بقلم: القس بيمن الطحاوى
تُوصى الكنيسة أبنائها من خلال الوعظ والتعليم، بضرورة المساهمة الإيجابية والمشاركة الفعّالة في مؤسسات الحكم السياسية والدستورية، حيث لا تكون صفة المواطنة إلا لمن يُشارك في حكم بلده، وحيث يُعتبر وعى الإنسان بأنه مواطن أصيل في بلاده، وليس مجرد مُقيم يخضع لنظام دون أن يُساهم بشكل ما في صياغة هذا النظام، نقطة البدء الأساسية في نظرته إلى نفسه وإلى شركائه في المواطنة.

فعلى أساس هذه المشاركة تأتى المساواة: فلكل مواطن نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، ومن ثّم يأتي جهد الشخص في إطار الجماعة لممارسة صفة المواطنة والتمسك بها والدفاع عنها.

وتحث أبنائها- كمواطنين صالحين- بالحصول على بطاقة الإنتخاب، وممارسة الحقوق التي تكفلها هذه البطاقة لصاحبها، وتعلِّمهم أن الإهمال في الحصول على هذه البطاقة يعنى الإستقالة من صفة المواطنة.

وليس الأمر مجرد التشجيع على القيد في جدول الناخبين، أو الإشتراك في انتخاب أعضاء المؤسسات المختلفة فقط، بل المشاركة في حياة الوطن في كافة مجالاتها بمختلف الأساليب التي كفلها الدستور، ونظمها القانون، بدءًا من إبداء الرأي في الشأن العام.

وبلا شك، لا يمكن أن تكون هذه المشاركة ذات وزن وفاعلية إن لم يستكمل المواطن متطلباتها بإعداد نفسه للقيام بهذه المهمة.

ولكي تُعد الكنيسة أبنائها للمشاركة الفعَّالة، تهتم بتنمية وعيهم بالمشاكل التي يواجهها الوطن في المرحلة الراهنة، والتأمل في الحلول الممكنة، وتشجعهم على  القراءة وإعمال الفكر والحوار مع الآخرين، ومتابعة ما يدور على الساحة في الحياة العامة؛ حتى يستطيعوا أن يبنوا نشاطهم السياسي على أساس سليم. وفى هذا المجال تحث أبنائها على ضرورة الوعي التاريخي بمراحل الحركة الوطنية والدستورية.

ولما صار العالم اليوم بمثابة قرية صغيرة، وأصبحنا في عصر تلاشت فيه المسافات بين الدول؛ توضح الكنيسة لأبنائها أن وعى الإنسان لا يكمُل إلا بالتعرف على ما يجرى على الساحة الدولية من تغيرات سياسية وثقافية، وإعمال الفكر، والتأمل في مضمون ذلك كله.

وتنبه الكنيسة أبنائها أن اختلاف الدين يجب أن يظل محصورًا في نطاقه، فلا يمس- على أي نحو- وحدة التوجه السياسي، وذلك إعمالاً لمبدأ "الدين لله، والوطن للجميع"، الذي صيغ إبان ثورة 1919 المجيدة، والذي يُعبِّر عن وحدة الكيان التي تحتضن تعدد الأديان. فلكل مؤمن بدين أن يمارس تدينه وعبادته لله، بحسب أحكام دينه. وفى نفس الوقت يحترم حرية الآخر بغض النظر عن عقيدته أو انتمائه الديني. ولا يستطيع أحد أن يُنكر الواقع البديهي، وهو أننا جميعًا ننتمي لوطن واحد، ونرتبط بمصير واحد، مما يستلزم بذل مساعٍ جادة لتجاوز الطائفية، وتوطيد وترسيخ العلاقات بين أبناء الوطن الواحد على أساس قيم المواطنة الكاملة..تلك القيم التي يتأسس عليها كل مجتمع عصري سليم.

ومن خلال خطابها الديني المستنير، تُعلِّم الكنيسة أبنائها أن الأديان السماوية لا تدعوا للحروب والصراعات والإنقسامات، بل البشر أتباع هذه الديانات هم الذين يفعلون هذه الأمور. وأنه عندما يقتل رجال أو نساء آخرين باسم الدين، فإنهم يُظهرون ضعفهم لا قوتهم، إذ لم تُسعفهم الحجج العقلية، فلجئوا إلى العنف وسفك الدماء.

كما تُوضِّح لهم أن المسيحيين والمسلمين يمثلون 55% من مجمل سكان العالم، وبالتالي إذا كانوا أمناء حقًا لدينهم، فبمقدورهم عمل الكثير من الخير للعالم أجمع من أجل الإستقرار والسلام في كافة ربوع العالم.

وتُبيِّن لهم أن المؤمنين بالله يحملون رسالة مزدوجة ألا وهى:

- الله وحده جدير بالعبادة، وتُمثل كل الأصنام المصنوعة من البشر كالغنى، والسلطة، والمظهرية،  والبحث عن اللذة، تهديدًا لكرامة الإنسان المخلوق من الله.

- تحت نظر الله ينتمي البشر أجمعين إلى جنس واحد، وكلهم مدعوون إلى الحرية والإلتقاء مع الله.

وهكذا، تؤكد الكنيسة لأبنائها وأتباعها من خلال خدماتها وأنشطتها المختلفة، أنهم يستطيعون بفضل ما وهبنا الله من عقل وقلب،  واعتمادًا على نعمة الله ومؤازرته، تغيير مسار أحداث العالم،  وتوجيهها حسب مشروع الخالق العظيم، ألا وهو تحويل الإنسانية إلى أسرة حقيقية. وتدعو كل عضو من أعضائها- بل كل إنسان- للمساهمة في هذا المشروع الإلهي تجاه البشرية، وذلك إعمالاً لإرشاد القديس "بولس الرسول" في رسالته إلى أهل رومية: "فلنعكُف إذًا على ما هو للسلام، وما هو للبُنيان بعضُنا لبعضٍ " (رو 14 : 19) فبهذه الكلمات الرائعة، يرسم لنا فيلسوف المسيحية القديس "بولس الرسول" طريق المواطنة الحقة.