CET 00:00:00 - 26/08/2010

مساحة رأي

 بقلم: نبيل المقدس

شغل بالي تصريح كاهن كنيسة العذراء بـ"وادي حوف"، في إحدي الصحف الإلكترونية، ونقلتها بعض الصحف التي تحوم حولها شبهات ليست في صالح وحدة المسيحيين مع بعضهم البعض، ولا وحدة المسيحيين مع إخوتهم في الوطن. كما شغل هذا التصريح أيضا تفكير بعض الأصدقاء من جميع المستويات.
 
 وما أسعدني جدا أنه كان ضمن مَنْ إنضم إلينا صديق مخلص ارثوذكسي , صحيح لم يكن عددنا كثير, لكن عقدنا إجتماعا حبيا وإقترح البعض منا برفع قضية علي هذا الكاهن بالرغم أنه أرسل برقيات إيضاحية للكنيسة الإنجيلية , أكد فيها أن تصريحاته هذه شابها التحريف وأسيء فهمها..
 
فقد شبه المهرطقين والملحدين بالبروتستانت. لكن إكتشفنا أن إقتراحنا برفع دعوة ضد هذا الكاهن كانت ما إلاّ لحظات إنتهزها الشيطان فرصة لكي يشعللها وينسينا أننا كنا علي وشك السقوط في الخطية . إفتكرت وقتها الآية التي قالها رب المجد " لا تقاوموا الشر , بل مَنْ لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا " (متي 5 : 39 ).
 
 لكن علينا أن لا نأخذ هذه الآية بطريقة حرفية . لذلك استأذنكم في سرد حدثين يبينا ما تحويه وتعنيه هذه الاية :-
 المثل الأول : كان أحد أبطال الملاكمة والمشهورين مسيحي مؤمن , حتي أنه فكر بعد إعتزاله أن يكرس نفسه في خدمة الإنجيل. وفعلا بعد ما ترك هذه اللعبة إلتحق بكلية اللاهوت . وعقب رسامته , قابلهُ في الشارع الرئيسي للبلدة صديق قديم لهُ في اللعبة ... قال لهُ الصديق : هل حقا أصبحت مؤمنا كما يقولون ؟ أجاب القس ( الملاكم سابقا) نعم !! وأنا سعيد أنني أخدم المسيح الآن وياليتك تنضم معي لهذه الخدمة . 
 
 سألهُ الصديق : إذاً أنت علي علم بالآية : ( من ضربك علي خدك فحول له الآخر ) ؟... وبدون أن ينتظر جوابا من القس , إذ بهِ فجأة يلطمهُ علي وجههِ لطمة هائلة , وتأذي القس, ولكنه قدم خده الآخر حسب وصية الكتاب . وبلغت الوقاحة بهذا الصديق حتي أنه لطمهُ علي خدهِ الثاني لطمة أقوي من الأولي ... وبعد صمت قليل , قال القس لصديقهِ : " هنا تنتهي مطالب الكتاب المقدس مني , فقد نفذتُ الوصية " ... ثم خلع سترته وإنهال علي صديقهِ بعلقة ساخنة لم يتلقاها حمــار في مطلــع. 
 
 المثل الثاني : كان أحد مدرسي المدرسة الثانوية حديث التخرج وجديد عليها مستندا علي سور المدرسة , فكان شكله العام يقترب من شكل التلاميذ ... فتسلل خلفه بهدوء أحد التلاميذ ظانا أنه أحد زملائه , ولكمهُ علي ظهرهِ لكمة قوية ... وإذ إلتفت هذا المدرس الشاب إلي ضاربه تلعثم التلميذ , وخجل من نفسهِ وقال : " عفوك يا سيدي الأستاذ فقد ظننتك أحد زملائي " , وقال المدرس له بلطف : " وهل من اللازم أن تضرب زميلك بهذه القوة؟؟؟ . 
 
في الحدث الأول نجد أن القس قد طبق ( حرف الوصية ) ... أما في الحدث الثاني فقد طبق المدرس ( روح الوصية ). لذلك وجدنا أن أي إجراء قانوني ضد الكاهن ما هو إلاّ عمل لا يُسر به الرب ... فهو الوحيد الذي يحافظ علي وحدة أعضائه. لكن علينا كإنجيليين أن لا نلتفت إلي هذه التصريحات غير الواعية , ولا نهمل أبدا عظمة وفضل الكنيسة الأرثوذكسية علي مدار القرون السابقة ... فكما نعرف أن كلمة " أرثوذكسي" تعني مستقيم الرأي , وهي لم تُطلق علي المسيحيين إلاّ في أوائل القرن الرابع الميلادي ويالتحديد بعد مجمع نيقية الذي إنعقد سنة 325 ميلادي. وكان من ثمرة هذا المجمع هو قانون الإيمان الذي يردده جميع الطوائف حتي الآن في الشرق وفي الغرب. ومنذ إقرار قانون الإيمان النيقوي أصبح يُطلق علي المسيحي بالأرثوذكسي, فكلمة أرثوذكس هي كلمة عامة تُطلق علي كل من رفض فكر آريوس أو أي فكر حديث يخرج علينا من حين إلي حين آخر مخالف لقانون الإيمان النيقوي . 
 
 
نحن كإنجيليين خاصة وكشعب كنيسة عامة علينا أن نشكر الله من أجل الكنيسة الأرثوذكسية العظيمة لأنها أبقت علي الحياة المسيحية بالرغم أن عدد المسيحيين وصل إلي ربع مليون نسمة في أواسط القرن التاسع عشر ... 
 
فقد حافظت علي العقيدة بالرغم من الإضطهادات التي مرت بها , لذلك تستحق أن تُدعي كنيسة الشهداء. وربما من وجهة نظر الكثيرين من الطوائف الأخري يأخذون عليها بوصفها طائفة متعصبة , لكن نحن كإنجيليين  لا يجوز لنا أن نلومهم أو نهاجمهم , فقد لاقت الكنيسة ومنهم أجدادنا من الإضطهادات المرير ما شتت أعضاءها وسلب أموالها , وتُرِِكوا بدون عون , حتي أصبحت وسائل التعليم غير كافية لخدامها ... وأصبح البعض منهم لا يعرف القراءة ... فهم معذورون ... لكن يكفي أنهم تمسكوا بالعقيدة المسيحية. 
 
 أما الطائفة الإنجيلية فقد كان أوائل الكارزين الرسميين لها هم من أمريكا وأسكتلندا وألمانيا والنمسا وإنجلترا , وهذا كان في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي 1863 ... قرأتُ مقطعا للقس الدكتور لبيب مشرقي وهو من الجيل الثالث للرعاة الإنجيليين يقول فيه : " نعم ... جاءت الكنيسة الإنجيلية من الغرب .... لكنها لم تأخذ إنجيل الغرب " . فقد تسلمت الكنيسة الإنجيلية إنجيل المسيح , وإحتفظت بقانون الإيمان الواحد , لذلك لا داعي أن تُهاجم ويعتبرونها كنيسة غربية , كما يوصفون شعبها بالمهرطقين والملحدين . نحن لا ننكر أن جاءها أجانب , ولكنهم جاءوا ومعهم نسخة مصرية باللغة العربية من الكتاب المقدس حين لم تكن في البلاد أية نسخة كاملة للكتاب المقدس باللغة العربية , حيث تهافت الشعب المسيحي المصري علي هذا الكتاب لأنه لم يصبح غريبا عنهم فقد وجدوا فيه إلههم , وسمعوا وقرءوا رسالته بكل وضوح . 
 
 يقول القس لبيب مشرقي أن الكنيسة الإنجيلية بدأت صغيرة ... ثم أخذت في النمو وإمتددت كنائسها في جميع البلدان والنجوع , فصارت لها إجتماعات ووعظ وتعاليم كتابية , وكانت الرائدة في نشر الكتاب المقدس  بأجزائه باللغة العربية , وأقامت المدارس ورسمت رعاة . وإزاء حركة الكنيسة الإنجيلية تحركت الكنيسة الأرثوذكسية وبدأت تهتم بالخدمات التي كانت قد أهملتها بسبب الظروف التي مرت بها . ومع أن الأرثوذكس كانوا منذ نشاتهم سادة المنابر , وإشتهروا بمواعظهم الخالدة , ودراساتهم المتعمقة من رهبانها الذين كرسوا أنفسهم وأجسادهم وعقولهم لشرح الكلمة .
 
 إلاّ أن الوعظ أغفل عنه سنوات طويلة , ولكنهم عادوا وإهتموا به , وبرز منهم الكثير حتي يومنا هذا . ولا شك أن النهضة التي شملت المنبر الأرثوذكسي , كانت وليدة عوامل كثيرة ... منها نهضة المنبر الإنجيلي , بل لعلها كانت علي رأس هذه العوامل. وهنا يتضح ثمار التعددية للطوائف والمتحدة في جوهر عقيدتها , هذه الثمار تتركز في ثبات هذه العقيدة وفي زيادة تحركات الطوائف في النمو الروحي والإجتماعي , وفي التقدم بإبتكار سبل جديدة للخدمة الروحية طبقا لتغيير الزمان والنهضة التي تحدث في العالم نتيجة للتقدم العلمي. 
 
 سأتجاوز عما يقوله أو يكتبه من يدعون أنفسهم حماة الطائفة الأرثوذكسية من ذكر عبارات غير لائقة , وإتهام الإنجيليين بالزندقة والإلحاد , وسأتجاوز إتهامهم لنا بخيانة الوطن والتعاون مع الهيئات الغربية في جلب عقيدة مخالفة لعقيدتهم ... سأتجاوز عن كل ذلك , لكن سوف لا أحول لهم خدي الآخر ... بل سأطلب من الله أن يسامحهم ويكشف عن عيونهم فيرون إخوتهم , بل يرون أننا أداة خير , لا أداة شر , وأن كنيستنا أدت وتؤدي رسالة الإنجيل بكل آمانة. 
 
الكنيسة الإنجيلية تحتفظ بروح الأخوة لجميع الكنائس الأخري , والتي تنادي بعمل المسيح علي الصليب , وتقر الإيمان النيقوي .... ونحن نصلي دائما في إجتماعاتنا ( وهذه حقيقة ) أن يبارك كل المنابر التي تنادي برفع مجد إسمه , مهما كانت هذه الطائفة ... كما نُصلي أن يجتمع الكل في جبهة واحدة في هذه الحرب الشرسة ضد عدو مشترك ... عدو الخيــــر .!! 
 
الأخوة الأحباء ... رجاء محبة أن لا تعتبروا هذا المقال هو رد فعل منا بسبب تصريحات كاهن كنيسة وادي حوف ضد الكنيسة الإنجيلية... بل هو عتاب محبة ... فنحن نواجه تصريحات هجومية بين الحين والحين من بعض كبار مسئوليي الكنيسة الأرثوذكسية ...!! 
ولا ننسي هذه الصلاة التي رفعها رب المجد إلي الآب يقول فيها : " ليكونوا الجميع واحدا كما انك انت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضا فينا ... يوحنا 17 : 21 !!!!!!!!!!!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٤ صوت عدد التعليقات: ٤٣ تعليق