بقلم: ميرفت عياد
النهضة والتحديث هى حلم يراود أى أمة..ومن رواد النهضة فى تاريخ "مصر" الحديث هو "على مبارك"، الذى أسهم بدور فعّال فى النهوض بتلك الأمة من كبوتها، إلى الدرجة التى جعلته يُلقّب "أبو التعليم في مصر". ولما لا وهو صاحب أعظم مشروع معماري عمراني فى "مصر" الحديثة، فتشهد منطقة وسط البلد على براعة "على مبارك" وحسن تخطيطه، فهو الذى قام بتنظيم مدينة "القاهرة"؛ حيث شق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر، وقام بإمدادها بالمياه النقية عن طريق حل المشكلات التى كانت تعانى منها القناطر الخيرية أثناء نظارته لها. كما إنه استطاع بحكمته أن يحل النزاع الذى قام بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، وكرَّمه الخديوى "إسماعيل" على هذا، وفي 23 أكتوبر 1866 عيَّنه وكيلاً عامًا لديوان المدارس، مع بقائه ناظرًا على القناطر الخيرية، وفي أثناء ذلك، أصدر لائحة لإصلاح التعليم.
تفوق ونبوغ
وشهدت قرية "برنبال الجديدة" بمحافظة "الدقهلية" سنة مولد "علي مبارك" سنة 1824، وهو من أصل كريم، وكان يتمتع بالنبوغ والذكاء الحاد. فلم يكتف بتعلم مبادئ القراءة والكتابة، بل التحق بمدرسة الجهادية بـ"القصر العيني" سنة 1835، وهو في الثانية عشرة من عمره. وبسبب تفوقه، ودأبه المستمر على التعلم، تم اختياره مع مجموعة من المتفوقين للإلتحاق بمدرسة المهندسخانة في "بولاق" سنة 1839. وهناك درس العديد من أنواع العلوم والمعارف المختلفة، مثل المعادن، والجيولوجيا، والجبر، والهندسة، والطبيعة، والكيمياء، والميكانيكا، والديناميكا، والفلك، ومساحة الأراضي، وغيرها. وتخرّج بإمتياز سنة 1844.
فرنسا تثرى تجربته
ولعل ذكاء ونبوغ "على مبارك" هو الذى أهّله لأن يشارك أربعة من أمراء بيت "محمد على" فى بعثة الطلاب المسافرة إلى "فرنسا"، وهناك تعلّم الكثير عن المدفعية والهندسة الحربية، والتحق بالجيش الفرنسى للتدريب والتطبيق، إلى أن توفى" محمد على" وتولى الحكم "عباس الأول" الذى قرّر رجوع البعثة من "فرنسا"، وجعل "على مبارك" يتولى إعادة تنظيم المدارس والعملية التعليمية فى "مصر"، حيث فام بإختيار المناهج ، وتعين من يراه أكفأ من مدرسين، وشارك بعض المدرسين فى تأليف المناهج الدراسية، وأنشأ لذلك مطابع.
إنشاء دار الكتب
ولكن تم عزل "على مبارك" من منصبه كناظر للعملية التعليمية، فور تولي "سعيد باشا" الحكم عام 1854، وتم إرساله إلى حرب القرم، واستمر هناك سنتين يحارب مع الجيش المصرى، إلى أن تم تعيينه كناظر للجهادية، ثم مهندس لجزء من "مصر" العليا. ومن أعظم أعمال "على مبارك" إنشائه لمدرسة دار العلوم التي أسسها سنة 1872، وكان الغرض الأصلي من إنشائها تخريج أساتذة للغة العربية والآداب للمدارس الإبتدائية. كما أسس دار الكتب سنة 1870، وقام بإنشاء مجلة "روضة المدارس" على نفقة وزارة المعارف.
الرحيل
وقبل أن يرحل "على مبارك" عن عالمنا فى 14 نوفمبر عام 1893 ، ترك لنا العديد من المؤلفات التى تدل على نبوغه وتميزه في ميدان العمل الإصلاحي والتأليف، لعل أهمها موسوعة "الخطط التوفيقية الجديدة"، والتى تتألف من عشرين جزءًا، أفرد فيها الأجزاء الستة الأولي لـ"القاهرة"، والجزء السابع لمدينة "الإسكندرية"، أما الأجزاء الأخرى فلباقي مدن "مصر". كما أن له كتب أخري منها: "تنوير الإفهام في تغذى الأجسام"، والذي طبع سنة 1872، و"نخبة الفكر في تدبير نيل مصر"..