الأقباط متحدون | ذكريات.. العمر اللي فات21-
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٠:٢٦ | الخميس ٩ سبتمبر ٢٠١٠ | ٤ نسئ ١٧٢٦ ش | العدد ٢١٤٠ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ذكريات.. العمر اللي فات21-

الخميس ٩ سبتمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: أنطوني ولسن

ثانيا: في أستراليا..

ذكريات.. العمر اللي فات، هي محطة استراحة فكرية، أنزل فيها من قطار الحاضر محاولا الاسترخاء والتجوال في شوارع وحدائق حياتي. اثناء تجوالي أحكي للقارئ حكاية من هنا او من هناك.. اربطها بحكاية أخرى او حكايات. وان اقتضي الأمر العودة الى قطار الحاضر.. سأفعل ذلك لإستمرارية التفاعل مع الحاضر الذي سيصبح يوما.. ذكريات العمر اللي فات..
دعونا الآن نكمل الحكاية..
وهذا ما حدث.. لم أعد افكر في التدريس على الرغم من التقدم إلى هيئة التعليم الكاثوليكي والمقابلات مع المسؤولين في وزارة التعليم وعدم قبولي العرض الذي عرض علي لاعمل كمدرس إبتدائي، واحمد الله على انني لم أعمل في حقل التدريس هنا في أستراليا. وانا اتحدث عن نفسي وليس عن التدريس بحد ذاته في أستراليا ونظام  التعليم بها. لقد جنبني الله الكثير من متاعب مهنة التدريس وخاصة مع طلبة لغتهم الانجليزية، لانني اؤمن واكرر قولي ان اللغة هي التأثير الحامل لكل افكار المدرس الى الطلاب. فان لم يكن هذا الاثير الحامل لكل افكار المدرس إلى الطلاب. فان لم يكن هذا الاثير نقيا واضحا افلا شك من وجود هوة بين المدرس والتلميذ. وهذه المهنة بالذات مهنة رسولية لا ينفع فيها ما تعودنا عليه في «فهلوة» و «لعبة الثلاث ورقات».
تركت العمل بالمصنع والتحقت بالعمل (كمحصل) في هيئة الباصات الحكومية في سيدني..وكان باختياري لهذا العمل هو الاحتكاك المباشر مع الشعب الأسترالي عامة والطلبة والطالبات خاصة كما سبق واوضحت حتى احدد ما ان كنت سأعمل كمدرس ام لا.. وكما اوضحت حمدت الله على عدم قبولي التدريس الذي تصادف مع بداية عملي (كمحصل).
كانت مهنة (محصل) في ذلك الوقت من المهن المتوفرة والتي شغلها كثير من المصريين والعرب والجاليات الاخرى.. جاء تعييني في حي وافرلي بالمنطقة الشرقية لمدينة سيدني والتي لم اكن اعرف عنها شيئا فقد تركت المصنع بعد تسعة شهور من وصولنا وما واجهناه على اثر الحادث الاليم الذي حدث لزوجتي.. ولا اخفي عليكم ما زلت لا أعرف الكثير عن تلك المنطقة.
حدث في اول رحلة لي كمحصل ان سألتني سيدة أسترالية عن شارع معين مستفهمة إن كان الباص يمر به ام لا؟ فكانت اجابتي لا اعرف.. فما كان منها إلا ان ردت علي بشيء من النرفزة قائلة:
- كيف لا تعرف وانت تعمل محصل اتوبيس حكومي؟!
فما كان مني إلا ان اجبتها بجدية قائلاً:
- كيف تتوقعين مني ان اعرف وهذا اول يوم لي في العمل!.. لماذا انت لا تعرفين وانت أسترالية ولربما تكونين مولودة في هذا الحي؟!
حدقت بي لبرهة ثم طأطأت رأسها إلى أسفل وقالت:
- Sorry
انتقلت من وافرلي إلى تمبي القريبة من سكني في منطقة ماركفيل وبدأ الاحتكاك بطلبة المدراس الابتدائية منها والثانوية، وكانت تجربة مريرة حقا فلا ضابط للأولاد ولا رابط، وان تعاملت معهم بالطريقة الشرقية ربما يقدم أهاليهم شكاوي ضدي. وكان العديد من الطلبة والطالبات في سن الثانية عشرة او اكبر يدخن السجائر في الطابق العلوي المسموح به بالتدخين في ذلك الوقت. ناهيك عن القبلات وشقاوة الأولاد الذكور التي كانت تفوق الحد، مما كان الأمر يضطرني الى استعمال الطريقة المصرية من تهديد وشخط مهما كانت التبعات، واحمد الله على انه لم تحدث اي مشكلة، بل على العكس كان الأولاد يستجيبون إلى حد ما.
حدث ذات مساء ونحن متجهون من البلد الى منطقة تمبي ان ركب الباص رجل مخمور. بدأ في مضايقتي منذ اللحظة الأولى التي وقع نظره فيها علي، حاولت أن اكون .. جنتلمان.. وراعيت حالة سكره.. لكنه لم يرتدع، اتجهت الى السائق وقلت له:
- هل ترى ذلك المخمور؟
نظر في المرآة الداخلية وسألني:
- ماذا به؟
- غير مؤدب ولو كان هذا الوضع في مصر لأوقفت السيارة والقيت به في عرض الطريق.
ما ان انتهيت من جملتي وإذ به يضع قدمه فوق «الفرامل» ويوقف الباص ويفتح الباب الخلفي للباص ويذهب الى الرجل ويحمله بين يديه وبالفعل يلقي به في الطريق ويعود في صمت وهدوء خلف عجلة القيادة ويغلق الباب ويستمر في سيره.
كانت علاقتي جيدة مع الزملاء سواء الأستراليين منهم او اللبنانيين او المصريين. وكنا ساعة الغداء في مخزن تمبي نجلس كمجموعة نتناول الطعام. دخل علينا زميل مصري كان في اجازة وعاد. نهضت لاستقباله وسلمت عليه واحتضنته وقّبل كل منا الآخر. لمحت بطرف عيني سائق الباص الذي اعمل معه ينظر إلينا. عندما تلاقت أعيننا غمز بعينه وابتسم، فهمت مغزى ما فعل.
تركت الزميل المصري وتوجهت اليه (السائق) وأنا اضحك بصوت عال وقلت له:
- لا ايها الغبي.. لسنا كما تظنون انتم الاسترال.. انها عاداتنا وتقاليدنا عندما لا يرى احدنا الآخر لفترة ما نعانق بعضنا الآخر عند اللقاء في محبة واخوة وليس كما خطر في بالك.
نظر الي وابتسامته البلهاء فوق شفتيه وقال:
- وما له ممكن تكون انت وهو زي اللي بيحصل هنا.
هنا أغلقت فمي وفي غضب شديد لوحت له باصبعي مهددا شارحا له مرة اخرى اختلاف عاداتنا عن عاداتهم الشاذة فوقف وقال لي:
- أوكي.. أوكي.. أنا أسف.. أنا أسف.. لقد عرفت الان بعضا من عاداتكم وتقاليدكم.
ذات مرة لم يكن الباص مزدحما فقلت لنفسي لماذا لا اذهب وادردش مع السائق وكان عضو النقابة المسؤول في مخزن تمبي وسط الدردشة سألته مستفسرا عن عدم منح العاملين بالباصات بطاقات تتيح لنا الركوب مجانا في اي وقت. اذ لم يكن مسموح لنا بذلك إلا اذا كنا نرتدي لباس العمل.
نظر الي من أعلى إلى اسفل مرة ومرات.. وأنا اتعجب، ثم قال لي بلهجة وطريقة وكأنه قد وجد الحل لسؤالي:
- لماذا لا تعود الى بلدك وتطالب بما تريد هناك؟..
في هدوء تام على غير عادتي في مثل تلك المواقف قلت له:
- لقد أتيت هنا بمحض ارادتي وعلى نفقتي الخاصة التي كلفتني مبالغ لا اعتقد انك تملك ولو جزءا ضئيلا منها.. هل تعرف ماذا كان عملي في بلدي مصر؟ وما هي مؤهلاتي العلمية؟.. ارجوك اذا تحدثت مع مصري تحدث بلهجة وطريقة أفضل من هذه لأن اقل متعلم منا يحمل شهادة الثانوية العامة. دعني اسألك لو اخذتك بعيدا عن رحلات مخزن اتوبيس تمبي.. هل تعرف طريقك؟ أم تكون مثل السمكة إذا خرجت من الماء تموت؟
اتذكر ايضا يوما كنت فيه أعمل على باص بطابقين.. سلم النزول والصعود فيه عاليا قليلا.. وكانت راكبة عمرها لا يقل عن التسعين عاما.. أكرر عمرها لا يقل عن التسعين عاما.. ارادت ان تغادر الباص عند وقوفه.. نظرت اليها وسألتها:
- هل تريدين مساعدة؟
ردت عليّ:
- لوسمحت..
أمسكت بيدها وأوصلتها حتى (الرصيف).. سألتني
- من اي بلد أتيت؟
قلت لها:
- من مصر.. قالت
- مبارك شعبي مصر.
الذكريات كثيرة.. وكنت قد اتخذت قرارا برفض ما عرض على من قبول التدريس كمدرس ابتدائي.. في الوقت ذاته خبرتي كمحصل في هيئة الباصات سمحت لي بالتعامل المباشر مع الطلبة والطالبات.. وكنت في حيرة من ارمي بين الاستمرار في هذا العمل الحكومي بعد ان رفضت التدريس او البحث عن عمل آخر.. وكان قد مضى علي حوالى احد عشر شهرا.. وكانت الهيئة على وشك الغاء الباصات ذات الطابقين واحلالها ببصات ذات طابق واحد.. والحقونا  بدورات تدريبية على ميكانيكا الباصات لتكون لنا خلفية كافية عن الباص تمهيدا للعمل كسائقين بعد الغاء عمل (المحصلون)..
ربكم والحق.. لم اكن مرتاحا في العمل.. على الرغم من الاختلاف الكبير بين عمل (الكسماري) في مصر.. وهنا في استراليا.. مثلا في استراليا رحلات او اوقات خاصة للطلبة والطالبات لنقلهم من احياء سكناهم الى المدرسة بالحي.. ولا يركب بها ركاب عاديين. وايضا في اوقات الذهاب الى العمل والعودة من العمل.. يزداد عدد الباصات ولا يسمح بالوقوف الا لعدد محدود بعدها لا يقف السائق على اي محطة ركوب ما لم يكن احد الركاب يريد الهبوط.. فيقف السائق ويسمح بركوب العدد المقابل للنازلين.. كذلك خلال كل تلك المدة التي قضيتها كمحصل لم الحظ ولو مرة واحدة تحرش جنسي لا لإمرأة ولا لفتاة او طالبة.. لا تتعجبوا لأن قضية التحرش قضية لا يستهان بها والاكتفاء بالضرب مثلا.. وايضا كما اوضحت سابقا.. انه يمكن للشاب ان يقبل فتاته في الباص او الطريق.. وبهذه المناسبة اتذكر انه اثناء بحثي عن العمل كمدرس كان قد وصل من مصر صديقان وبدأنا ثلاثتنا في البحث.. وكانت لي الاقدمية في سدني بشهور قليلة.. ذهبنا الى وسط البلد.. مارتن بليس سرنا ثلاثتنا وفجأة سمعت صوت نسائي استرالي يكيل الشتائم.  لم اكن قد تنبهت ان احد الصديقين لا يسير معنا.. التفت خلفي وجدته واقفا  مذهولا وشابة تكيل له الشتائم وهو غير فاهم لما تقول  ولماذا تقول!! ذهبت اليه واعتذرت للشابة واخذته من يده مستفسرا.. فقال لي:
- ولاد الأيه نازلين بوس في بعض، فوقفت اتفرج.. فيها حاجه يعني.
- طبعاً فيها.. إنت هنا في أستراليا.. تذكر هذا دائماً ولا تشغل بالك باللي يبوس وما يبوسي..
قد يسمي البعض مثل هذا الفعل إباحية.. لكني اسميه حرية.. لا يستطيع احد ان يلمس المرأة دون ارادتها.. ولا تسمح المرأة لنفسها ان تكون مطمع شهوة عابرة في اتوبيس او ترام او قطار، وطبيعي كانت صورة ما يحدث في اواخر الخمسينات والستينات من مهازل داخل الاتوبيس وعموم المواصلات في مصر ما تخجل له ضمائر الانسان التي انعدمت.. ولا اريد ان اكتب واصف (بهدلة المرأة) من التحرشات الجنسية... ولم يتحرك احد لتلافي تلك المهزلة والتي اعتقد انها ما زالت قائمة ولا رحمة واحترام لآدمية المرأة حتى بعد ان حجبوها ونقبوها.
ذات يوم جاء لزيارتنا المرحوم صلاح خليل مهللا قائلاً لي:
- سيبك من التدريس ومن الأتوبيس.. فيه إعلان عن العمل بهيئة البريد كموظف بريد Mail Officer .. وقد احضرت معي طلبا للتقدم للإمتحان فيما يشبه عندنا في مصر بديوان الموظفين، فإذا نجحت ستلتحتق إما عندنا في الـ ُ Mail Exchange  بردفرن او في الـ  G.P.Oفي قلب سيدني.فكان ردي عليه:
- الحقني يا اخويا الحقني.. هو فيه أحسن من الوظيفة الميري، دا حتى اجدادنا قالوا.. ان فاتك الميري.. اتمرغ فيترابه.
بالفعل أرسلت الطلب وبعد فترة وصلني خطاب يحدد فيه يوم انعقاد الامتحان في هيئة ديوان الموظفين او ما يطلق عليه  Service Puplic
نجحنا والحمدلله وكان ترتيبي الـ 11 من مجموع الممتحنين ال، 168. وسبب ذكري للرقم، العلاقة بينه وبين نجاحي فd امتحان ديوان الموظفين في مصر عام 1955، فقد كان ترتيبي ايضا الـ 11 من 2000 مجموع الممتحنين وتم تعين الـ 10 الأوائل في وزارة الخارجية ، ومن 11 إلى 400 تم تعيننا في وزارة الداخلية للعمل في مشروع قسم البطاقات التابع لمصلحة تحقيق الشخصية. ترادف عجيب اردت فقط ان اسجله عندما علم الزملاء بمخزن اتوبيس تمبي  بالأمر.
نصحوني بعدم تقديم استقالتي، بل يجب علي طلب إجازة بدون أجر لمدة 6 أشهر مثلا. وكان سبب النصيحة ان الدراسة التي تعقد للتأهيل كموظف بريد ليست سهلة. وقد فشل فيها الكثير من الاستراليين أنفسهم.
شكرت لهم نصيحتهم وقدمت إستقالتي. وكان آخر يوم عملت فيه يوم سبت.. أي عمل إضافي.. وضعت يدي على المحراث ولم التفت ورائي.
لم نبدأ العمل في البريد بل خصصت لنا اماكن تدريس لاعدادنا للعمل، وكنت قد تم تعيني على قوة الـ  G.P.oكان علينا ان ندرس جميع شوارع وحارات وطرقات وأهم المباني في قلب مدينة سيدني و5 أحياء محيطة بها والتي تقسم إلى 13 مجموعة كذلك دراسة أصحاب صناديق البريد المؤجرة لهم والمقسمة إلى 52 قسم ،.يقوم بالتدريس موظف مؤهل للتدريس وبعد الانتهاء من فترة التدريس يعود الى عمله العادي وغالبا ما يكون رئيساً لاحد اقسام العمل. لنا مهلة 3 أيام لحفظ مجموعات الشوارع والتدريب على فرز الخطابات كل عنوان في المجموعة التي ينتمي إليها الشارع من المجموعات من 1-13  المؤجرة والمقسمة الى 52 قسما كل قسم يحتوي على عدد من الصناديق بعضها صغير والآخر كبير وقد وضعت خطة للدراسة..
وإلى لقاء... وذكريات العمر اللي فات..




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :