مشكلة زواج الروسيات من أجانب تتفاقم
الزواج المختلط مشكلة قائمة في روسيا منذ زمن الاتحاد السوفياتي، حيث ينقسم المجتمع بحدة حول امكانية ان يؤدي هذا الزواج الى السعادة العائلية ام انه تجربة محكوم عليها بالفشل. ويبدو ان اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد والقيم الاخلاقية للزوجين، وعدم السعي لتفهمها وقبولها والتوصل لحلول وسط بشأنها، هي الغام قابلة للاطاحة باركان الاسرة في اية لحظة، وهي الاسباب التي حولت زيجات آلاف الروسيات الى كوابيس ملقية بهن على قارعة طريق الحياة مع اطفالهن الذين يحملون القاب غريبة او لهم اشكال شرقية او غربية ليعشوا غرباء غير منتمين لوطن.
موسكو: هناك من يرى ان زواج الروسيات بابناء الجنس الاسمر سيؤدي الى ضياع الجنس الاشقر واصحاب العيون الزرق، وبالتالي انعدام التعددية بالاعراق، ليطغي جنس واحدة، من دون هوية واضحة، وهذا يبعث على الاسى. ومن يقف ضد اختلاط الدماء هذا وتمازج الثقافات لحد ضياعها بالاخرى، يدعو الى عدم التورط فيه.
تايسون وتتيانا
سافرت تتيانا وهي من اهالي بطرسبورغ قبل عدة سنوات الى مصر للراحة والاستجمام والبحث عن فرصة زواج وتكوين عائلة سعيدة. وهناك سلب عقلها وقلبها تايسون المصري، الذي قدم نفسه على انه صاحب منتزه مائي، بمغازلته البسيطة. فتزوجت منه زواجا غير مسجل وانجبت منه طفلا وعاشت معه 6 سنوات لتكتشف ان بيتها اصبح جحيما لايطاق، وتحولت الاسطورة الشرقية بالنسبة للفتاة الروسية كما تقول، الى كابوس حقيقي. ويبدو ان الخوف من ان زوجها يهم جديا بقتلها سيطرت عليها. وتمكنت تتيانا من الهروب من مصر الى روسيا وخيل لها انها حققت النصر على زوجها المصري القاسي. بيد ان تايسون ظهر قبل عدة اسابيع في بطرسبورغ وراح يلاحق الفتاة الروسية ويهددها، وتخشى تتيانا من أن يكون تايسون يخطط لاختطاف طفلهما الصغير.
بهذه المقدمة الطويلة استهل مقدم برنامج "دعهم يتكلمون" الشهير في القناة التلفزيونية الاولى حلقته واستضاف عدداً من خبراء القانون وعلم النفس ورجال فن ودين وتربية، لمناقشة مشكلة تتيانا وتايسون وهو حقا ملاكم واسمه الحقيقي عبد الناصر... والبحث عن منفذ لتسوية القضية. والمشكلة في حقيقة الامر اكبر من شخصين، لانها طرحت قضية الزواج المختلط التي تخيم على اجواء الرأي العام الروسي على مدى عقود. فالى جانب الرغبة لدى شريحة واسعة من النساء الزواج باجنبي لقناعتهن ان بيده مفتاح "السعادة" وكونه "الزوج المثالي" فهناك من ترى ان الزواج من اجنبي طريق تعيس ومحفوف بالمشاكل لتصادم ثقافة الزوجين ونهايته حتما ستكون الطلاق.
ويرى عالم النفس الذي شارك في البرنامج ان اسباب نهاية الحب وانهيار الزواج بين تتيانا وتايسون المصري تعود الى اختلاف الرؤية لمفهوم العائلة ودور ومكانة المراءة والرجل فيها. تايسون راح يغار من سفر زوجته تتيانا ويشك باخلاصها له، لانها وكأية امراة اوربية تتحرك بحرية وتسافر بمفردها الى أي مكان دون حرج، فاشتعلت الغيرة والشكوك بقلب تايسون الذي التجأ الى معاملتها بخشونه (لخيانتها له كما يقول) بما في ذلك الضرب والتهديد، فاخذت المرأة طفلها وهربت لروسيا. ولحق تايسون بها الى مدينتها بطرسبورغ يطلب لقاء ولده، ولكن تتيانا تخاف ان يختطف الطفل ويهرب به الى بلد الاهرام. وقالت احدى المشاركات بالبرنامج كان الأجدى لتايسون ان ينال حقوقه عبر المحكمة لا البرامج التلفزيوينة حيث سمح لعواطفه بالانفلات على الملأ وسول لنفسه استعمال كلمات نابية وبذيئة. علما ان طفله اكد له مباشرة بانه ليس بحاجة له ويود ان يتركه للعيش بسلام وهدوء مع والدته، وليرجع تايسون الى بلاد النيل. وترى لاريسا اوسبوفا وهي ربة بيت حاصلة على شهادة جامعية ومتزوجة من اجنبي: ان سبب انهيار الزيجات يعود الى تناقض الثقافات والقيم، ولكنها ترى ان هناك ايجابيات كثيرة في الزيجات المختلطة، لانها تسفر عن ولادة اطفال اصحاء وموهوبين وان تنوع ثقافة الوالدين تعطيهم فرصة لتأسيس رؤية واسعة للحياة ويحظون بقدرة اكبر على التكيف في عالم متداخل الثقافات، ويرفد الامم بدماء وحيوية جديدة.
معطيات قاسية
ووفق المعطيات الرسمية فان امرأة روسية من أصل خمسة تزوجت في السنوات العشر الاخيرة من اجنبي. وان كل واحدة من زيجتين مختلطة القومية تنتهي الى الطلاق بعد 5 او 6 سنوات. وهاجرت بنات الجنس الضعيف الروسيات بحثا عن الحياة الجملية الى دول اوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والدول العربية وفي اغلب الاحيان الى اميركا.
وتشير المعطيات الى ان توجهات الروسية في البحث عن "شريك" الحياة الاجنبي قد تغيرت، فلم يعد الزواج بالاجانب مشكلة بعد ان اختفت الممنوعات التي فرضها النظام الاشتراكي مع انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي الستينات والسبعينات، سمحت الجهات السوفياتية المعنية بسهولة عقد القران مع الشباب من دول العالم الثالث، وعلى الاغلب من العالم العربي وافريقيا، ولكن الان تعقد الفتيات الآمال على رجال الولايات المتحدة واوروبا، و لاتحبذ 63 بالمئة منهن الزواج من عربي او افريقي او من القوقاز، فقد تغيرت التطلعات.
وكما تشير استطلاعات الرأي العام ان مواطني روسيا يحبذون ان يتزوج اقربائهم من روسي او من اصول سلافية او اوروبي، ويرفض الروس امكانية الزواج باصول قوقازية او عربية او اسيا الوسطى وجنوب القوقاز.
ويقول الخبراء ان التجارب المريرة للزيجات بالاجانب حددت موقف الرأي العام منها. فالروسيات باتوا يميلون لبناء "القفص الذهبي" مع ابناء الامم القريبة من ذهنياتهم خاصة من اوروبا واميركا.
ولكن مع ذلك التأكيد فان الزيجاب من اصول غربية لم تكن دائما مزيّنة بالورود. ومثال على ذلك حالة المسكوفية لوليتا سوموفا من زواجها بالاميركي باتريك من ولاية اوهايو. فالفتاة مثل اترابها كانت تحلم بالعثور على سعادتها في ماوراء المحيط، لاسيما بعد ان تعرفت على باتريك بموسكو الذي طرح نفسه على انه بطل سباق السيارات وتمكن من الدخول الى قلب معشوقته ووعد بالجنة الاميركية، مرة واحدة والى الابد، واغرقها بالعناية واللطف، والاحلام بالاطفال، ونقل باتريك زوجته مباشرة بعد مراسيم العرس الى بلدته.
ولكن باتريك الرقيق تحول بعد ولادة طلفتهم الى وحش كاسر، اذ اكتشفت بصورة متاخرة انه منحرف سايكولوجيا، وانتهى الزواج وكالعادة بصورة مأساوية وصراع على الطفلة، لينتهي باعلان المحكمة ان بارتريك يعاني من مرض نفسي وان الطفلة تبقى برعاية الام الروسية. وعادة ما يصبح الاطفال ضحية هذه الزيجات غير المدروسة. فهناك الان آلاف الاطفال من آباء عرب او افارقة واروبيين يعيشون مع امهاتهم الروسيات من دون آبائهم.
وبعض النساء فضلن البقاء بموسكو على السفر مع ازواجهن الى المجهول. فنتاشا من بلدة لوبيريتس الواقعة في ضواحي العاصمة الروسية ادركت ان زواجها من الطالب الافريقي سيتحطم بنهاية دراسته، لانها لا تريد الهجرة الى الكونغو فهناك حياة اخرى وتقاليد غريبة ولزوجها اقارب كثيرين من الرجال الذين تسمح التقاليد المحلية العيش معها في كوخ واحد. وهي تعيش الان مع طفلتين سمراوتين يحملان كنية فريناندوش دي كاسترو الغريبة على السمع الروسي.
غزو العالم
حقا ان تلك الحالات التي تشبه الكوابيس، لم تقف عائقا امام بحث الروسيات من الجيل الصاعد عن وسائل جديدة لغزو العالم. وترى الكثيرات منهن ان ابسط وسيلة لتحقيق هذا الهدف هو الزواج من اجنبي. حيث وبفضل الانترنت ووكالات الزواج اصبح من السهل التعرف على "فارس الاحلام". من دون الخوف من ان على طريقهم يقف طابور من الذين يتربصون بهن لنيل مبتغاهم والايقاع بهن في مشروع غير خيري.. .وثمة حكايات تتردد عن تحويل هؤلاء الفتيات كبضاعة يمكن المتاجرة بها في بيوت الدعارة والنوادي الليلية. ويقول جورجي ليونتيف وهو مدير شركة سياحية ان احد عوامل فشل الزيجات المختلطة يعود الى جهل الفتيات الروسيات قضايا القانون الدولي وان قرارهن بالزواج يتم بدوافع عاطفية من دون النظر الى خبرة الاخريات من بنات جنسهن، والسبب الاخر برأيه يرجع الى الانحطاط الجنسي.
وتشير المعطيات الى ان زيجات الروسيات بالاجانب ينتهي بالفشل. وتعود سنويا من 20 الى 30 ألف روسية الى وطنها بقلب محطم ومن دون وسيلة للعيش. وهناك عدد غفير من اللواتي يفضلن البقاء في الغربة من دون عائلة ولا عمل وامل. |