بقلم: ماهر ميشيل
في فيلم "جعلتني مجرماً" للممثل الكوميدي أحمد حلمي، والذي قام فيه بدور "رشدي أباظة" نجد شخصية تحكمها المبادئ أكثر من المكاسب الشخصية، فبعدما قام بمساعدة صديقته غادة "المشلولة" التي خدعته بفكرة الشلل حتى تحصل على أموالها من أبيها البخيل، وللأمان كتبت له عقد زواج عرفي، ومن طيبة قلبه ترك لها نسخته من هذا العقد، ثم تم القبض عليه لمدة خمسة أيام في قسم البوليس بتهمة "خطف أنثى" وبعد ظهور عقد الزواج العرفي خرج من القسم وبعد خروجه عرض عليه صديقه "إدوارد" أن يذهب ويأخذ حقه من والد البنت مقابل "العقد العرفي" الذي أعطته إياه، وذهب وتفاوض مع الأب "حسن حسني" الذي عرض عليه 50 ألف جنيه وبعد جدال وفصال بينهما وصل المبلغ إلى 250 ألف جنيه (ربع مليون) وبعد ما أخذ الشيك في يديه، سلم لهم "العقد العرفي" ثم مسك بيده الشيك وهو يكلم فتاته غادة قائلاً: "أنا لما ساعدتك، ساعدتك عشان بساعد واحده مشلولة، مش بساعدك عشان أستغلك" ورمى عليها الشيك ومضى.
وسألت نفسي وقتها، هل لو أنا مكانه هل كنت فعلت مثله وأرفض ربع مليون جنيه في نظير مبدأ "المساعدة" وعدم الاستغلال وعدم الصعود على أكتاف الآخرين؟؟ سؤال صعب!!
الاستغلال... صفة من الصفات الدنيئة التي لو تمكنت من إنسان ستجعله بلا مبادئ، يكسب بغض النظر عن طريقة هذا المكسب شريفه أم غير شريفه، تحت شعار "اللي تغلب به، العب به"، المكاسب هنا ليست فقط مادية أو مالية لكن يمكن لكن يمكن أن تكسب "منصب" أو "مكانة" ليست مكانك لكنك تأخذها فقط لكونك قريب "فلان" أو معك كارت توصية من "فلان بيه" ونلاحظ أن الذي يأتي عن طريق الاستغلال ليس بدائم Easy come easy go ما جاء بسهولة سيذهب أيضاً بسهولة.
ويمكن للشخص أن يستغل نفوذه وسلطته لأعمال غير مشروعة فيفرض الجباية والرشوة على الناس لينجز لهم مصالحهم، أو ليتقوا شره، ويمكن أيضاً لبعض الوظائف التي تكشف أسرار الناس مثل المحامي أو الطبيب أو المرشد النفسي، في أن يستغل هذه الأسرار لمصلحته الشخصية، لكي يجد الحب، والجنس والمال حتى يتستر على ما علمه من أسرار لهؤلاء البشر، كاسراً في ذلك كل مواثيق الشرف للمهن التي يحلفها عندما يستلم مهنته.
ويمكن أيضاً استغلال "الثقة" فتضع ثقتك في شخص، وتسلمه أموالك ومكتبك وربما مفاتيح شقتك، وتثق في أمانته ونزاهته، ويسلك هذا الشخص عكس هذا التوقع تماماً في الخفاء "كالعبد الردي" الذي يقول سيدي يبطئ قدومه، فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها فيقطّعه ويجعل نصيبه مع المرائين.
الاستغلال والمحسوبية أشقاء، فكوني أميز فلان عن فلان هذه هي المحسوبية، وهي الوجه الآخر لعملة الاستغلال، ويمكن أن يطلق على الاستغلال أسماء أخرى تبدو أقل حدة من اسم "استغلال" فتسمى: شطارة، أو فهلوة، أو تفتيح مخ، أو بيلعب بالبيضة والحجر، هذه الأسماء لا تلغي ولا تقلل من الاستغلال.
هل أنت مستغل لغيرك؟؟ هل تستغل والدك ووالدتك؟ أو أخاك أو أختك، أو صديق أو قريب؟؟ هل منصبك الذي وصلت إليه الآن تستحقه فعلاً أم أنت متعدي على حق شخص أجدر منك وأقدم منك في العمل؟؟ كانت جدتي تقول دائماً: "ربنا ما بيسيبش" واللي بيزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً، لأن فوق العالي عالي والأعلى (الله) فوقهما يلاحظ.
نأتي إلى الشخص "المُستَغَلْ" الذي يقع تحت دائرة الاستغلال من الآخرين تحت دعوة طيبة القلب، أو المحبة، أو أي مسمى جميل، مثل "رشدي أباظة" وأقول له: "ضع حدوداً" في العلاقات لا تدع الآخرين يستغلونك تحت أي مسمى فأنت بذلك تخلق منهم أُناس اتكاليين، متكاسلين، وصوليين، غير منتجين، يريدون الوصول للقمة بسرعة بطريقة "هوبّة فوق" في لحظات لأنهم يصعدون على حساب غيرهم، وللمُستغَل أقول، لا تؤذي غيرك بأن تجعله يعتمد عليك اعتماداً كاملاً، فأنت لن تكسب بل ستكون أول الخاسرين، وهو أيضاً لن يكسب غير المزيد من الهامشية والسطحية وعدم النضج.
فإذا كنت أنت المُستغِل، فأرجوك أن تتوقف عن هذا الطريق فهذا طريق الفشل والفاشلين، كن نفسك ولا تكن غير نفسك، عش بإمكانياتك لا بإمكانيات الآخرين، عش باسمك لا باسم حتى والدك، لا تقل "أنا ابن فلان" لكن قل أنا "فلان" ولا تعيش في جلباب أحد حتى لو كان أبيك.
أقول لنفسي، وللجميع أتمنى أن أكون مثل "رشدي أباظة" الذي رفض أن يقبض ثمن "مساعدته" ولا أستغل الآخرين مهما كان الإغراء شديداً.