الكاتبة نانا جاورجيوس
جوم وإنتقادات غير مبررة من بعض المتحذلقين ومن المحسوبين على المسيحية، وقائمة من فتاوي تحريماتهم وتحليلاتهم بتفسيرات لولبية لكل ما له علاقة بشخص سيدتنا وملكتنا وأمنا العذراء مريم، وكأننا بإكرامها وتطويبها- كما أوصى الإنجيل- بنؤذي مشاعرهم و صيامها بيستفز إيمانهم وتشفعنا بها بندوس على أطراف أصابعهم فتتوجَّع كرامتهم فيستشعرون بالحرج ! لا يدركون أن مكانتها كـ « حاملة سرِّ التجسد الإلهي» بتواضع الأمَة وطهارة البِكر وإستحقاق الملكة والأم. لم أرى أحدٍ شكك في طوباويتها ومكانتها الفريدة بين نساء العالم من خارج المسيحية كما رأيت هؤلاء الذين يدعون إنتمائهم للمسيح. للعذراء معزَّة خاصة بقلوب جميع البشر بكافة معتقداتهم وأديانهم وأنها الملكة المتربعة على عرش القلوب ولم تأتِ هذه المحبة التي حظيَّت بها العذراء من فراغٍ، بل لأنها صارت أم حقيقية وشفيعة مؤتمنة لجنس البشر بلا تفرقة لكل من يلتجئ لشفاعتها. والأهم أنها صارت العرش الملوكي الذي إتخذه اللاهوت الإلهي ليظهر لنا في الجسد، فصارت سماء ثانية جسدانية لله الكلمة المتجسد وأم العبد المتألم" ابن الإنسان" يسوع. صارت الكرمة الحقيقة الحاملة لعنقود الحياة الجديدة حين وُلد منها الكلمة فولدت معه الخليقة الجديدة. صارت حواء الثانية للنسل المبارك الجديد. فلقبها يحوي سر التجسد الإلهي لتصير الأم والعبدة معاً.
 
- من إستحقاقاتها كملكة و أم، ألقابها الكتابية و رموز الوحي المقدس عنها، والتي تثير حنق هؤلاء المنتقدين، وهل العذراء« أم الله - والدة الإله - Θεοτόκος | ثيؤطوكوس ». أم كما يزعمون أنها أم الله المتجسد فقط لأن أقنوم الإبن هو من تجسد، وحجتهم أن الله الآب ليس له جسد. ليقعوا في نفس هرطقة نسطور حين فصل بين طبيعتي المسيح!
- أولاً جميع مسيحي العالم والكنائس لا يقدمون أبداً أي عبادة للعذراء إلا لله المثلث الأقانيم وحده لا شريك له، وحتى صيامها فهو يقدم خالصاً لله وحده كما صامه التلاميذ لكي يظهر لهم الله جسدها حين أصعدته الملائكة للسماء. نؤمن بضرورة إكرامها وتطويبها كما طوبها الوحي المقدس ذاته، فماذا يؤذيهم وما مشكلة هؤلاء إن كان السيد المسيح نفسه أكرمها وجعل لها دالة في أولى معجزته بتحويل الماء إلي خمر في عرس قانا الجليل، بل أوصى على صليبه أن نتخذها أماً، حين جعلها «أماً للرسل» في شخص التلميذ يوحنا بأمر مباشر من فمه الطاهر «هوذا أمك»- يو19: 27 ، فصارت تبعاً للتقليد الرسلي الذين إتخذوها «أماً روحية» لجماعة المؤمنين بالكنيسة الأولى. كيف ينكرون «أمومتها الروحية» والإنجيل هو من منحها هذا الحق. وهل يوجد شخص بالعالم أجمع لاتصلي أمه عنه و تشفع لأجله ؟! فلولا مكانتها كأم روحية لهم لولا أن التلاميذ طلبوا من إبنها وإلهها ان يريهم زفّة الملائكة حين أصعدوا جسدها للسماء، وهل هناك تكريم من الله ومن رسله أكثر من هذا؟!
 
- في سفر الرؤيا عن مكانة العذراء الخاصة كخادمة سر التجسد يقول يوحنا في رؤيته: « وظهرت آية عظيمة في السماء إمرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من إثنتي عشر كوكباً, وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد .ولما رأى التنين أنه طرح إلى الأرض إضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر. فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح».
« مع باقي نسلها»، من أين لها بـ «نسلها» هذا ؟! و متى ولدتهم؟! وكيف نُسبوا إليها؟! سوى أنها «الأمومة الروحية» ومنطقي إن صار لها نسل فتكون هي لهم أماً، وهم جماعة المؤمنين وأعضاء جسد المسيح السِرِّي في «كنيسته التي إقتناها الله بدمه» ؟ 
- يقول القديس أوغسطينوس : «أن والدة رأس الجسم السري هي في الوقت نفسه والدة الأعضاء» أي أن والدة المسيح هي والدة الكنيسة الذين هم أعضاء جسد المسيح السرّي، فصارت أم للكنيسة و للنسل المبارك وكل من دُعيوا على إسم إبنها وإلهها.
 
1- و سؤالي الأول: هل من ولدته العذراء مريم، إلهاً أم ليس إلهاً. وهل كان إلهاً كاملاً أم نصف إله، بمعنى هل معنى تجسد أقنوم واحد من الثلاثة أن جزءاً من اللاهوت فقط هو من تجسد، أم كما يقول الإنجيل أن كل ملء اللاهوت حلَّ في الجسد. وهل كان لاهوته منفصلاً أم متحداً بناسوته؟!
فإن كان المولود منها إله «الله ظهر في الجسد»، فكيف يدعون أنها ليست والدة الإله؟! ألا تكفهم قوله أنه: «أنا والآب واحد، أنا في الآب والآب فيَّ»- يو10: 30. وقوله: «أنا» تعبير عن كينونته بطبيعتها الفريدة الواحدة كإبن وحيد الجنس «إبن الإنسان+ إبن الله بما أنه الله ظهر في الجسد»، فإن كان المولود منها إله بكامل ملء لاهوته المتحد بالآب حلَّ في ناسوته، فكيف يتجرأون الإدعاء بأنها ليس والدة هذا الإله الفريد الجنس، فليس بين نساء العالم عذراء ولدت كائناً وحيداً في جنسه؟! 
 
2- وسؤالي الثاني: يدعون أنها والدة المسيح الإله المتجسد فقط لأن الله الآب ليس له جسد. فهل يؤمنون بإلهين، أحدهما متجسد وأخر غير متجسد؟! لا أجد رد عليهم إلا قول داود النبي: « قال الجاهل في قلبه: ليس إله»!
نعم الله ليس له جسد، ولكنه ظهر بكامل ملء إلوهيته في الجسد كقول الإنجيل. وظهور لاهوته في جسد يعني أنه متحد الطبيعتين«إبن إنسان+ ابن الله» وإختلاف طبيعتيه لم يُلغهِ إتحادهما بل إحتفظت كل طبيعة بميزاتها وصفاتها وإجتمعت جميعها في «شخص واحد وأقنوم إلهي واحد». هو هو إله حق و إنسان حق،و تجسده الفريد لا يعني أن المسيح قِسم منه إنسان وقسمه الأخر إله، بل صار إنساناً حقاً وبقى إلهاً حقاً، لاهوته إحتوي فيه ناسوته في وحدة طبيعية فريدة. حيث ذكر مجمع خلقودونية 451م ما نصه: «نُعلِّم بالإجماع وعلى أثر الآباء القديسين الإعتراف بابن الله واحد هو هو، سيدنا يسوع المسيح. هو هو الكامل في اللاهوت، والكامل في الناسوت، هو هو إلهٌ حق وإنسان حق، واحدٌ هو، وهو نفسه المسيح والرب والابن الوحيد الذي يجب أن نعترف به في طبيعتين، غير مختلطتين وغير متغيرتين ولا منقسمتين، ولا مُنفصلتين. إن إختلاف الطبيعتين لم يُلغهِ اتحادهما بل بالحري احتفظت كل واحدة بميزاتها، و إجتمعت كلها في شخص واحد وأقنوم واحد».
 
حيث أن الله ذاته حل بروح قدسه في الحشا البتولية «بحسب التدبير الإلهي» ليتخذ منها طبيعة إنسانية، فهي حقاً والدة الإله وأم الله. فالمسيح وهو جنين منذ اللحظة الأولى كان ومازال يحمل الطبيعتين الإلهية والإنسانية سوياً، فلم يكن لجسده المقدس وتجسده وفدائه قيمة إلا في ملء لاهوته وفي كينونة واحدة لشخص واحد هو«إبن الله». وإلا لصار إنساناً عادياً حتى بولادته من عذراء!. فهي ليست والدة اللاهوت ولا والدة الناسوت، إنما والدة إبن الله الذي هو« الله ظهر في الجسد»، وهي لم تلد إنساناً إتحد فيما بعد بالله و لم تلد إنساناً تم تأليهه بل ولدت ابن الله الذي تواضع وأخلى ذاته من مجده الإلهي ليصير متجسداً، هي أم شخص المسيح الفريد «شخصاً إلهياً بكينونة واحدة» وليست أماً لجسدٍه فقط. وهذا هو معنى «الأمومة الإلهية».
 
سقط الهراطقة قبلهم في نفس الحجة وسطحية سؤالهم، بأن الله لايولد من بشر لأن الإنسان يتناسل إنسان من نفس طبيعته! 
نؤمن بأن العذراء لم تلد لاهوت المسيح ، ببساطة لأن اللاهوت لا يُولد وهو السرمدي بلا بداية ولا نهاية، لهذا لا نقول أن العذراء «والدة اللاهوت»، فإبن الإنسان هذا كان «وحيد الجنس- مونوجينيس» كما دعاه يوحنا في أول إصحاح- يو1: 18. هي حقاً أم « إبن الإنسان يسوع» ولكنه ولد منها متحداً بكامل ملء لاهوته ولا نستطيع أن نتخيل كالمهرطقين أن إنسانيته منفصلة عن إلوهيته لحظة واحدة ولا طرفة عين وإلا يصير كأنه شخصيتين أو طبيعتين أو إبنين « إبن الله - إبن الإنسان» فالآب في الإبن والإتنين واحد كما وصف الرب يسوع نفسه لليهود. وجائت هذه الحقيقة الصادمة سبب عثرتهم وحنقهم عليه لأنهم إعتبروه مجدفاً على الله، معادلاً إنسانيته بالله.
 
3- وسؤالي الثالث: هل الرب يسوع الآن في سماء عرشه متحداً لاهوته بناسوته وسيأتينا هكذا في يوم الدينونة أم ترك جسده على الأرض وصار منفصل الطبيعتين؟!
إن كان أقنوم الإبن الكلمة هو من تجسد، وإن كان كامل ملء لاهوت الله هو من ظهر في الجسد «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد»– تى3: 16، وإن كان «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا»-كو2: 9، وإن كان: « أنا والآب وااااحد»-يو10: 30، وإن كان: « أنا في الآب والآب فيّ»-يو14: 10. بل وإن كان يسوع هو «المسيح» و هو «عمانوئيل» بالعبري «إش7: 14» والذي تفسيره «الله معنا»- مت1: 23، فتكون العذراء «أم عمانوئيل» أي« أم الله معنا، أم الله الظاهر في الجسد» وليست فقط أم الإنسان يسوع. لأنها الأم التي في بطنها إتحد جمر لاهوت الله بطبيعة البشر، و«سُكنى الله مع البشر» ليصير الله معنا على الأرض وفينا بمعمودية روح قدسه، فهي من ولدت لنا الله الكلمة. فلقب الثيؤطوكوس يحوي فيه« كل سرّ التجسد» ومن ينكره فهو ينكر أن لاهوت الله تجسد و ظهر في الجسد!
 
الإبن الكلمة وحيد الجنس الذي وُلد في ملء الزمان، وصارت مريم« والدة الإله» ليس فقط بحسب ولادتها «لهذا الكلمة» الذي إتخذ طبيعة إنسانية منها، ولكن بحسب« سلطان الأمومة» صارت والدة له، كما أن « للإبوة سلطان» وهو لم يقم بعملية الولادة الفعلية لإبنه. ولكنه صار «والداً» بحسب سلطان إبوته لإبنه. وبالرجوع لغوياً لأصل الإنجيل اليوناني والتوراة العبري. فلقب « ثيؤطوكوس- والدة الإله» باليونانية، ويتكون من مقطعين« ثيؤ- θεὸς- theos» بمعنى «إله»، و« توكوس – τοκος» بمعنى والد أو والدة، للمذكر و للمؤنت معاً، من الفعل« يلد- تيكتو-τίκτω- tiktō» فهو لقب يصلح لغوياً للتذكير كما التأنيث ليصبح « والد الإله» فالوالد ليس بالضرورة من يقوم بعملية الولادة الجسدانية نفسها بل بسلطان الإبوة يدعى« والد» والعذراء كذلك ورغم كونها من ولدت الكلمة، أيضاً بحسب سلطان الأمومة دُعيت «والدة الإله- ثيؤطوكوس».
 
وبما أنها أم عمانوئيل فالإنجيل يقول أن عمانوئيل هو الله« متى 23 »:11
وبما أنها «أم الرب» فالإنجيل يقول لنا أن الرب هو الله«لو1: 43»
وبما أنها «أم يسوع»: فيسوع هو الرب الإله لأنه الإبن الكلمة المتجسد«يو 1:2 »
» وبما أنها «أم ابن الله»: فابن الله هو الله « لو 32:1
وبما أنها «أم إبن العليِّ» فإن العليّ هو الله«لو1: 35»
وبما أنه« إبن الله» المولود من إمرأة: « ارسل الله ابنه مولوداً من إمرأة »«غلا4:4»، فالمرأة التي ولدت إبن الله تصير« أم إبن الله وأم الله»
إذاً كل مَن ينكر بأن السيدة العذراء «أم الله ، والدة الإله» فأنه يرفض أن يعترف بأن المسيح هو« الله ظهر في الجسد» ويرفض أن يعترف بأن: « كل من رأني رأى الآب.. أنا والآب واحد .. لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الأب إلا بي».
 
فلا توجد إمرأة في العالم ُدعيت « السيدة العذراء» فكيف لسيدة تلد وتصير عذراء في وقت واحد إلا إمرأة واحدة، فهي« السيدة » رغم بتوليتها لأن إبنها هو السيد، وهي الملكة الحقيقية لأن أبنها هو الملك الحقيقي، وهي« الأم الروحية» لأنها «حواء الثانية» وأم الخليقة الجديدة من النسل المبارك الذين وُلدوا من الروح القدس من خلال ولادتها لإبنها الذي دُعيَّ شعبه على إسمه المبارك وصاروا أعضاء جسده السري.
 
ولي تكملة في المقال القادم لنتعرف هل (ثيؤطوكوس) لقباً كتابياً أم لا، وهل هو لقباً مستحدثاً كما يدعون أم كان متداولاً منذ الكنيسة الأولى. وأصل اللقب لغويا من التوراة العبرية وترجمتها لليونانية، ولماذا لانستطيع ان نقول أن العذراء ولدت فقط «إبن الإنسان» يسوع، بل ولدت جسداً مقدساً لسُكنى الله، وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا – يو1: 14؟.