- أين دور الدولة لحل مشكلة تؤرق المزارع المصري؟
- المهندس "جمال الزيني": لماذا ألغى وزير الزراعة الدعم عن الفلاح وما تزال الحكومة تفرض الضرائب؟!
- المهندس "محمد التابعي": لابد أن يُفعّل دور الجمعيات الزراعية, وكذلك توفير العناية الجيدة بخدمة النخيل
- المهندس "أشرف كركر": قرار الوزير بإلغاء الدعم عن الفلاح يأتي بناءًا على أن الوزارة لا تستفيد من الفلاح بأدنى شيىء!!
- "رأفت عبد الملاك": سعر النخلة لا يتناسب وما تنتجه من محصول البلح، وكذلك الجريد والليف "السعف"!!
- "جمعة النشّار": في الوقت الذي تُباع فيه النخلة بحوالي 200 جنيهـًا؛ يشتريه التجار الذين يصدرونه لـ"إسرائيل" بـ120 جنيهـًا!!
- "رجب البيلي": أحوال السوق والزراعة في "مصر" لم تعد تبشر بالخير في ظل تدمير "سوسة النخيل" لآلاف الأطنان من المحاصيل الزراعية
تحقيق: محمد بربر- خاص الأقباط متحدون
على الرغم من أن حشرة "سوسة النخيل" تم اكتشافها في "مصر" مؤخرًا؛ وبالتحديد في عام 1992م, إلا أنها أخذت تنتشر بشكل متزايد حتى دمرت آلاف النخيل، وقضت على أطنان من التمر وما يحتويه من قيمة غذائية وكذلك اقتصادية, إلا أن "عشوائية القرار" سمحت لـ"سوسة النحيل" أن تستمر حتى تقضي على أجود أنواع الأفدنة المصرية.
وجوه المزارعين المصريين -الذين دفعوا ثمن إهمال وزارة الزراعة لأراضيهم- كانت حزينة وهم يشرحون لنا ما سببته هذه الحشرة, أن يبكي أحد الفلاحين أمامك بسبب خسارته الفادحة؛ والتي تتعدى النصف مليون جنيهـًا -حسب قوله- تجعلك تقدِّر حجم الخسارة, وحجم أهمية مكافحة مثل هذه الآفات.
وإذ تنشر صحيفة "الأقباط متحدون" هذا التحقيق كما وعدت المزارعين والمهندسين, فإنها تتمنى أن يتحمل السادة أصحاب القرار المسئولية، وأن يشاهدوا بأنفسهم ما آلت إليه الزراعة في "مصر".
"سوسة النخيل" دمرت خيرات "مصر" الزراعية
كانت البداية في "محافظة الشرقية", واختيار هذه المحافظة على وجه التحديد؛ لنبدأ منها كشف المجهول عن هذه الحشرة الخطيرة، لم يأتِ من فراغ, ففي عام 1992م، وهنا في "الشرقية" تم اكتشاف أول شجرة نخيل مُصابة بالآفة, وما يزال يعاني المزارعون في هذه المحافظة من ويلات انتشارها.
الخبير الزراعي المهندس "محمد الأوسية" اصطحبنا إلى إحدى المناطق الزراعية التي دمرتها "سوسة النخيل"، ولما سألناه عن أصل الحشرة أجاب: "يتعرض النخيل عامة، وخاصة "نخيل البلح" للإصابة بالعديد من الآفات الحشرية؛ أخطرها في الوقت الراهن هي حشرة "سوسة النخيل الحمراء"، والتي تؤدي إلى هلاك النخلة؛ سواء كانت كبيرة أو صغيرة، إذا ما تُركت دون اكتشاف ومعالجة".
واستطرد قائلاً: تُسمى بـ"سوسة النخيل" لأنها تصيب النخيل بكافة أنواعه، ولكنها تفضل "نخيل البلح" جدً،ا وذلك لملاءمة أنسجة جذع النخلة لحياة الحشرة، وتُسمى بـ"الحمراء" نظرًا للون الحشرة الكاملة المائل للإحمرار.
وعن منشأ الحشرة أكد أن منشأها هو "الهند"، ويرجع ذلك لأكثر من مائة عام، وتنتشر في "قارة آسيا" بدول: "الهند، وباكستان، والفلبين، وسري لانكا، وبورما، وتايلاند، وأندونيسيا، ودول الخليج العربي"، وفي عام 2000 دخلت الآفة إلى "اليابان"، وتم اكتشافها في مصر عام 1992 بـ"محافظة الشرقية".
دموع الفلاح المصري.. وقت لا ينفع الندم
أثناء تجولنا وسط أشجار النخيل وهمهمات الفلاحين المعترضين على سياسات وزارة الزراعة ومسئولي الجمعيات الزراعية, كان من الطبيعي أن تجد أشجارًا عظيمة وقد قتلتها السوسة وألقتها أرضـًا.
عم "يونس" -فلاح مصري من "محافظة الشرقية"- لما سألته عن مشكلته مع "سوسة النخيل" كانت دموعه تسبق كلماته، ثم قال: لمصلحة مَن ندفع من عرقنا وجيوبنا ونتعب ونشقى ونزرع بأيدينا كل يوم، وفي النهاية نخسر كل شيىء؟! ولا أحد يسأل فينا، وحينما نعترض تكون الإجابة دائمـًا من مسئولي الجمعيات الزراعية؛ إنها سياسة الوزارة!!
وأضاف "يونس".. قمت باستثمار معظم أموالي في زراعة أشجار النخيل، خاصة وأن الموسم كان مضمونـًا هذا العام، كما أن سعر البيع كان مناسبـًا, ولأننا تعرفنا على هذه الحشرة منذ فترة بعيدة، فقد كنا نحن مَن نتولى أمور علاج النخيل لو أصابتها السوسة, وهذا ليس حنكة منا, بل على العكس؛ كنا كثيرًا ما نقوم بتقديم الشكاوى ولكن لا أحد يسأل فينا, لكن المشكلة أن الموسم الماضي جاءت "السوسة" وقضت على معظم الأشجار، وكانت الخسارة بملايين الجنيهات, وأصابت الأراضي المجاورة وقمنا بمحاولات عديدة للقضاء عليها، لكن كانت الأشجار كلها كما نرى الآن, لا تساوي مليمـًا.
ولأن المشكلة ليست في "محافظة الشرقية" فقط, كان علينا أن نكشف النقاب عن آثار "سوسة النخيل" في إقليم "الدلتا"، وكذلك "محافظة العريش" التي أصابت الآفة أشجارها, وفي منطقة "السنانية"؛ إحدى أشهر مناطق زراعة أشجار النخيل في الوطن العربي، كان للتحقيق أبعادًا أخرى.
موت النخيل حيـًا.. وتصديره لـ"إسرائيل"!!
أشار "جمعة النشار" -فلاح من "محافظة دمياط"- إلى أن الجمعيات الزراعية في "مصر" عبارة عن وظيفة إدارية، والموظفين لا يهمهم سوى راحة بالهم، وقلة قليلة هي التي تهتم بالنخيل من باب أن ضميرها ما يزال يقظـًا -على حد تعبيره- وكشف "النشار" الستار عن قضية غاية في الخطورة، حينما أكد أن النخيل بمحافظتي "الدقهلية، ودمياط" يتم تصديره لدولة "إسرائيل"، وبأبخس الأسعار.
ففي الوقت الذي تُباع فيه النخلة بحوالي 200 جنيهـًا، إلا أن التجار الذين يصدرونه لـ"إسرائيل" يشترونه بـ120 جنيهـًا, مستغلين احتياج الفلاح للمبلغ، وكذلك خوفه من إصابة النخيل بحشرة "سوسة النخيل".
وألمح "رأفت عبد الملاك" -فلاح من قرية "شربين- الدقهلية"- إلى أن سعر النخلة لا يتناسب وما تنتجه من محصول البلح، وكذلك الجريد والليف "السعف"، ولكن الفلاح أصبح يفضل هذا السعر المتدني بدلاً من أن يستيقظ صباحـًا فيجد النخلة ميتة على الأرض.
وأضاف "رأفت" أن إصابة واحدة في أشجار النخيل تعد جهاز إنذار لبقية الأشجار التي من الممكن أن تصاب -حينئذ- في أ وقت.
وأكد "شكري أبو عريضة" -صاحب حلقة لبيع الفاكهة بالجملة- أن أسعار البلح هذا العام سوف تشهد ارتفاعـًا عن السنوات الماضية؛ نظرًا لقلة النخيل عن الأعوام السابقة، كما طالب المسئولين في شئون الزراعة بضرورة إيجاد علاج للقضاء على هذه السوسة قبل القضاء على ثروتنا من النخيل.
إحصائيات خطيرة.. تنذر بكارثة!!
وحسب إحصائيات إدارة المكافحة بمديرية الزراعة بـ"دمياط"، أكد المهندس "شوكت العليمي" أن عدد النخيل المصاب في الجمهورية عام 2000 لم يكن يتعدى رقم الـ50 نخلة, ولكن زاد العدد في عام 2003 ليصل إلى 135 نخلة, منها 40 في "محافظة الإسماعيلية", حتى وصل في آخر إحصائية إلى 46500 نخلة.
مشيرًا إلى أن هذا العدد هو ما تم تسجيله وأعلنته منظمة "الفاو", لكن إحصائيات الوزارة متضاربة, والموظفون لا يباشرون أعمالهم على أرض الواقع، ويكتفي الكثيرون منهم بتسديد الخانات صباح كل يوم, مضيفتًا أن وزير الزراعة قام بإلغاء 50% من قيمة وقاية وعلاج أشجار "سوسة النخيل" المصابة، وهو ما أصبح يمثل عبئـًا كبيرًا على الفلاحين.
ويوضح المهندس "محمد التابعي" -المستشار الزراعي بجمعية المدينة للتنمية المستدامة- طرق مكافحة الحشرة قائلاً: لابد أن توفر العناية الجيدة بخدمة النخيل، وعدم إجراء التقليم خلال شهري مارس وأبريل؛ لأنهما أكثر فترات السنة نشاطـًا للحشرة، ولابد من تهذيب الفسائل وإزالة الهيش من حول النخلة، ومعاملة أماكن التقليم بالتعفير أو باستخدام محلول المبيد، مشيرًا إلى ضرورة أن يتم فحص النخيل حتى يتم اكتشاف إصابة النخيل مبكرًا.
وقال إن هناك مكافحة ميكانيكية تتمثل في إزالة النخيل المصاب بشدة، والذي لا أمل في شفائه أو التخلص من الأطوار الحشرية المختلفة, وهناك أيضـًا المكافحة بالطرق الزراعية، وتتمثل في إجراء التقليم شتاءًا بدلاً من الصيف؛ لخفض نسبة الإصابات الجديدة.
وأضاف أن هناك أيضـًا المكافحة الحيوية عن طريق استخدام بعض الممرضات الحشرية من "نيماتودا"، و"فطريات" في مكافحة الحشرة, وهناك المكافحة الحيوية عن طريق أسلوب العلاج بالحقن والتبخير والأقراص والرش.
أين دور الدولة لحل مشكلة تؤرق المزارع المصري... "محلك سر"؟؟
يطالب "رجب البيلي" -فلاح- وزارة الزراعة بدعم وقاية ومكافحة وعلاج "سوسة النخيل"، كما كانت تفعل في السابق وتدعم الفلاح بحوالى 50%، مشيرًا إلى أن أحوال السوق والزراعة في "مصر" لم تعد تبشر بالخير، في ظل خسارة الفلاحين لأراضيهم ومحاصيلهم، وآخرها تدمير "سوسة النخيل" لآلاف الأطنان من المحاصيل الزراعية.
في حين يناشد "حبيب زكي -فلاح- وزير الزراعة بضرورة مراقبة وتفعيل دور الجمعيات الزراعية؛ لأنها لا تقدم أي مساعدة للفلاح ولا تتذكره إلا في دفع غرامة أو تحصيل رسوم!!
وأضاف "حبيب" أن الفلاح المصري يوفر قوت يومه بالكاد، فكيف يوفر المبيدات والعلاج وحده دون مساعدة من الدولة؟!
المهندس "أشرف كركر" -مدير إدارة مكافحة الآفات- أشار إلى أن قرار الوزير بإلغاء الدعم عن الفلاح يأتي بناءًا على أن الوزارة لا تستفيد من الفلاح بأدنى شيىء -حسب تعبيره- فالأرض ملكه والمحصول له، ويقتصر دور الوزارة هنا على التوجيه والإرشاد.
بينما ينتقد المهندس "جمال الزيني" دور الوزارة في ما آلت إليه أحوال الفلاح المصري، مؤكدًا أن المسئولين في وزارة الزراعة "محلك سر"، ولا يهتمون بما يحدث في "مصر" حين تهدر أجود الأراضي الزراعية.
موضحـًا أن الحكومة التي تفرض الضرائب على المواطنين، يجب عليها أن تدعم الفلاحين وتوفر لهم التوجيه الصحيح، وتُفعّل دور الجمعيات الزراعية، ومدى مراقبتها لكفاءة الأراضي الزراعية، وكذلك تمنع تصدير النخيل لأي دولة حتى لا يؤثر ذلك سلبـًا على سعر البلح في السوق، وكذلك إنتاجية الأراضي الزراعية. |