وفد الإنقاذ الوطني
بقلم: يوسف وهيب
لأكثر من عقدين ترسخت في المخيّلة السياسية لدى غالبية المصريين بمن فيهم النخبة الثقافية والسياسية حتى المشتغلين بالشأن السياسي نغمة استمراءية مفادها أن الحزب الوطني هو اللاعب الأوحد والمسيطر على مقاليد الأمور في الحياة الحزبية والسياسية.
ومن العجب أن نغمة الاستحواذ هذه تتوازى معها نغمة أخرى لا يفتأ الكثيرون ترديدها مؤكدين إن الحزب بمساعدة الحكومة يقوم بتزوير الانتخابات وتسويد النتائج لصالحه دومًا، رغم تناقض النغمتين كليًا وجزئيًا!
ولأن المقام هنا لا يتسع لمناقشة الصدق أو المبالغة في هذه التصورات أو الاتهامات فإن المحصلة التي يكتوي الجميع بنيرانها هي تنامي الفساد واستغلال النفوذ والمحسوبية في كل مجالات الحياة فيما يتشابه تمامًا مع الظروف والأحوال التي سبقت قيام ثورة 23 يوليو 1952والضحايا في نهاية الأمر ليسوا من هذا الفصيل السياسي أو ذاك أو من النخب السياسية المتصارعة أو المتعارضة ولا أقول المعارضة، الضحايا هم أنا وأنت ومعنا ما يزيد عن 40 مليون مواطن من العمال والطلاب والفلاحين ومرضى الكبد والأرامل والأيتام والذين ليس لهم أحد يذكرهم عند ذوى الجاه والسلطان.
هذا الارتباك السياسي صار من الخطورة بمثابة الداء العضال الذي لا يُجدي معه دواء اللهم إلاّ حدوث معجزة سماوية، إذًا ليس أمامنا لتجاوز حالة الإرباك السياسي هذه وما يستتبعها من توهان شعبي وضياع حقوق الغالبية من الناس إلاّ محاولة إعادة الترتيب وتنقية الأجواء حتى تؤتى مطامح الإصلاحات ثمارها، ورغم ما يردده البعض ممن يعرّفون أنفسهم بأنهم محللون سياسيون واستراتيجيون أن هناك صفقات ما تمت أو تتم بين الوطني وبعض الأحزاب وبعض القوى السياسية الأخرى.
إلا إن الأوساط السياسية الحكومية أو داخل الحزب والناصحين لهم من خارج الدائرة أدركوا أن الوقوف عند حد الإيمان بأن "الوطني" هو اللاعب الأوحد في الساحة السياسية قد يؤدى إلى كوارث سياسية واجتماعية لن يكون الوطني بمنجاة من آثارها السلبية. وبدأوا ينتبهون إلى الاعتراف بضرورة وجود منافس حقيقي يتمكن من المنافسة الحقيقية وليس الديكورية أو ما كان ينعته البعض بالتمثيل المشرف لأحزاب المعارضة.
كل هذه التصورات سمحت لتناثر التقوّلات هنا وهناك بأن الحكومة والحزب لا يسمحان دومًا للمنافس خاصة إذا كان حقيقيًا ولديه رؤاه الخاصة وقد يكون مرجع هذه التصورات إلى عدم فاعلية أحزاب المعارضة طوال ما يزيد على حقبتين من الزمن.
إلا أن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها الحزب وحكومته هي ظهور لاعب حقيقي يلعب بأدواته هو وقناعاته السياسية وليس بشروط الحكومة أو الحزب الحاكم، هذا اللاعب السياسي الجديد القديم في آن واحد تمثل في القيادة الوفدية التي جاءت عبر انتخابات حقيقية لم تشهد الحياة السياسية والحزبية المصرية مثيلاً في نزاهتها وفي نبالة منافستها منذ تأسيس المنابر في العام 1976.
هذه القيادة الوفدية وعلى رأسها الدكتور السيد البدوي شحاتة أحد فرسان صناعة الدواء في مصر ومعه رموز العمل السياسي محمد سرحان وياسين تاج الدين وفؤاد بدراوى ومنير فخري عبد النور وبهاء أبو شقة ورضا ادوارد ومحمد مصطفى شردي ورمزي زقلمة و د. على السلمي وطاهر حزين وآخرين من الكوادر السياسية والإدارية المتنوعة.
المفاجأة الأكبر لم تكن في شخص رئيس الحزب ولا طموحاته السياسية بل فيما يتسلح به من مصداقية ونزاهة ولمس الجميع هذا في إدارته بنبالة وفروسية لسير الانتخابات وكذلك للحظة إعلان النتيجة وهو ما عبرت عنه الصورة التي جمعته بالرئيس السابق للحزب الدكتور محمود أباظة الذي بدت فروسيته هو أيضًا في قبول النتيجة بصدر رحب طالما إن هذه هي إرادة الوفديين ولم تنجح محاولات البعض في الوقيعة بين أبناء الحزب.. تجلّت هذه الروح الجديدة على الحياة السياسية المصرية في إقبال الكثير من الشخصيات العامة على عضوية الحزب، وفيما هو أهم بدت الروح الجديدة تتجسد في أعمال وليس أقوال أو خطب سياسية فقط، فمن معارضة الحناجر والصحيفة إلى المنافسة في حل مشكلات المواطنين عمليًا وهو ما تمثل في إصلاح كثير من الأحوال الاجتماعية والمهنية لأبناء الوفد سواء العاملين في الحزب أو الصحيفة، وتجاوز ذلك الإطار إلى مساعدة كثير من المواطنين في عدة محافظات سواء كانوا من أبناء الوفد أو من خارجه.
نحن إذًا أمام روح جديدة من العمل الحزبي والسياسي يقودها الدكتور البدوي شحاتة بالعمل الذي يغادر جدران الحزب وميكروفوناته وصحيفته إلى الشارع ومن الأساليب التي تفتقد الحصافة السياسية وتتبنى التلسين والشتم فقط في انتقاد الحكومة إلى المشاركة الفاعلة دون حرج.
إن العمل الوطني يقتضى أن تكون المعارضة والحكومة في خندق واحد طالما كان إيمان الجميع بمصلحة المواطنين جميعًا قبل مصلحة الحزب الحاكم أو المعارض، وربما امتدادًا لنظرية المؤامرة أو اتفاقات ما خلف الستائر استغرب البعض -ممن يصرون على عدم العلاج من قصر النظر- ما تلاقيه القيادة الوفدية من احترام على كافة المستويات الحزبية و الحكومية ولدي رجل الشارع ، ولأن طاشت تلميحات هنا وأخرى هناك حول هذه الروح الجديدة فإن مردَّ ذلك إلى إننا لم نتعود نموذجًا معارضًا يصب جل اهتمامه في البحث عن حلول حقيقية لمشاكل المواطنين وبالتعاون مع الحكومة وهذا هو جوهر المعارضة الوطنية الحقيقية لا النموذج الذي تعودناه في الصياح والشجب واللعن أو النموذج الذي تم تدجينه واستئناسه لأداء دور كاريكاتوري في مسرحية هزلية اتفقنا على تسميتها بالديمقراطية.
على أية حال لو لم يرحب الحزب الوطني والحكومة بالدور الوفدي وغيره ممن يقومون بأدوار وطنية في إطار الممارسة الديمقراطية فإنه -أي الوطني- لا يريد إنقاذه من الصورة التسلطية و الاستحواذية التي رسختها بعض الممارسات السلبية والطيش السياسي والتنفيذي لكثير من الأجهزة التابعة للحزب والحكومة، ولعل الجميع يدركون أن العمل الوطني يتطلب وجود كل الألوان والنغمات حتى تبدو الصورة واضحة ولا يكون اللحن نشازًا بصوت واحد وحيد لا يسمعه أحد وإن استمع له مرة فلن يكرر الثانية.
لاعب الشطرنج المحترف قد تخنقه مباراة واحدة مع مبتدئ لكن مع أنداده يبدع ويستمتع أيضًا.
yousefwaheb@yahoo.com
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :