بقلم: القس بيمن الطحاوى
جاء في الإصحاح الأول من سفر التكوين "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا...فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم" (تكوين 1 : 26 ، 27)، ومعنى هذا إنه عندما خلق الله الإنسان، لم يخلقه كسائر الأنواع والكائنات الأخرى، بل أراد له أن يكون مختلفًا عن بقية الكائنات والمخلوقات التي خلقها قبله. لقد أراد له الله أن يكون كائنًا خالدًا، عاملاً، مفكرًا، حرًا، مسئولاً، حكيمًا، صالحًا، مُسبِحًا ومُمجِِدًا، ملكًا ومتسلطًا على الكون كله.
 
فهو ليس مجرد مخلوق وسط ملايين من المخلوقات الأرضية والسماوية، لكنه كائن فريد، كرَّمه الله وميزه بأن خلقه على صورته ومثاله، فالصورة الإلهية في الإنسان تُميِّزه عن بقية الكائنات التي خلقها الله، وتُكسبه فرادة تبوأ بها مركزًا مرموقًا متميزًا، وتضعه هذه العقيدة (خلق الإنسان على صورة الله ومثاله)، أمام مصير يتطلع– في مسيرته الروحية– إلى تحقيقه، وهذا المصير هو مشابهة المثال الإلهي.
 
ومن التعريفات الآبائية للصورة الإلهية، من يقول، إن صورة الله هي في الجلال الرئيسي للإنسان، أي في كونه تاجًا للخليقة كلها، وملكًا ومتسلطًا يخضع له كل شيء في العالم. 
 
ومن يقول: إن صورة الله هي في طبيعته الروحية..في القداسة والبر، أو في الملكات العليا لديه، أي الفكر والعقل، وربما أيضًا الصورة الإلهية هي في الحرية الممنوحة للإنسان، أي في ملكة الاختيار الحر الداخلية، والتي بفضلها يغدو الإنسان هو الصانع الحقيقي لأفعاله وقراراته.
 
وأحيانًا تُعزى الصورة الإلهية إلى النفس البشرية وصفاتها، مثل بساطتها وخلودها. وأحيانًا أخرى تُعزى الصورة الإلهية إلى المعرفة ولاسيما معرفة الله والحياة في شركة معه. 
 
وإن تعددت تعريفات الآباء للصورة الإلهية، ولكنها لا تخص جزءًا واحدًا من الإنسان، بل تشمل الإنسان كله، فالإنسان بكامله – روحًا وجسدًا– مخلوق على صورة الله، والصورة الإلهية في الإنسان تدفعه للمشاركة لا مع الله فقط، بل مع أخيه الإنسان أيضًا، ومع الملائكة.
 
فأن نؤمن أن الإنسان مخلوق على صورة الله، فهذا يعنى أننا نؤمن أن الإنسان مخلوق للشركة والانفتاح على الآخر، وعدم الانغلاق على الذات. وأن كل منا ملتزم أن يحيا حياة البذل مع الآخر، ولأجل الآخر، وأن يحيا حياة المحبة العملية.
 
وفى هذا يقول القديس "يوحنا ذهبي الفم": "لا أقدر أن أؤمن أنه من الممكن لأي إنسان أن يخلُص إن لم يعمل لأجل جاره"، فليس الجحيم هو الآخرون– كما قال سارتر– وإنما الجحيم هو ذاتي، إذا ما انفصلت عن الآخرين، وتمركزت حول نفسها.