مارك كيرتس: بريطانيا بدأت تمويل «الإخوان» قبل ١٩٤٢.. وتعتبر الجماعة «سلاحاً مفيداً»
وسط تصاعد أفكار ما يسمى «الحرب على الإرهاب»، والتى ترفع لواءها الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الأوروبية، جاء كتاب الصحفى الإنجليزى «مارك كيرتس»secret affairs : Britain’s Collusion with Radical Islam أو (العلاقات السرية: التواطؤ البريطانى مع الإسلام الراديكالى)، الصادر منذ عدة أسابيع ليؤكد أن هذه الحرب ما هى إلا مسلسل محبوك الأدوار تلعب فيه الدول الكبرى أدوار البطولة فى سبيل تحقيق أهداف سياسية خارجية، وخلال أكثر من ٤٠٠ صفحة يوضح كيرتس كيف تستمد الجماعات الإسلامية قوتها المادية والمعنوية من الغرب وتحديداً من بريطانيا والتى لعبت دوراً كبيراً فى أفغانستان وباكستان وكوسوفو وحتى مصر وكانت القنبلة التى فجرها المؤلف فى كتابه هى كشف عمليات التعاون بين الإنجليز وجماعة الإخوان المسلمين بهدف التخطيط لإفشال الثورة وإسقاط نظام جمال عبدالناصر، وربما كانت هذه النقطة تحديدا بداية للعديد من الأسئلة التى طرحتها «المصرى اليوم» على الكاتب مارك كيرتس فى الحوار الذى دار عبر الإنترنت.
وإلى التفاصيل:
■ لنبدأ بالحديث عن مصر والتعاون بين الإخوان المسلمين والسلطات الإنجليزية هل يمكن أن تحدثنا عن بداية هذا التعاون وكيف كانت مراحله الأولى؟
- أول اتصال معروف بين «الإخوان» ومسؤولين بريطانيين كان عام ١٩٤١، فى ذلك الوقت كانت المخابرات البريطانية تنظر إلى خطط أى منظمة ضد البريطانيين باعتبارها الخطر الأكبر على الأمن العام فى مصر، ووفقا لحسابات البعض من المسؤولين الإنجليز ذلك الوقت فقد عرضوا مساعدة «الإخوان» لشراء دعمها.
وهناك نظريات كثيرة بشأن قبول أو رفض «حسن البنا» للحصول على الدعم البريطانى، ولكن بالنظر لحالة الهدوء النسبى للإخوان فى هذه الفترة فمن الممكن أن نقول إنهم قبلوا المعونة البريطانية، وقبل عام ١٩٤٢ كانت بريطانيا بالتأكيد قد بدأت فى تمويل جماعة «الإخوان» ففى ١٨ مايو عقد مسؤولون فى السفارة اجتماعا مع رئيس الوزراء المصرى «أمين عثمان باشا» كان أحد الموضوعات التى تمت مناقشتها فيه هو العلاقات مع الإخوان، وتمت الموافقة على عدد من النقاط الخاصة بهذا التعاون، واحدة منها أن الإعانات المقدمة من حزب الوفد للإخوان المسلمين سيتم دفعها سرا من جانب الحكومة المصرية، وأنها سوف تحتاج فى هذا الشأن إلى مساعدة مادية من السفارة البريطانية، كما أن الحكومة المصرية ستقوم بزرع عملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان لتراقب عن قرب أنشطتهم، وأن الحكومة سوف تسمح للسفارة الإنجليزية بالحصول على معلومات من هؤلاء العملاء، ومن ناحية الجانب البريطانى سيتم إطلاع الجانب المصرى على المعلومات التى يتم الحصول عليها من مصادر بريطانية، كذلك تم الاتفاق على محاولة خلق انقسام فى «الجماعة» من خلال استغلال أى اختلافات تقع بين حسن البنا وأحمد السكرى أحد مؤسسى الجماعة الأوائل.
كذلك تم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على حصول الجانب البريطانى على قائمة بأسماء أعضاء الإخوان الذين يمكن اعتبارهم من العناصر الخطرة مع التأكيد على عدم القيام بأى تحرك عنيف ضد المنظمة، ولكن العمل بأسلوب «القتل الرحيم»، كذلك الاتفاق على مساعدة حسن البنا على إصدار صحيفة وقيامه بنشر مقالات عن مبادئ دعم الديمقراطية لتظهر وسيلة جيدة تساعد على تفكيك الإخوان.
■ استعان الإنجليز بالإخوان فى محاولة للقضاء على حكم عبدالناصر اعتمادا على حالة العداء بين ناصر والإخوان، لكن هل استمر دعم الإنجليز للجماعة مع حالة الوفاق بين السادات والإخوان؟
- ليس لدى أدلة على وجود اتصالات بين بريطانيا والإخوان أثناء سنوات حكم السادات، لكن الملفات البريطانية توضح أن المسؤولين البريطانيين كانوا ينظرون بعين العطف لنظام حكم السادات الذى زرع الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين باعتبارها تتعارض مع القوميين والشيوعيين، ووصفت هذه الملفات «الإخوان» بأنهم سلاح مفيد لنظام السادات.
■ هل هناك أى نوع من التعاون بين الإخوان وإنجلترا حتى اليوم؟
- ليس لدى تعليق على هذا السؤال.
- ما الذى دفعك للكتابة حول تمويل بريطانيا للجماعات الإسلامية الأصولية، والخوض فى هذا التاريخ الشائك؟
- كانت تفجيرات لندن عام ٢٠٠٥ التى نتج عنها مصرع ٥٧ شخصا سببا فى اتجاهى للكتابة فى هذا الموضوع، فقد كان واضحا أن مثل هذه التفجيرات تحديدا لا تحدث من فراغ لكنها تصدر من البنية التحتية للإرهاب الذى تطور عبر عدة عقود مضت وأردت توثيق الدور الذى لعبته بريطانيا فى هذا الشأن.
■ كيف تفسر التناقض بين مفهوم الحرب على الإرهاب الذى تقوده الولايات المتحدة ودول أوروبا فى الوقت نفسه تقوم بريطانيا بدعم وتمويل الجماعات الأصولية؟
- لا يوجد حرب على الإرهاب، لكنها حرب على أهداف محددة من جانب واشنطن ولندن وهذا يعنى أن أساسات الإرهاب وبنيته التحتية لم يمسها أحد.
■ أشرت فى كتابك إلى قيام بريطانيا بإرسال متطوعين للقتال فى كوسوفو ويوجسلافيا فى التسعينيات، إلى أى البلاد ينتمى هؤلاء المتطوعون؟ وما هو دور بريطانيا فى هذا الشأن؟
- لم أدع أن بريطانيا أرسلت متطوعين، لكن فقط ذكرت أنه خلال سنوات حرب البوسنة ترددت اقتراحات موثوق بها تفيد بسماح بريطانيا والولايات المتحدة -وربما تكونان قد سهلتا- سفر بريطانيين وغيرهم من المسلمين إلى كوسوفو للقتال والجهاد، وقد أشار (بى رامان) وهو ضابط سابق فى المخابرات الهندية إلى أن القوات الباكستانية المرتبطة مع جماعة الإرهاب، والتى قاتلت فى البوسنة قد تم تحويلها بواسطة CIA المخابرات الأمريكية إلى كوسوفو، وفى أعقاب تفجيرات لندن ٢٠٠٥ قال (جون لوفتس)، المدعى العام فى وزارة العدل الأمريكية وضابط المخابرات السابق، بأن المخابرات الإنجليزية MI٦، قد عملت مع القوات الإسلامية المنظمة من المجاهدين لإرسال أفراد إلى كوسفو، وصرح لوفتس كذلك لإحدى محطات التليفزيون الأمريكى بأن قادة المجاهدين كانوا جميعاً يعملون لحساب المخابرات البريطانية فى كوسوفو، بل إن المخابرات البريطانية قد عينت بعضا من رجال القاعدة للدفاع عن حقوق المسلمين فى ألبانيا وكوسوفو، وأقول أيضا إن CIA كانت تمول بعض العمليات بينما المخابرات البريطانية تتولى التنظيم والتجنيد.
■ أشرت إلى وجود تعاون يتم مؤخراً بين طالبان والمسؤولين الإنجليز، ما نوع هذا التعاون؟
- بحلول منتصف عام ٢٠٠٩ تم إبلاغ وسائل الإعلام الكبرى عن جهود بريطانية جديدة لإجراء محادثات مع قادة طالبان، وفى الحقيقة مثل هذه الجهود تعود إلى أبعد من ذلك بكثير وحتى قبل عام ٢٠٠٦، حيث قامت بريطانيا بتعزيز مفاوضات سرية مع قادة طالبان للوصول إلى حل سياسى للحرب، وفى عام ٢٠٠٤ مثلا عقد اجتماع معروف على نطاق ضيق بين وزير الخارجية جاك سترو ومولانا فضل الرحمن أحد الزعماء الدينيين لـ«طالبان» ورئيس جمعية حزب الأمة الإسلامية فى باكستان المعروفة باسم JUI والتى لعبت دوراً محورياً فى الائتلاف بين ستة أحزاب دينية فى الجمعية الوطنية الباكستانية، ومن الناحية السياسية فهى منحازة إلى حركة المجاهدين الإرهابية، وفى هذا الاجتماع طلب سترو من رحمن التوسط فى المحادثات مع طالبان، وقد أخبر رحمن صحفيا محليا وقتها بأن السلطات البريطانية تعمل بالنيابة عن الولايات المتحدة، هذه العمليات غير المباشرة تم اللجوء إليها لتجنب أى آثار سلبية قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكان هدف هذه المحادثات هو البحث عن طريقة لخروج مشرف لقوات الولايات المتحدة من أفغانستان، كما أضاف رحمن أنه قد تم دعوته عقب الاجتماع لمختلف المؤسسات التى تعمل فى إطار وزارة الخارجية البريطانية.
وفى زيارة أخرى إلى لندن عام ٢٠٠٤ عقد اجتماع آخر مع وزير الخارجية مارك أوبرين، وهكذا كانت بريطانيا تتفاوض مباشرة مع مجموعة إسلامية متطرفة لصالح الأمريكيين وعلى ما يبدو العمل معها، وفى أغسطس ٢٠٠٩ قابل رحمن مفاوضا أمريكيا فى إسلام أباد كجزء من سياسة الرئيس أوباما للوصول لبعض الإسلاميين الباكستانيين المتحمسين ضد الأحزاب الأمريكية كما علقت صحيفة الفجر الباكستانية.
■ أشرت إلى مصطلح Londonistan فى كتابك، ما الذى يعنيه هذا المصطلح؟
- فى حدود عام ١٩٩٠ أصبحت لندن مركزا لتنظيم الجهاد العالمى ومن هنا جاء المصطلح، حيث حصلت الجماعات الإرهابية فى لندن على الكثير من التسامح من جانب السلطات، هذا الأمر فى تصورى يمنح السلطات الفرصة لرصد هذه العناصر، وعلى الجانب الآخر يمنح ذلك بريطانيا بعض المزايا فى سياستها الخارجية بالشرق الأوسط ويمكن استخدام هذه الجماعات كنقاط للضغط على الحكومات الأجنبية.
■ لماذا قامت إنجلترا بدعم معسكرات تدريب بعض الجماعات الجهادية كما ذكرت فى كتابك؟
- لم أقل إنها معسكرات مدعومة من بريطانيا، لكن ما كانت السلطات البريطانية تعرفه منذ عام ١٩٩٠ هو وجود المئات من المتطرفين، من ضمنهم بريطانيون، كانوا يمرون على معسكرات تدريب فى الخارج، ولم تتخذ بريطانيا أى إجراء معهم لإيقافهم ويبدو أن هذا التسامح قد وفر لبريطانيا ألا تكون هدفا للإرهاب وقتها.
■ فى ظل هذا التعاون كيف تفسر تعرض لندن نفسها لتفجيرات إرهابية؟
- أصبحت المملكة المتحدة ذاتها هدفا بسبب دورها الملازم للولايات المتحدة فى التدخل العسكرى فى الشرق الأوسط، وكذلك دعمها المستمر لإسرائيل.
■ تقول إن بريطانيا لا تزال تتعاون حتى اليوم مع الجماعات الأصولية لدعم سياستها الخارجية، هل يمكن إعطاؤنا مثالا على هذا التعاون؟
- عمليات التعاون -أو التواطؤ- تغيرت فى السنوات الأخيرة، فقد كانت موجودة بالفعل عام ١٩٩٠ وقبلها لكن ليس الآن، وما أقوله هو أن بريطانيا لا تزال تعمل من خلال، أو لديها شروع للتواطؤ، مع بعض الجماعات المتطرفة لاحتلال جنوب العراق، فالوضع الضعيف للبريطانيين أدى إلى التعاون مع قوات الإسلاميين من الشيعة لضمان خروج محترم من البلاد، الليبراليون والعلمانيون تم تجاهلهم عقب الغزو، وعندما تسحب بريطانيا قواتها المقاتلة تكون قد سلمت مسؤولية الأمن لهذه المليشيات، والمفارقة أن بريطانيا تؤيد وتتعاون مع المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق الذى يعد ضمن النفوذ الإيرانى فى العراق، وفى الوقت نفسه تستمر بريطانيا فى تحالفها العميق مع باكستان وهى الحامى الرئيسى لحركة طالبان، وخلال الحرب فى العراق وأفغانستان كانت تحالفات الحكومة البريطانية مع أعدائها غريبة.
■ ألم يخطر فى أذهان المسؤولين الإنجليز احتمال انقلاب الجماعات الأصولية عليهم؟
- لا يوجد دليل على أنهم كانوا يعتبرون ذلك مخاطرة فى الماضى، النخبة البريطانية بصفة عامة لديها نظرة برجماتية شديدة فهم يفتقرون للرؤية على المدى البعيد، وسجل تاريخ الحكومة البريطانية يوضح أنها تتعاون مع أى شخص أو جماعة لتحقيق أهداف المدى القريب.
■ ألا يمكن أن يثير كتابك الرأى العام ضد السياسيين والحكومة البريطانية؟
- لم تقم الحكومة البريطانية بأى رد فعل تجاه الكتاب، والسياسيون لا يدخلون فى جدل عنيف حول مثل هذه الكتابات فهذا لا يحدث إلا فى مجتمعات أقل ديمقراطية
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :