الصعوبات أيضًا، ولكن هذا الأمر- فى رأيها- أفضل من أن يقوم أصحاب الأعمال والشركات بتعيين الأشخاص ذوى الإعاقة بشكل صورى، بمعنى إنهم يقومون بعمل أوراق رسمية لتعيينهم؛ خوفًا من التفتيش من قبل وزارة القوى العاملة، ولإثبات أنهم يقومون بتشغيل النسبة المقررة فى القانون من ذوى الإعاقة. ولكن الواقع الفعلى يكون جلوس الشخص من ذوى الإعاقة بمنزله، والحصول على راتب ضئيل فى مقابل إدراج أوراقه داخل الشركة، مؤكدة أن هذا الأمر له عدة سلبيات:
 أولها- تأثيرها على الحالة النفسية للشخص ذوى الإعاقة، وشعوره بأنه غير قادر على العمل.
وثانيها- إنها تشجع على نظرة الشفقة لذوى الإعاقة دون دمج حقيقى لهم داخل المجتمع.