بقلم: ميرفت عياد
تصدرت قضية سرقة لوحة زهرة الخشاش للفنان العالمى "فان خوج" من متحف "محمود خليل" جميع الصحف المصرية والعالمية، وهذه القضية أثارت الرأى العام، ووضعت اسم الفنان "فاروق حسنى"- وزير الثقافة- فى دائرة الضوء والإدانة معًا، وهذا على عكس ما حدث فى العام الماضى، حيث وضع اسم الوزير فى دائرة الضوء أثناء حربة الشرسة فى معركة اليونسكو، التى كاد أن ينتصر فيها، لولا أنه خسر الجولة الخامسة بفارق صوتين لصالح المرشحة البلغارية "بوكوفا".
ومن ضمن تصريحاته على هامش حادثة السرقة، إن متاحف الفن التشكيلي، والمتاحف الأثرية، مُصمّمة على أحدث نظام للتأمين، ولكل متحف غرفة تحكم مركزي, ومن خلال هذه الغرفة يستطيع من يعمل بها معرفة كل صغيرة وكبيرة بالمتحف، ولكن للأسف الشديد كانت معطلة، وهي كارثة. ولم يبلغني أحد بمثل هذه الأمور".
وقد كرّس الوزير الفنان "فاروق حسنى" كل حياته العملية لخدمة الثقافة فى "مصر"، فمنذ أكثر من عشرين عامًا، تولى منصب وزير الثقافة، ومن بين انجازاته المتعددة إنه قام بإنشاء (28) قصرًا جديدًا للثقافة في جميع أنحاء "مصر"، وأطلق المشروع القومي لمكتبة الأسرة، ومشروع القراءة للجميع الذي يتيح نشر ملايين من نسخ الكتب سنويًا بقابل مادي رمزي، وتطوير شامل ورقمنة كل مقتنيات دار الكتب المصرية التي تضم ملايين المخطوطات والوثائق.
وبالرغم من حالات الإهمال والتردى فى بعض المتاحف، إلا أنه أنشأ وطوّر العديد من المتاحف القومية والإقليمية والنوعية، وقام بتطوير هضبة الأهرام، وأنشأ المتحف المصري الكبير الذى يُعد أكبر متحف في العالم يُقام حاليًا بالقرب من أهرامات "الجيزة"..هذا إلى جانب إنشاء متحف الحضارة بـ"الفسطاط القديمة"، وهو مشروع يستهدف استعراض جميع عصور الحضارة المصرية، هذا بالإضافة إلى تنفيذ مشروع "القاهرة التاريخية" الذي يُعد أكبر متحف مفتوح في العالم بشارع "المعز لدين الله الفاطمي"، وتطوير الحي سياحيًا وتجاريًا واجتماعيًا.
وعُرف "فاروق حسنى" بأنه رجل فكر حر، يخوض فى سبيله أعنف المعارك التى يتصارع فيها مع تابوهات الدين والتقاليد والأعراف، مدافعًا عن تمثال حرية الإبداع قبل أن يسقط فى براثن قوى الجهل والظلام، ويتحول إلى أشلاء تحت أقدام الرجعية والفساد. ولم تكن هذه الكلمات يتشدق بها لسانه، بل أفعال يحفل بها سجله الزاخر، الملئ بالقرارات الجريئة، التى إن دلت إنما تدل على ايمانه الراسخ بعدم وجود سلطة دينية، أو سياسية، على حرية الإبداع.
ومن بين مواقفه المشرّفة، قراره بقيام وزارة الثقافة بنشر رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري "حيدر حيدر" عام 2000، رغم ما أُثير حولها من جدل؛ حيث وُصمت بأنها تحتوى على عبارات مسيئة للذات الإلهية. وتتكرر المأساة مره أخرى بالقرار الذى أصدرته محكمة القضاء الإداري بسحب ترخيص مجلة "إبداع" التي تصدر عن الهيئة العامة للكتاب، التابعة لوزارة الثقافة؛ بسبب نشرها قصيدة "شرفة ليلى مراد" للشاعر "حلمي سالم"، والتى اعتبرها الكثيرون مسيئة إلى الذات الإلهية، متجاوزة بذلك جميع القيم الدينية الثابتة للمجتمع. وفي هذه القضية دخل وزير الثقافة إلى عش الدبابير؛ ليحارب لصالح المثقفين، وطالب بحرية الرأي والتعبير، ورفض سحب جائزة الدولة للتفوق في الآداب التى منحها لـ"حلمى سالم".
وُلد الفنان "فاروق عبد العزيز حسني" عام 1938، وولع بالفنون إلى الدرجة التى جعلته يلتحق بكلية الفنون الجميلة جامعة "الإسكندرية" عام 1964، ولم تمنعه موهبته كفنان تشكيلي من إشغال العديد من المناصب، نذكر منها: رئاسته للمجلس الأعلى للآثار، وللمجلس الأعلى للثقافة، وعضويته لمجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، ولنقابة الفنانين التشكيليين، إلى أن تُوِّج ذلك المشوار الطويل بتوليه منصب وزير الثقافة منذ ما يقرب من عشرين عامًا.
ولعل ثراء خبراته التى اكتسبها من خلال موهبته، إلى جانب أسفاره المتكررة، وإقامته لسنوات طويلة فى العديد من الدول الأوربية، جعلت لديه العديد من الأُطروحات للقضايا الثقافية والأدبية الموجودة على الساحة، والتى نستطيع استنباطها من خلال لقاءاته المتكررة مع المثقفين، والمفكرين المصريين والأجانب، داخل "مصر" وخارجها.