بقلم: مجدي ملاك
التعليم الديني هو واحد من أسباب فساد المناخ العام في مصر، كما أنه وسيلة لتحقيق الربح وجلب الأموال من الخارج، تلك مقولة لا يمكن لأحد أن يختلف عليها، وهذا هو ما رأيته بعيني حينما شاءتني الأقدار أن أذهب إلى أحد الأماكن البعيدة، فإذ بى أجد أن كل عدد من المترات يوجد معهد ديني تم انشاءه أو معهد ديني جاري إنشاءه، وحينما سألت بعض السكان الذين ينتمون لذلك المكان عن سبب انتشار تلك المعاهد التي لم أجدها من قبل على الإطلاق، فكانت المفاجأة أن أعضاء مجلس الشعب هم من يتولون إقامة تلك المعاهد في القرى المختلفة، وأن الأهالى يقومون بانتخاب هذا العضو بشكل منتظم من أجل وعوده بإنشاء تلك المعاهد الدينية، كما أنه وحسبما سمعت من أهالي تلك القرية دائم السفر للسعودية حيث له العديد من الأعمال هناك منذ زمن بعيد.
وإذا كان هذا هو المشهد الأول في مجمل المشاهد التي كان من السهل ملاحظتها فهناك مشهد آخر وهو أن هناك مجموعة من الشباب المسلم في تلك القرية تتعمد وبشكل ملفت للنظر معاكسة شابات مسيحيات، وهم ثلاثة حالات تحديداً، وهو ما يجعل تلك القرية قابلة للإنفجار في أي لحظة من اللحظات، حيث تكررت الصدامات بين عائلة الشابات نتيجة قيامهم بالحديث مع أهالي هؤلاء الشباب وتحذيرهم بشكل مستمر مما يحدث ولكن يبدو أن الأمر لا يعد سوى عملية تضييع للوقت، وأن المخطط الذي أعد يصرون على تنفيذه على الرغم من التحذيرات المختلفة من أهالى القرية، وحينما تأملت ما سمعته وجد اختلاف كبير في هذه القرية في الماضي عن الوقت الحالي، وأن هناك حالة من الدروشة الكبيرة التي ظهرت في الملبس الذي يرتديه الأفراد في تلك القرية، فكل شئ تقريباً قد تغيير، بحيث أصبح الجلباب والبنطلون تقريباً هو الزي الغالب على تلك القرية التي كانت تتمتع بروح تسامح في الماضي تحسد عليه .
المشهد الثالث الأكثر غرابة في ذلك المكان أن كل بيت تحول تقريباً إلى جامع، حيث أصبحت كل بناية هناك يخصص فيها الدور الأول للصلاة في تلك البيوت، وهو ما جعل كل المنازل هناك ذات مآذن واضحة للعيان، فتساءلت بشيء من المنطق ما هو الداعي لذلك؟، فالقرية لديها لا يقل عن ثمانية جوامع في مساحة صغيرة جداً، فقال لي أحدهم أنه منذ برامج أبونا زكريا وانتشرت تلك المآذن في كل بيت، وهى تستهدف الهجوم عليه وبالطبع الهجوم على الديانة المسيحية في كل مناسبة ونحن في كل يوم نسمع وكأنها أصبحت إذاعة مفتوحة طوال الأسبوع، فسألت بعض من في القرية، ولماذا لم تعترضوا على ما هو موجود؟، فكان الرد وكيف سوف نعترض؟ فنحن إذا اعترضنا سوف نُتهم بالكفر على طول الخط، وأننا أعداء الله، ولهذا نحن صامتون.
توقفت لحظة ورأيت أن ما يقولونه حقيقي، فالإعتراض الفردي هنا لن يفيد، وأن الخطأ يقع بشكل أساسي على الدولة التي تركت الشارع للتطرف الديني إلى هذا الحد الذي انتشرت معه كل وسائل التطرف وبشكل ملحوظ، وحينما تأملت الموقف أكثر رأيت أن تلك المعاهد الدينية التي انتشرت، ومآذن البيوت التي أصبحت سمة أساسية لا بد بالطبع أن تنتج تطرف وصدامات وخطط تستهدف كل من هو مختلف معها في الدين، فما شاهدته بعيني يمكن أن أطلق عليه "تديين ودروشة القرية"، ولكن فيما أفكر في هذا الامر اعترى عيني شيء آخر وهو أن أهل القرية أيضاً محرومون من كل شيء يكاد يكون طبيعي، فالمياه غير صالحة للشرب ويضطر الأهالي لشراء المياة من بعض العربات التي تمر على القرية، التلوث يملأ القرية بشكل غير طبيعي ولا يوجد مكان يمكن أن تطلق عليه أنه مكان صحي، الشوارع مثل المستنقعات التي نراها في كثير من الأحيان في أفريقيا.
وبعد كل هذا أيقنت أنه لا بد من الربط بين ما يعانيه أهل القرية وبين الخلاص الذي يقدم لهم من خلال الميكروفونات التي يرونها في كل مكان، فالحل بالنسبة لأهل القرية كان من وجهة نظرهم هو اللجوء إلى الله عبر تلك الميكرفونات من أجل خلق عدو قادرون على محاربته وهزيمته، فطالما لم يستطيعون محاربة الفقر والجهل وتلوث المياة وتلوث البيئة، فبهذا ستصبح الحياة بلا انتصار واحد، ومن ثم فلا بد من خلق عدو تكون قادر على هزيمته بشكل سهل، وأن يكون لديك الوسائل اللازمة لهزيمته، وبهذا يمكن أن تشعر بالرضا الذي حُرمت منه نتيجة غياب أي شيء طبيعي في تلك القرية.
إن خلق العدو هى نظرية تساعد فيها الدولة بشكل كامل وأساسي، وللأسف لا يوجد عدو هنا أبسط من المسيحي المغلوب على أمره من أجل تخريج كل الطاقة ضده، فعوامل الفقر وكل ما يعاني منه أهل القرية يدفعهم للتفكير في الخلاص, والخلاص هنا لا يمكن أن يكون سوى بأسلمة المسيحي أو الإندفاع لقتله، ثم نرجع سؤالنا القديم لماذا تغير المجتمع المصري؟، والجواب لم يعد يحتاج للتفكير، فالدولة تركت المجتمع للفقر، حتى يلجأ للدين المخلص، ومن ثم يصبح التطرف أمر واقع وكنتيجة طبيعية لما نراه كل يوم أمام أعيننا، هذا إذا كانت ما زال لدينا قدرة على الرؤية بشكل صحيح.