بقلم:أنطوني ولسن/أستراليا
كانت المصالحة العرفية أو الصلح العرفي منتشرة بين القبائل العربية في الدول العربية ويترأس جلسات الصلح شيخ القبيلة ،وهوله الحق في إصدار الأمربدفع الدية من ماشية أو خلافه.
في مصر الفرعونية تطور الأمر ووصل إلى محاكم قانونية يسنها الحاكم "الفرعون"والذي يعني الرئيس أو الملك .لأنه يدير دفة البلاد ويساعده دون شك علماء في القانون الذي يساوي بين أبناء الوطن لا فارق بينهم إن كان في اللون أوالوظيفة أو المكانة الإجتماعية.
وجدت ما يشبه المحاكم التي كانت تنظر في القضايا المقدمة للمحكمة ،ويتم النقاش من جهة رئيس المحكمة مع المتهم الذي ينوب عنه ممثلا للدفاع ،وبالتالي يوجد ممثلا عن المدعي للدفاع عن موكله.الأول يدافع عن تبرئة المتهم،والثاني يطالب بحق المدعي بالتعويض المدني والمالي.
لن أخوض في تفاصيل التاريخ المصري القديم أيام الفراعنة العظام الذين أسسوا الدولة المصرية بعد توحيد القطريين على يد الملك مينا ملك الجنوب.
لكن سأشير في عجالة إلى ظاهرة كانت الأولى في العالم القديم وفي مصر الفرعونية بالتحديد.سمح الفرعون الملك لليونانيون "الأغريق" بأن يكون لهم مناطق يعيشون بها في مصر.تلك المناطق كانت خاصة بهم يتاجرون فيها أو يزرعونها ويعيشون على أرض مصر لهم نفس الحقوق التي للمصريين وعليهم جميع الواجبات المستحقة عليهم.يتكلمون لغتهم فيما بينهم،لكن في التعامل مع الشعب المصري كان لزاما عليهم التحدث باللغة المصرية التي كان يتحدث بها أهل مصر في ذلك الزمان.فإذا حدث خلاف بينهم وبين أي مصري ،أو بين بعضهم البعض ينظر الأمر في المحاكم المصرية.وهذا في حد ذاته أكبر دلالة على حضارة مصر الفرعونية ،ليس فقط في بناء الأهرامات وما يرمز إلى عظمة مصر.بل هو دليل على وجود القانون الواحد الذي يحكم به جميع المصريون والأجانب الذين يعيشون على أرض مصر مهما إختلفت لغتهم وعاداتهم ،إللا أنهم يخضعون للقانون المصري ويتحدثون اللغة المصرية التي سمح لهم فرعون مصر العظيم بالبقاء والعيش طالما يحترمون القانون ولا يعملون على خراب البلاد.
وأنا سارح في التفكير والكتابة عن أجدادي العظماء،خطر على بالي ما أعيشه هنا في أستراليا،وبدأت أقارن بين قوانين مصر الفرعونية والقوانين الأسترالية وجدت تشابها لم أفكر فيه من قبل.
سمحت أستراليا لكل مهاجرإليها بصفة رسمية أن يعيش على أرضها وتكون له جميع الحقوق التي للأسترال .ويستطيع من يرغب بعد ثلاث سنوات أن يحصل على الجنسية الأسترالية بعد لقاء مع المسئولين، فتمنح له الجنسية الأسترالية،ويحق له إستخراج "باسبورت"أسترالي .ويحظى بالدفاع عنه من قبل الحكومة الأسترالية إذا حدث له أية مضايقات من أي دولة سافر إليها بالباسبور الأسترالي.
الشعوب التي هاجرت إلى أستراليا من كل بقاع العالم ، ومن جميع الأديان،ويتحدثون بلغات مختلفة وتصهرهم بوتقة واحدة أسترالية.يتحدث كل مواطن لغته الخاصة في المنزل أو مع العائلات التي تتحدث نفس اللغة دون إعتراض من أحد أو تدخل.لكن إذا إلتحق أي مهاجر بأحد وظائف الدولة عليه أن يتحدث لغة الوطن أستراليا.وإذا إرتكب أي مواطن أسترالي مهاجر آي جريمة يجب عليه التحدث باللغة الإنجليزية لغة الوطن أو من يقوم بالترجمة من أشخاص متخصصين.وإذا كانت لدي آي مواطن مشاكل إجتماعية أو قانونية عليه أن يعرضها على المحاكم الأسترالية.وإذا لم يكن الإنسان رافع القضية لا يتحدث الإنجليزية يطلب القاضي أو المحقق بحضور من يستطيع القيام بالترجمة من لغة المواطن إلى اللغة الإنجليزية.
هذا مجرد سرد أحاول أن أربط به بما يحدث في مصر من قضايا "الصلح العرفي" الذي يتم بين المعتدي عليهم والمعتدي.
يعقد مجلس الصلح العرفي من الطرفين أو من يمثلهم وغالبا شيخ وكاهن مع حضور أحد ضباط الشرطة .يتم الصلح ويقبل كل من القس والشيخ بعضهم لبعض وينفض المجلس على تعاهد يحفظ الصلح فيما بينهم.
السؤال هنا:
كم قضايا عرفية تمت بين المسيحيين والمسلمين في قرى الصعيد الذين يعتدون عليهم ويحرقون بيوتهم ويخطفون بناتهم وأولادهم ويجبرون أهاليهم على دفع فدية مالية كبيرة معظمهم لا يستطيع دفعها؟!
ماذا تم بعد "تبويس الذقون"!.هل فعلا أصبح الأقباط المسيحيون في مأمن ولا يتعرضون لأعتداءات أخرى عليهم وخطف بناتهم وإجبارهم على تغير إيمانهم المسيحي وغير ذلك من أفعال يستحي الشيطان نفسه من فعلها؟
من الطبيعي تكون الإجابة بـ لالالالالالالا...ويستمر أهل القرى والمدن في صعيد مصر من المسيحيين في خوف مستمر من إعتداءات مجموعة من البشر لا عمل لهم سوى سرقة ونهب وقتل وخطف لأبناء وبنات المسيحيين وتهجيرهم من بيوتهم وطردهم دون ما ذنب إرتكبوه إللا أنهم متمسكون بإيمانهم المسيحي .
و كالعادة يتم الصلح بين الأطراف بعقد مجالس الصلح العرفي بحضور كاهن وشيخ وضابط شرطة ويتم التقبيل ولا أعرف ما بداخل كل منهما من فكر أثناء التقبيل!. لكن أستطيع أن أتخيل كل منهما لا يتمنى الخير للأخر،وإلا ما كانت تتكرر نفس المأساة ويتكرر معها نفس الصلح العرفي .
سؤال يُلح عليّ:
لماذا يتم الأعتداء على الأقباط المسيحيين بصورة متكررة دون رادع قانوني من الحكومة المصرية؟
هل لأن دم المسيحيين الأقباط رخيص؟أم أنهم يريدون القضاء على كل الأقباط المسيحيين نهائيا بالقتل وخطف أبناءهم وبناتهم وإجبارهم لإعتناق الدين الأسلامي؟
ولماذا بظل حل المشاكل يخضع لشيخ قبيلة وكاهن ورجل شرطة ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين؟
لماذا لا يتم إلغاء فكرة شيخ القبيلة والكاهن ورجل الشرطة وإحلال القانون المدني المصري لتوقيع العقوبات على مرتكبي الجرائم سواء كان مرتكب الجريمة مسيحي أو مسلم؟
هل المسيحيون الأقباط في مصر خونة ويجب بالفعل إذلالهم والقضاء عليهم؟
أسئلة كثيرة حائرة!.ولا إجابات لها.
لكن أتوجه إلى الرئيس السيسي أمل مصر في أن تكون لكل المصريين العمل بسرعة سن قانون رادع يحاكم كل من تثبت إدانته على الآخر،إن أخطأ المسيحي يعاقب،وإن أخطأ المسلم يعاقب ويتم العقاب بالقانون الجنائي ولا فرق بين مسلم ومسيحي أمام القانون والقضاء.
سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي نناشدكم ونتمنى لكم الصحة وطول العمر لأخذ مصر إلى بر الأمان والضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه العمل على تفرقة أبناء وطن واحد،حتى تستقيم الأمور ويتم إلغاء ما عُرف :
"بالصلح العرفي" لأنه وصمة عار في جبين مصر التي تسعى للعمل الجاد للنهوض بمصر أم الدنيا ..وأم كل المصريين وعلى القبائل العربية الموجودة على الأرض المصرية أن تلجأ للقضاء المصري لحل المشاكل يالقانون مثلهم مثل جميع المصريين.فهل سنجد إستجابة لأجل مصر؟أم أن الوضع سيظل كما هو ولا إهتمام بأي مظلوم سواء كان المظلوم مسيحيا أو مسلما؟
تحيا مصر.