بقلم: ميرفت عياد
التاريخ ظِل الإنسان على الأرض، والجغرافيا ظل الأرض على الزمان..من هذا المنطلق ندخل لأبعاد الشخصية المصرية؛ فـ"مصر" هى قلب العالم العربى، وواسطة العالم الإسلامى، وحجر الزاوية فى العالم الأفريقى..هى أمة وسط بكل معنى الكلمة، فى الموقع والدور الحضارى والتاريخى والسياسي. "مصر" وسط بين خطوط الطول والعرض بين المناطق الطبيعية وأقاليم الإنتاج، بين القارات والمحيطات، حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات والثقافات. فهى حلقة الوصل بين المشرق والمغرب..هكذا قال العالم والمفكرالجليل دكتور "جمال حمدان" صاحب موسوعة "شخصية مصر" التى قام بها بدور الجراح الماهر الذى يمسك بالمشرط لكى يشرح شخصية "مصر" ويحللها من جميع الأبعاد.
شهدت محافظة "القليوبية" في 4 فبراير سنة 1928 مولد "جمال حمدان"، الذى ينتمى إلى قبيلة "بني حمدان" العربية التي نزحت إلى "مصر" في أثناء الفتحالإسلامي. واستمر "حمدان" يتنقل عبر مراحل التعليم المختلفة إلى أن حصل على ليسانس الآداب قسم جغرافيا عام 1948، وكان لنبوغه وتفوقه أثرًا بالغًا، حيث عُيّن معيدًا فى الكلية، ثم تم ترشيحه من قبل الجامعة للسفر فى بعثة إلى "بريطانيا"، وهناك حصل على الدكتوراة في فلسفة الجغرافيا من جامعة "ريدنج" عام 1953، وكان موضوع رسالته "سكان وسط الدلتا قديمًا وحديثًا".
استقالة وتفرغ للبحث العلمى
ويُعد دكتور "حمدان" أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين، فقد أصدر العديد من الكتب أثناء عمله مدرسًا في قسم الجغرافيا في كلية الآداب في جامعة "القاهرة"، وهذه الكتب هى: "جغرافيا المدن"، و"المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم"، و"دراسات عن العالم العربي"..ونظرًا لما تحتويه هذه الكتب من قيمة علمية، فقد حصل على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1959، وبعد هذا قرّر العالم الكبير دكتور "جمال حمدان" أن يقدّم استقالته ويتفرغ للدراسة والبحث العلمى وكان هذا فى عام 1963. حيث قدّم للمكتبة العربية انتاجًا غزيرًا يبلغ حوالى 29 كتاب أشهرهم موسوعة شخصية "مصر"، إلى جانب العديد من الكتب الأخرى مثل الاستعمار والتحرير في العالم العربي، اليهود انثروبولوجيًا، قناة السويس، أفريقيا الجديدة.
علم الجغرافيا..هو علم التباين الأرضي
آمن الدكتور "جمال حمدان" بأهمية علم الجغرافيا، فنراه يقول فى مقدمة موسوعته "شخصية مصر": إن علم الجغرافيا..هو علم التباين الأرضي"، وهو يعنى بهذا أن علم الجغرافيا يهتم بجميع الاختلافات التى تمس الأرض على مختلف المستويات. كما كان لـ"حمدان" نظرات ثاقبة استشرق بها المستقبل، ولعل هذه الآراء أثارت جدلاً كبيرًا عند طرحها، ومن هذه الآراء تفكك الكتلة الشرقية، والذى حدث بالفعل بعد أن تنبأ "حمدان" بعدة سنوات، حيث انهار الإتحاد السوفيتي.
العديد من الجوائز والأوسمة
حصل الدكتور "جمال حمدان" على العديد من الجوائز التى كرّمته وكرّمت أعماله داخل "مصر" وخارجها، ومن هذه الجوائز حصوله عام 1959 على جائزة الدول التشجيعية في العلوم الإجتماعية، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الإجتماعية سنة 1986، وعلى وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتابه "شخصية مصر" عام 1988 ، كما منحته "الكويت" جائزة التقدم العلمي سنة 1992.
نهاية مؤسفة لعالم جليل
ومن المؤسف أن هذا العالم الجليل مات محروقًا في عام 1993، واعتقد الجميع أنه مات متأثرًا بالحروق. ولكن د. "يوسف الجندي"- مفتش الصحة بـ"الجيزة"- أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقًا بالغاز, كما أن الحروق ليست سببًا في وفاته؛ لأنها لم تصل لدرجة إحداث الوفاة. كما أن المقربين من د. "حمدان" اكتشفوا اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها, وعلى رأسها كتابه عن اليهودية والصهيونية، وحتى الآن لم يعلم أحد سبب الوفاة، ولا أين اختفت مسودات الكتب التي كانت تتحدث عن اليهود.
مذكراته تخرج للنور
ومن الجدير بالذكر أن "عبد الحميد صالح حمدان" كشف مؤخرًا عن مذكرات خاصة بشقيقه دكتور "جمال حمدان"، وقام بإخراجها إلى النور فى كتاب يحمل عنوان "العلامة الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة"، حيث يحمل هذا الكتاب المسودات التى تضم أفكار وآراء "جمال حمدان"، والتى كان يقوم بكتابتها كتمهيد لإدراجها في عمل كبير كان ينوي اخراجه عن العالم الإسلامي.