يقلم : نانا جاورجيوس
منذ ثورات الخراب العربي وضحت الصورة أكثر حين مُنحت نوبل للسلام للإخوانية توكل كرمان، حين رأتها لجنة الإختيار أنها «حمامة السلام» لبلادها وليست غراب ناعق للخراب ولتدمير يَمَنِها البائس التعيس.
جائزة نوبل التي تم تسيسها بجدارة حتى أصبحت جائزة عالمية للتواطؤ، يقودها الغرب، وتحركها الأحداث السياسية على الساحة، فلم تعد فوق مستوى الشبهات، خصوصاً نوبل في الأدب الذي من المفترض أنه من أكثر المجالات تأثيراً في شعوبه،الأدب يتحدث عن ضمير الأمم ويخاطبهم بلغة الواقع والحقيقة في زمن نفتقد فيه لغة الأمانة، فهو الفن الذي يبرز التاريخ الإنساني وتراثه ويومياته بمثالبه وإيجابياته، و يمثل وجه الحياة الحقيقية ومرآة لإنعكاس مآل الشعوب وميراثهم وثقافتهم.


لم تعد نوبل تحمل فرحاً وشفافية كما كانت ولا نزاهة وشرف وحيادية، أصبح لها خفاياها المبطنة منذ أن رفسها الفرنسي جان بول سارتر،واصفاً إياها بأنها جائزة سياسية كجائزة لينين،ولكن السبب الأهم لرفضه ألا يصبح مؤسسة في منظومة أو تِرس في آلية لاترحم بل تلغي معها معنى شرف الكلمة، بقوله «إنه على الكاتب أن يرفض تحويل نفسه إلى مؤسسة حتى لو كانت مدرجة فى قائمة الشرف، وهؤلاء الذين يقدمون التشريفات وسواء كانت وسام شرف أو جائزة نوبل لا يملكون فى الحقيقة تقديمها»، وعن عدم ندمه لرفضه لها قال: «على العكسِ تماما فقد أنقذ ذلك حياتى فأنا أرفض صكوك الغفران الجديدة التى تمنحها جائزة نوبل».


- بينما جورج برنارد شو، الكاتب الأيرلندى إنتظر الجائزة طويلاً وعندما أتته سنة1925 قال: «هذه الجائزة أشبه بطوقِ نجاة يلقى به إلى شخص وصل بر الأمان ولم يعد هناك خوف عليه من خطر، لم يعد لى حاجة إلى تلك الجائزة، فهي تمنح لمن لا يستحقها... إننى أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكننى لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل.. إنى أكتب لمن يقرأ لا لأنال جائزة».


- أما الروسي  بوريس باسترناك الذي أُجبر على رفضها عام 1958 عن روايته «دكتور زيفاجو »، درءاً للأخطار التي أحاطت به وقتها  فقد حرمته الديكتاتورية السياسية للإتحاد السوفيتي من نيلها  وضغطوا عليه لرفضها. وكانت الجائزة بحسب ما وصفها المؤرخ السوفييتى إيفان تولستوى بكتابه « الرواية المغسولة»،«The Laundered novel» والتي عنت  برواية زيفاجو لباسترناك ونشرت لأول مرة في ميلانو بإيطاليا بعد أن رفض الإتحاد السوفيتي وقتها نشرها، وتنبهت لها اجهزة المخابرات فتلقفتها كسلاح لفضح وتعرية النظام السوفيتي القمعي، فيقول تولستوي المؤرخ: «أن نوبل تم تجهيزها في معامل « المخابرات المركزية الأمريكية CIA » بمساعدة المخابرات البريطانية ودول حلف الناتو».. منح جائزة باسترناك تمثل حالة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية. وهي مشابهة لحالة فوز البيلاروسية «سيتلانا أليكسيوفيتش» ، فهو فوز يحمل نفس المفهوم السياسي للحرب الباردة .


 ولكن منذ أن حطوا من قيمتها وطرحوها تحت أقدام اليمنية الإخوانية «بنت كرمان» التي حققت السلام لهم في وطنها وبمعيارهم، كما حققوا سلامهم في العراق وسوريا ! فلم تعد تمنح الجائزة لأجدر الأعمال الإنسانية ولمن يستحقونها حقاً لأنهم خدموا بلادهم و مجتمعاتهم، بل أصبحت تمنح غالباً لمن يهاجم ويعارض ويدمر مجتمعه أكثر بغطاء من الإنسانية الكاذبة والملفقة. فرق بين بنت كرمان التي إرتمت في أحضان «الصهيوأمريكا» عندما قاموا بتلميعها، وبين القيادي الثوري الفيتنامى « لو دوك ثو» مؤسس الحزب الشيوعي في الهند الصينية، الذي قاوم الإستعمار الفرنسى والأمريكى حد أنه رفضها  عام 1973 و جهوده كانت سبباً في إنهاء الحرب الفيتنامية، ولكنه رفض أن يشاطر الأمريكى اليهودي هنرى كيسنجر الجائزة إحتجاجاً لعدم تحقيق السلام الحقيقي في بلاده.


- لتمنح الجائزة الأدبية هذا العالم لكاتبة من بيلاروسيا« سيتلانا أليكسيوفيتش» التي كتبت «أصوات من  تشرنوبيل»  عن الحرب الروسية الأفغانية التي أستمرت عشرة أعوام، كما رصدت التحولات التي طرأت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي. ولكن أن تمنح في هذا التوقيت بالذات وخصوصاً لأديبة غير متعارف على إسمها،وهنا السؤال. لا نقلل من قدر الكاتبة في حد ذاتها ولا لمنحها الجائزة، خصوصاً أنها تبدع أدباً يرصد الوقائع الأدبية التاريخية، لا لأنها تنتقد النظام الروسي وسياسة الرئيس فلاديمير بوتين و نظامه. ولكن لأن أدب المعارضة والنقد يسعد أمريكا وحلفائها. وهو ما ألمحت إليه سارة دينيس رئيسة الأكاديمية السويدية: إن أعمال سيتلانا أليكسيوفيتش تعد «نصباً تذكارياً للمعاناة والشجاعة في عصرنا».


ثمة علاقة بين مؤسسة نوبل وتوجُهات السياسة الغربية، خصوصاً بعد دخول روسيا الحرب في سوريا وهدم سياسات ومصالح أمريكا وحلفائها في سوريا، ثمة إشارات و دلالات على تجدد الصراع بين القوتين العظمتين للكتلتين الشرقية والغربية، وحرب باردة من نوع جديد. بينما الحرب شديدة السخونة لدى الأقزام العربية الذين يتناحرون فيما بينهم ويضيّعون أوطانهم تحقيقاً لمآرب الغرب.


ليس العالم ضد نيِّل جائزة نوبل بل سيصفق لها حين تكون أعمال من يحملها الإنسانية تجعله جديراً بها، ولكن المجد لمن يرفضها ولا يعيش في جلبابها ولا يدور في فُلكها، حين يشعر أنها منحت له كصكوكٍ للغفران أو كطوقٍ للنجاة أو تمنح كنوع من الحرب الباردة بين الدول العظمى. فهناك عظماء لم ينالوها وقد كانت تتشرف الجائزة أن تمجد أعمالهم وتضوّي بأسمائهم، أمثال الأديبة الإنجليزية «فيرجينيا وولف» والروائي الفرنسي« مارسيل بروست» وعملاق الأدب الروسي« ليو تولستوي».